انتهاك صلاحيات السلطة… في المجال المدني أيضا
من يعتقد أن الصهيونية الدينية تكتفي بالمناطق “ج” التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية والتي يجري الحديث عن مخطط لضمها لإسرائيل، مخطئ جدا، فبعد أسبوع واحد من نشر صحيفة “يديعوت احرونوت” عن خطة لوزير الاستيطان في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، للسيطرة على مناطق “ج”، كشفت صحيفة “هآرتس” أن الأخير يعمل على بلورة خطة يتسنى لإسرائيل بموجبها هدم مبان فلسطينية في مناطق “أ” و”ب” اللتان تقعان تحت سيطرة فلسطينية كاملة وفق اتفاقيات أوسلو.
ومعلوم أن استهداف مناطق “ج” أساسا نابع ليس فقط من كونها تقع تحت سيطرة إسرائيلية كاملة وفق تصنيفات أوسلو سيئة الذكر، بل كونها “صيد سهل” كونها تحتوي على عشرات المستوطنات الإسرائيلية التي يسكنها مئات آلاف المستوطنين، وتضم بالمقابل نسبة قليلة من السكان الفلسطينيين لا تتجاوز، وفق التقديرات الإسرائيلية، المئة ألف فلسطيني.
وتقوم إسرائيل بعملية ترانسفير بطيئة لسكان هذه المناطق من الفلسطينيين، تتخذ منذ تولي سموتريتش لحقيبة الاستيطان في وزارة الأمن وتائر سريعة، حيث ترتكز خطته التي تشكل استمرارا لسياسة إسرائيلية يجري تنفيذها على الأرض منذ عقود، على زيادة البناء الاستيطاني الإسرائيلي وتكثيفه مقابل فرملة ومنع البناء الفلسطيني في هذه المناطق وسد الأبواب أمام سبل عيش الفلسطيني فيها ودفعه إلى الرحيل.
وتشير المعطيات إلى أنه منذ تولي سموتريتش لحقيبة الاستيطان في وزارة الأمن، هناك تقليص واضح في فرض الرقابة القانونية على عمليات البناء لدى المستوطنين، مقابل زيادة الرقابة وعمليات الهدم التي تستهدف السكان الفلسطينيين، وهي فجوة كانت قائمة سابقا حيث تظهر المعطيات ان مجمل إخطارات الهدم لعام 2019 -2020 بلغت 187 إخطارا، تلقى الفلسطينيون منها 159 إخطارا بينما تلقى المستوطنون 28 إخطارا فقط.
هذا ناهيك عن أن العديد من البؤر الاستيطانية التي صدرت بحق بيوتها إخطارات هدم قد تحولت في الواقع العملي إلى “مستوطنات مزدهرة”، حيث جرى ترخيص بعضها بأثر رجعي بينها البؤر الاستيطانية العشر التي قررت حكومة نتنياهو ترخيصها مطلع هذا العام، في حين تم تطبيق إخطارات الهدم ضد المباني الفلسطينية دون رحمة.
يذكر أن ما تسمى بدائرة الاستيطان التي اتفق على إقامتها بين وزير الأمن، غالانت، وسموتريتش، أوكلت رئاستها للمدعو يهودا إلياهو، المقرب من سموتريتش والذي كان قد أقام معه منظمة “ريغافيم ” التي تخوض حربا شاملة ضد البناء الفلسطيني في هذه المناطق، تبدأ برصد وتوثيق “المخالفات” وتنتهي بهدمها بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي.
ضمن هذه السياسة تندرج أيضا عمليات العنف والترهيب التي تنفذها عصابات المستوطنين ضد الفلسطينيين الآمنين، والتي تهدف إلى إبعادهم عن أراضيهم ومراعيهم والسيطرة عليها، وتشير المعطيات إلى أن السنة الأخيرة سجلت زيادة ملحوظة في حجم هذه الاعتداءات ونوعيتها، علما بأن هذا الارتفاع ميز السنوات العشر الماضية، حيث تكشف معطيات مكتب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أن عام 2022 شهد 849 اعتداءً من قبل المستوطنين، انتهى 228 منها بإصابة فلسطينيين بجراح.
وبالعودة إلى خطة سموتريتش المتعلقة بهدم البناء في مناطق “أ” و”ب” والتي تشكل انعطافة في السياسة الإسرائيلية، خاصة وأن الأخير قال خلال مناقشة الموضوع في لجنة الخارجية والأمن، أمس الأربعاء، أن رئيس الحكومة ضالع في الموضوع وأنه يجري العمل على إقامة لجنة مدراء عامين لتطوير الخطة، ستنهي عملها خلال شهر، يجري بعدها عرض النتائج على المجلس الوزاري المصغر.
وسوّغ سموتريتش الاعتداء على صلاحيات السلطة الفلسطينية في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بادعاء أن القيمة المركزية التي يجب أن توجه فرض الرقابة على البناء في الضفة الغربية ليست سلطة القانون بل ما وصفه بالحفاظ على مصالح إسرائيل القومية والسياسية والأمنية، مشيرا إلى أنه سيتم إقامة وحدة حرس حدود لفرض الرقابة على البناء في الضفة الغربية، كما سيتم في إطار الخطة تعريف نشاط السلطة الفلسطينية في هذا المضمار بأنه نشاط سياسي معادٍ، وذلك ليتسنى الاقتطاع من أموال الضرائب التي تحولها لها إسرائيل.
وكشف أن الصندوق القومي اليهودي (كيرين كييمت لإسرائيل – كاكال) ودائرة الاستيطان التابعة لوزارة الأمن، تعدان خططا لتحريج آلاف الدونمات في الضفة الغربية، إضافة إلى أنه يعمل على شرعنة 50 مزرعة استيطانية فردية تمتد على آلاف الدونمات.
ويعتبر اختراق حدود صلاحيات السلطة الفلسطينية في القضايا المدنية، على غرار هدم المباني إذا ما حصل بشكل مخالف لاتفاق أوسلو، صفعة أخرى لسيادة السلطة وهيبتها، بعد أن جرى ترسيخ خرق الاتفاق في القضايا “الأمنية”، حيث تدخل القوات الإسرائيلية في وضح النهار إلى مراكز المدن الفلسطينية وتعتقل المقاومين وتنشر الرعب والموت في شوارعها دون مراعاة أو احترام لسيادة السلطة ومكانتها.
المصدر: عرب 48