المجزرة بحقّ إياد الحلاّق
تبرئة قتلة الفتى المتوحّد إياد الحلاّق، ليست جريمة عادية من جرائم الاحتلال البشعة، فكل جرائم الاحتلال بمنتهى البشاعة والوحشية، ولكن جريمة قتل إياد هي مجزرة وليست جريمة تقليدية من جرائم الاحتلال التي تتكرّر يوميًا، لأنَّ ما قتل فيها أكثر من شابٍ فلسطيني آخر. هي جريمة متعدِّدة الوجوه والرّسائل. هي في الواقع مجزرة.
أوَّلا وجود احتلال وفرضه بالقوة المسلحة على شعب آخر، وتوقيف شبابه ونسائه ورجاله وأطفاله على حواجز وتفتيشهم والتحقيق معهم وفرض احتلال أجنبي عليهم، هي أم الجرائم كلها.
الجريمة الثانية، هي إشهار السِّلاح على فتى متوحِّد، في الوقت الذي لم يكن يحمل أي نوع من سلاحٍ، لا بارد ولا حار، ولا يشكّل أيَّ خطر على أحد، وخصوصًا أنّه خاف من الجنود وهرب من أمامهم بحثًا عن مكان يحتمي فيه.
الجريمة الثالثة، أنّه بعد أن أطلق عليه أحد جنود “حرس الحدود” النار، وأرداه جريحًا وفي حالة خطيرة، أي أنّه كان مشرفًا على الموت، ورغم صراخ مرافقته بأنّه متوحد، أي أنّه لا يشكل خطرًا ولم يكن في نيّته أصلا أن يشكل خطرًا على أحد، حينئذ قام جندي آخر بإطلاق ثلاث رصاصات إضافية على الجريح ليجهز عليه، ليصبح عدد الرصاصات الجبانة في جسد إياد سبع رصاصات، أكثرها في الجزء العلوي من جسده، وليصبح هؤلاء القتلة أبطالا في نظر بعض قادة الاحتلال وممثليهم في الكنيست، الذين أكّدوا دعمهم لهؤلاء القتلة، معتبرين مثل هذه الجرائم، مشروعة لردع الفلسطينيين، حتى وإن كان الضحية متوحِّدا، وتكفي ذريعة لقتله أنّه هرب من أمام جنود الاحتلال.
منذ ارتكبت هذه المجزرة قبل ثلاث سنوات، ظنّ البعض أنّ المحكمة سوف تدين القتلة، على الأقل كي تبقي بعض ماء وجه لهذا الوجه الموحِل للمحتلين، على الأقل أن يحاول قضاء الاحتلال التمثيل أمام الرأي العام كما مثّل سابقًا! وأن يوبخ شكليا على الأقل الجنود القتلة، ولكنه لم يفعل.
لماذا لم تعاقبهم ولو بتوبيخ! كي لا يكون هناك انطباع بأنَّ الجنود يمكن أن يكونوا بمثل هذا الجبن، وبمثل هذه الوضاعة والوحشية.
أراد القضاة القول إن الجنود خافوا من كلمة أو إشارة قام بها إياد، أوهمتهم بأنّه يحمل مسدسًا، لم ترد المحكمة إظهار جنود الاحتلال بهذه البهيمية، فقررت أن تبرّئ ساحتهم.
تبرئة قتلة إياد رسالة إلى الشعب الفلسطيني بأن الاحتلال لا يمكن له إلا أن يزداد وحشية، وأنه لم يعد قادرًا حتى على تمثيل دور التحقيق في الجريمة، أو الذي يرفض القتل لمجرّد القتل، لأنّ الاحتلال سفاح وقاتل وخارج عن أي عرف إنساني، ويسعى إلى تعميق هذه المزايا، بأنّه لا يعترف بأي قيمة تردع جنوده عن القتل، حتى قتل الجرحى وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة.
حجّة الجندي كانت دائمًا بأنه ينفّذ توجيهات ضبّاطه في إطلاق النار، أما أولئك الذين من فوقه وفوق الضباط، فهم يهتمون بتبرئة ساحة القتلة، والوقوف إلى جانبهم، وتحويل جبنهم ونذالتهم إلى بطولة، كي لا يرتدع هؤلاء أو غيرهم عن مثلها.
يريد الاحتلال فرض صورة الضحية المستباحة على الفلسطيني، سواءً كان إنسانًا عاديًا أو مقاتلا، طفلا أو شيخًا ،رجلا أو امرأة، فأنت مرشح للقتل هكذا بصورة مجانية.
أذكر والدة الشهيد إياد الحلاق عندما قُتل ابنها وهي تطالب رئيس الحكومة بينيامين نتنياهو، وتخاطبه عبر وسائل الإعلام: أريد أن أعرف لماذا قتلوا ابني!
وقالت والدته يومها إنّ إياد كان يحبّ القطط وقد أسقاها وأطعهما في الصباح. الاحتلال يتوحش يومًا بعد يوم، ويعيش وهم كسْر إرادة الصمود والمقاومة لدى أبناء الشعب الفلسطيني.
لا يمكن لاحتلال أن يحاسب نفسه، ولا يمكن أن يدين جنوده الملقاة على عاتقهم مهمة احتلال وفرض سيادة على أرض وعلى شعب آخر بالقوة، الاحتلال لا يمكن أن ينصف ضحايا الاحتلال.
رئيس العصابة لا يمكن أن يدين أفراد العصابة الذين أرسلهم ليسرقوا وينهبوا، مهما فعلوا.
الاحتلال يحاكَم فقط حيث يحاكم مجرمو الحروب، ويجب أن يعاقب كما يليق باحتلال مجرم، وكما يليق ببشرية سنّت قوانين ما بعد حربين عالميتين، تقضي بحماية المدنيين والجرحى والأسرى في فترات الحروب، وترفض الاحتلال من أساسه.
المصدر: عرب 48