الوضع في غزة لن يتغير حتى لو رحل قادة حماس المركزيين
“ما كنا نصفه في الحروب السابق بأنه ’توحل’، بات في الحرب الحالية ’تورط’. والحرب قاسية وتستدعي قتلى وجرحى (إسرائيليين)، بلا بشائر كبيرة. ولعبة الشطرنج بين إسرائيل وإيران، تتحول إلى شيش بيش، وللحظ فيها ثقلا حاسما”
قوات إسرائيل في وحل غزة، منتصف الشهر الحالي (أ.ب.)
يوجد اعتقاد في إسرائيل أنها في حالة “تورط” في حربها على غزة، وأن الوضع الأساسي في قطاع غزة لن يتغير، حتى في حال رحيل القادة المركزيين في حركة حماس. ويقول ضباط وجنود إسرائيليون يشاركون في العمليات العسكرية داخل القطاع، إن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي والمحللين العسكريين في القنوات التلفزيونية يعرضون “صورة كاذبة” حول مجرى القتال في القطاع.
وادعى المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، اليوم الأربعاء، أن “إسرائيل تخوض حربا عادلة” وأن حركة حماس فرضتها عليها. لكنه شكك في أن الحكومة الإسرائيلية “تدرس جيدا سلم الأفضليات وتوزيع القوات والموارد”، في الوقت الذي يتحدث فيه وزير الأمن، يوآف غالانت، عن أن إسرائيل تتعرض لهجمات من سبع جبهات وتهاجم في ست منها.
وأشار إلى أن هذا الوضع يستوجب انتقال الجيش الإسرائيلي إلى مرحلة ثالثة في الحرب على غزة، بعد المرحلة الأولى التي تميزت بالقصف الجوي والمرحلة الثانية التي تركزت على المناورة البرية. وتقضي المرحلة الثالثة بانسحاب القوات الإسرائيلية من قلب القطاع وإعادة انتشارها حوله، إقامة عازل داخل القطاع لمنع اقتراب مقاتلين ومتظاهرين ومواطنين إلى الحدود، وفي الوقت نفسه شن اقتحامات عسكرية “موضعية” في قلب القطاع، مثلما يفعل الجيش في شمال الضفة الغربية ولكن بشكل أوسع بكثير.
ووفقا لبرنياع، فإن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، رفض اقتراح الوزير في كابينيت الحرب، غادي آيزنكوت، أول من أمس، إجراء مداولات حول خطة الجيش الإسرائيلي لتغيير “حجم القتال”. والأسبوع الماضي، منع غالانت ضابطا كبيرا من طرح الخطة نفسها للتداول في هيئة يرأسها.
وأفاد برنياع بأنه “يوجد حاليا موافقة شاملة، أو تكاد تكون شاملة، على أن الواقع يستوجب الانتقال للمرحلة القادمة. ورغم ذلك، فإن نتنياهو وغالانت يؤخران مداولات ولكل منهما أسبابه”.
وأشار إلى أن للانتقال إلى المرحلة الثالثة وتقليص حجم القوات في القطاع “أسباب واضحة: قرابة خمس فرق عسكرية تعمل في القطاع اليوم. وثمة حاجة لقسم من القوات في الشمال، بسبب احتمال تدهور الوضع هناك. وعلى قسم من عناصر الاحتياط أن يعودوا إلى بيوتهم وأعمالهم”.
إلا أن برنياع شدد على أن السبب المركزي والحاسم هو “التغيير المطلوب للقتال في غزة. ويحدث هناك تطور كان بالإمكان توقعه مسبقا: الفائدة العسكرية من تطهير أي فتحة نفق، جميع الأنفاق، أي بيت مشتبه آخذة بالتراجع فيما الثمن باستهداف قواتنا آخذ بالارتفاع”.
ولفت إلى أن جهات في الجيش الإسرائيلي “تقدر أنه حتى اليوم دمرنا 20% من قوة حماس العسكرية. وهناك تقديرات أعلى أيضا، لكن أيا منها لا تتحدث عن تدمير شامل. وقيادة حماس العسكرية صمدت بغالبيتها وهي محمية بواسطة وجود المخطوفين. وفقدت الحركة معظم معاقل الحكم لكنها لم تفقد الحكم على معظم الغزيين. واستمرار القتال يتطلب أساليب مختلفة، بحجم مختلف وتوقعات مختلفة”
وأضاف برنياع أن “النتيجة هي أن ما كنا نصفه في الحروب السابق بأنه ’توحل’، بات في الحرب الحالية ’تورط’. والحرب قاسية وتستدعي قتلى وجرحى (إسرائيليين)، لكن لا توجد فيها بشائر كبيرة. وحتى لو جرى تصفية أو اعتقال قادة حماس الثلاثة، السنوار والضيف وعيسى، فإن الوضع الأساسي لن يتغير”.
واعتبر أن “المشكلة هي الفجوة بين التوقعات والواقع. وبشكل طبيعي، الانتقال من المرحلة الثانية إلى الثالثة يستدعي إجراء تلخيص مرحلي، ومقارنة بين الأهداف التي طُرحت والأهداف التي تحققت. ويواجه نتنياهو وغالانت مصاعب في التوصل إلى هذه المقارنة”.
وتابع “أنهما خلقا توقعات لدى الجمهور وكذلك في صفوف الجنود بالحسم، التدمير، التصفية، وبانتصار يمحي إخفاقات 7 أكتوبر. وهما مستمران في ذلك الآن أيضا. والتوقعات ليست واقعية. والتصريحات ليست واقعية أيضا. وهي تنضم إلى أخطاء سبقت هجوم حماس. والخطاب ابتلع الإستراتيجية؛ والشعبوية ابتلعت الجوهر. وهذه صورة مأساوية”.
واعتبر برنياع أن “التريث باتخاذ القرارات المتعلقة بغزة إشكالي من ناحية أخرى. فهي تسلب الانتباه إلى الجبهات الخمس الأخر التي تُهاجم إسرائيل منها. ولعبة الشطرنج المعقدة التي تخوضها إسرائيل مع إيران، من لبنان حتى البحر الأحمر والمحيط الهندي، من غزة في الغرب حتى طهران في الشرق، من اليمن حتى دمشق، تتحول تدريجيا إلى شيش بيش، التي سيكون فيها الحظ أو انعدام الحظ ثقلا حاسما”.
وبحسبه، فإن “المرحلة الثالثة ستنفذ في نهاية الأمر، وهي لن تكون جنة عدن، لا بأمن الجنود مقابل ما سيتبقى من حماس، ولا بمواجهة الوضع الإنساني. وعلى ما يبدو أن حياة المخطوفين لن تكون مضمونة. وعندها ستأتي المرحلة التي يخشاها نتنياهو أكثر من أي شيء آخر: المداولات حول السيطرة في القطاع. وأي حل سيمون مقرونا بضلوع جهات فلسطينية. وأي ضلوع للفلسطينيين سيؤدي لانهيار تحالفه مع بن غفير وسموتريتش”.
من جانبه، أفاد مفوض شكاوى الجنود الإسرائيليين السابق، الجنرال المتقاعد يتسحاق بريك، بمقال نشرته صحيفة “هآرتس”، أمس، بأنه “وفق المعلومات التي أتلقاها من ضباط وجنود، يحاربون في القطاع منذ بداية الحرب، تتعالى الاستنتاجات التالية: الناطق باسم الجيش الإسرائيلي والمحللون العسكريون في القنوات التلفزيونية يستعرضون صورة كاذبة حول آلاف قتلى حماس وحرب وجها إلى وجه بين قواتنا وبينهم”.
وأضاف أن “عدد قتلى حماس بنيران قواتنا على الأرض أقل بكثير. والحرب بمعظمها لا تدور وجها إلى وجه، مثلما تقول تقارير الناطق العسكري والمحللين، ومعظم القتلى والجرحى في صفوفنا أصيبوا من ألغام وإطلاق قذائف مضادة للدروع من جانب حماس”.
ولفت بريك إلى أنه “يبرز أن الناطق العسكري والمستوى الأمني يتطلعون إلى تصوير الحرب كانتصار كبير قبل أن تتضح الصورة. ومن أجل ذلك هم يدخلون وسائل إعلام مجندة من القنوات التلفزيونية الكبيرة إلى غزة، كي يصوروا ’صورة انتصار’، وذلك قبل أن نقترب من الغاية المنشودة. ومن شأن هذا الأمر أن يلحق ضررا كبيرا جدا إذا لم يتم تحقيق أهداف الحرب بكاملها. ومن الأفضل اتباه نهج متواضع”.
المصدر: عرب 48