المحللون والعسكريون الإسرائيليون يقرون بفشل أهداف الحرب على غزة
قال الباحث والمحلل السياسي أنطوان شلحت، لـ”عرب 48″ إنه لا شك في أن الحكومة الإسرائيلية مأزومة بسبب الاتفاق، وهذه الأزمة إن دلت على شيء، فهي تدل على أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي وضعتها للحرب”.
أهالي جباليا يعودون إلى مساكنهم المدمرة، اليوم (Getty Images)
يشهد قطاع غزة مرحلة جديدة من الترقب بعد إعلان وقف إطلاق النار ومنع حرب الإبادة، إلا أن الأسئلة حول استدامة هذا الهدوء تطرح بقوة على الساحة السياسية والإعلامية. ويثير مستقبل الحكومة الإسرائيلية بعد الحرب العديد من التساؤلات، خصوصًا في ظل تصاعد الانتقادات الداخلية من محللين سياسيين وعسكريين سابقين، الذين أقروا بفشل أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتبرز قضية إدارة قطاع غزة بعد الحرب، خاصة مع إعلان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، عن إمكانية تولي السلطة المسؤولية هناك، وهو أمر اعتبره العديد من المراقبين غير واقعي في ظل المعطيات الحالية.
للإضاءة على هذه القضايا واستشفاف السيناريوهات المحتملة لمستقبل الحكومة الإسرائيلية بعد استقالة الوزير اليميني بن غفير وحزبه من الحكومة، قال الباحث والمحلل السياسي أنطوان شلحت، لـ”عرب 48” إنه “لا شك أن الحكومة الإسرائيلية مأزومة بسبب الاتفاق، وهذه الأزمة إن دلت على شيء، فهي تدل على أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق الأهداف التي وضعتها للحرب، ولذلك هناك أزمة”.
وأوضح شلحت أن “الأزمة أعمق، وهي ليست فقط من جهة اليمين المتطرف مثل حزبي الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت، ولكن أيضا هناك أصوات داخل الليكود تقول إن الحرب لم تحقق أهدافها، وإن اتفاقية وقف إطلاق النار هي ذاتها المطروحة منذ أيار/ مايو 2024، أي منذ وقتها حتى اليوم حدث استمرار عبثي للحرب، لأنه لم يدفع باتجاه تحقيق أية هدف من أهداف الحرب، ولغاية الآن لا مؤشرات لتفكيك الحكومة الحالية والائتلاف الحالي، لأن الحكومة ستبقى مع 62 عضو كنيست أي أغلبية ثابتة حتى مع خروج 6 أعضاء من حزب عوتسما يهوديت، ولكن هناك محاذير، ومن الواضح أن نتنياهو قبل باتفاق مراحل لمنع سقوط الحكومة، لأنه لو وقع على اتفاق كامل ينهي الحرب لسقطت الحكومة، عندها كان سموتريتش وبن غفير معا خارج الحكومة، وقد تحظى هذه الصفقة بتأييد أكبر في الكنيست من خارج الحكومة بواسطة شبكة الأمان، ولكنها لن تحمي الحكومة والائتلاف الحالي من التفكك، لأن هناك أكثر من سيناريو، فقد يخرج بن غفير وسموتريتش من الحكومة ويواصلان دعم الحكومة من الخارج.”.
“عرب 48”: يرشح أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قطع عهدا لوزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، باستئناف الحرب؟
شلحت: هذا صحيح، حصل سموتريتش على هذه الوعود من رئيس الحكومة، وهي أن تعود إسرائيل للحرب في المرحلة الثانية، وأظن أن نتنياهو قطع هذا الوعد لتأجيل الأزمة في الحكومة للمرحلة الثانية، لأن الإدارة الأميركية تعتبر أن هذا الاتفاق ينهي الحرب، وإذا ما أراد نتنياهو استئناف الحرب ستكون الإدارة الأميركية له بالمرصاد، إلا إذا كانت هناك عوامل أخرى تريد استئناف الحرب، مثل أن تقتنع الحكومة بخرق للاتفاق من جانب المقاومة.
“عرب 48”: المشاهد التي رأيناها، اليوم، من خروج المقاومين من حماس، والشرطة في غزة، تثير الجمهور الإسرائيلي؟
شلحت: المجتمع الإسرائيلي وما يعبر عنه من خلال التحليل أن الحرب أخفقت في تحقيق أهدافها، أخفقت في تحرير المخطوفين، أخفقت في القضاء على حماس من ناحية عسكرية وسلطوية مع أنها ألحقت ضررا كبيرا في حماس، وكذلك أخفقت في الهدف الثالث بإنهاء أي تهديد من غزة لأمن إسرائيل، ومن الواضح أن الجمهور الإسرائيلي يعلم أن الحرب أخفقت، وهذا ما يعبر عنه أغلب المحللين وبعض القادة العسكريين السابقين، عدا عن أن هذا الاتفاق هو ذاته الذي كان مطروحا في أيار/ مايو الماضي، والآن وافقت إسرائيل على اتفاق رفضته في أيار، ووضعت عراقيل لعدم تنفيذه، وهذا يثبت أن العوامل الداخلية هي من منعت الاتفاق، وأن العوامل الخارجية هي من وضع نهاية الحرب (الإدارة الأميركية) على الرغم من أن إسرائيل تعتبرها حتى الآن نهاية مؤقتة، وستوجه الأنظار الآن لسموتريتش؛ لأنه حصل على وعد استئناف الحرب حتى القضاء على حركة حماس بشكل نهائي، وقد تكون هذه هي الأُحْبُولة التي لجأ إليها نتنياهو لكي يحافظ على بقاء الحكومة وليبقى رئيسا للحكومة.
“عرب 48”: قرأنا في التحليلات أن نتنياهو ذُعر من حدة تحذيرات إدارة ترامب ولذا وافق في نهاية المطاف على وقف إطلاق النار، هل بالإمكان العودة إلى الحرب؟
شلحت: ضغوطات ترامب على نتنياهو صارت واضحة جدا، بل أصبحت من الأسرار المفضوحة، وأنهم اشترطوا الوصول للاتفاق قبل تنصيب ترامب، وهذا واضح، وعندما حاول نتنياهو المماطلة بأخذ موافقة الحكومة جرى ضغط آخر، وأجبره على قبول الاتفاق قبل تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، ولو ستترك الأمور وفقا لما يريده نتنياهو لتستأنف الحرب، ولكن عندها يثار السؤال الذي لا نملك عليه أية جواب اليوم، وهو هل ستقف إدارة ترامب بالمرصاد لنتنياهو؟ التوجهات ليست واضحة بعد على المستوى الإستراتيجي إنما هي واضحة على المستوى التكتيكي، وفقا للمراكز نلاحظ أن ترامب يتجه نحو معالجة التحديات الداخلية الأميركية والاقتصاد، لذلك هو غير معني بالحروب بما فيها في الشرق الأوسط والحرب الروسية – الأوكرانية، بمجرد الضغط لإنهاء الحرب ووقف إطلاق النار يشير إلى بعض التوجهات لدى هذه الإدارة.
“عرب 48”: فيما يتعلق بغزة ذاتها، لم يشر الاتفاق إلى مستقبل غزة بعد الحرب، فهل ستعود سيفرض الحصار على قطاع غزة مجددا؟
شلحت: هذا الموضوع هو الأكثر غموضا، وأهم عامل لهذا الغموض هو ضعف الموقف الفلسطيني ككل، فإسرائيل تقول ما لا تريد، ولا تقول ما تريد، فهي لا تريد حماستان ولا فتحستان، والجانب الفلسطيني لا يقول شيئا.
“عرب 48”: هناك تصريح ينسب للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن استعداد السلطة تولي إدارة غزة، ولا أعلم مدى واقعية هذا التصريح؟
شلحت: هو قال بدون حركة حماس، وهذا غير واقعي، فلذلك الكرة في الملعب الفلسطيني. إسرائيل تريد استمرار الفوضى لاستئناف الحرب، وهذه قضية مرتبطة أكثر بالموقف الفلسطيني والموقف العربي، فإذا حصلت استدامة وقف إطلاق النار سيبحث الأمر، ويجب أن تطرح خطة فلسطينية تحوز دعم عرب وغربي، وتخاطب الإدارة الأميركية المقبلة بود لإدارة شؤون غزة.
“عرب 48”: من المتوقع، الآن، دخول منظمات وصحافة عالمية إلى غزة، وستكشف بالضرورة الحجم الفظيع لهذه الحرب، كيف سيكون حال إسرائيل في المحافل الدولية؟
شلحت: أعتقد أن هذا فعلا ما سيحدث وستضعف مكانة إسرائيل أكثر مما ضعفت حتى الآن، فإسرائيل منعت دخول بعثات خارجية إلى غزة خلال الحرب، والآن لا شيء يمكن أن يمنع دخول هذه الوفود، وهذا سيعزز كل الدعاوى المرفوعة ضد إسرائيل، سواء محكمة الجنايات الدولية، أو في محكمة العدل الدولية، وعلى مستوى الدولة مكانة إسرائيل ضعُفت بشكل غير مسبوق عن جميع الحروب السابقة، وعلى مستوى الدول والرأي العام الدولي، وأتوقع أن تزداد هذه الحالة زخما، وأن تضعف مكانة إسرائيل أكثر.
المصدر: عرب 48