انطلاق أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية في دورته الـ11
تنتظم هذه الدورة من المنتدى في مسارين، يقدم فيهما باحثون خليجيون وعرب وأجانب 40 ورقة بحثية في 14 جلسة ومحاضرة عامة.
جانب من انطلاق أعمال المنتدى
انطلقت في الدوحة السبت أعمال الدورة الحادية عشر لمنتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الفترة بين 30 تشرين الثاني/ نوفمبر حتى 1 كانون الأول/ ديسمبر 2024. وتنتظم هذه الدورة في مسارَين، يناقش الأول هو “دول الخليج العربية والقضية الفلسطينية”، والثاني هو “المدينة الخليجية بنيةً وفاعلًا اجتماعيًا”، ويُقدّم فيهما باحثون خليجيون وعرب وأجانب 40 ورقة بحثية في 14 جلسة ومحاضرةً عامة.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
واستُهلّ المنتدى بكلمة افتتاحية قدّمها وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية د. محمد بن عبد العزيز بن صالح الخليفي، رحّب فيه بالحضور، ونوّه بدور المركز العربي الريادي في إثارة الوعي العام حول القضايا التي تهمّ المنطقة العربية عمومًا، ومنطقة دول الخليج العربية خصوصًا. أكّد الدكتور الخليفي أنّ قضية فلسطين ستظل محور اهتمام دول الخليج، وسائر الدول العربية والإسلامية، التي تسعى لتسخير كل إمكاناتها من أجل دعم صمود الشعوب الفلسطيني، ومساعيه العادلة في تقرير المصير؛ على اعتبار أن استقرار المنطقة وأمنها مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية، وأشار إلى الدور المحوري الذي تؤدّيه دولة قطر في تعزيز الحوار وصُنع السلام. كما شدّد على أهمية الوساطة بوصفها أداةً رئيسة لحل النزاعات، مستعرضًا جهود قطر في حلّ النزاعات الإقليمية والدولية، بما في ذلك وساطتها في القضايا الإنسانية؛ مثل دعم الأُسر المتأثرة بالنزاعات، وغيرها. ودعا إلى تحويل الأفكار المنبثقة من المنتدى إلى خطوات عملية لتعزز الاستقرار والسلام المستدام في المنطقة، وتحدّث أيضًا عن جهود قطر في القضية الفلسطينية، مؤكِّدًا “ضرورة الوصول إلى حلٍّ عادل وشامل يضمن حقوق الفلسطينيين وفق مبادرة السلام العربية وحلّ الدولتين”.
وأدارت أعمال الافتتاح العنود عبد الله آل خليفة، الباحثة في وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي، وقد أشارت إلى أنّ هذا المنتدى، الذي أطلقه المركز العربي في كانون الأول/ ديسمبر 2014، لتكون هذه السنة ذكراه العاشرة، أضحى منبرًا أكاديميًا متخصصًا في شؤون منطقة الخليج العربي وقضاياها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبات يجمع الباحثين والدارسين المهتمين بالمنطقة. وأمِلَت أن يسهم المحوران اللذان تبحث فيهما هذه الدورة في توفير رؤى عميقة بشأن التحولات والتطورات في دول الخليج العربية والمنطقة.
مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية
تناولت أعمال الجلسة الأولى في المحور الأول مواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية، وقد ترأسها غانم النجار، وناقش فيها عبد العزيز بن عثمان بن صقر، الموقف السعودي من الحرب الإسرائيلية على غزة ومحدداته، وخلص إلى أن حرب غزة الأخيرة جعلت الموقف السعودي أكثر وضوحًا، وعزّزت المطالب الأساسية في السياسة السعودية التي تتمحور حول ضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق تأسيس دولة مستقلة غير منقوصة السيادة، على كامل أراضي ما قبل 5 حزيران/ يونيو 1967. وتناولت ورقة عبد الله الغيلاني المواقف الخليجية من القضية الفلسطينية، مسلطةً الضوء على التحولات من “نكبة 1948” إلى “طوفان الأقصى” الذي فرض معطيات جديدة تعاملت معها دول الخليج بمقاربات متباينة تعكس إستراتيجياتها السياسية والأخلاقية. وأشارت إلى أن طوفان الأقصى أحدث تغيرات جيوسياسية أثّرت في خرائط الصراع الإقليمي، مع استمرار دول الخليج في مواجهة هذه التحولات، وخلصت الورقة إلى أن مستقبل هذه المواقف يعتمد على قدرة صناع القرار في الخليج على قراءة الحقائق بموضوعية، بعيدًا عن الارتهان للرؤية الأميركية والإسرائيلية التي تساوم على أمن الأنظمة مقابل مواقفها من القضية الفلسطينية.
واختتمت الجلسة بورقة قدّمها سلطان الخليفي، عنوانها “السياسة الخارجية القطرية تجاه القضية الفلسطينية في عهد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (1972-1995)”، تناولت تعقيدات السياسة الخارجية القطرية تجاه القضية الفلسطينية في ظل حكم الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني. وأوضح الباحث أنه لم يبتغِ من ورقته إثراء الفهم التاريخي فحسب، بل تقديم معطيات تعين على فهم السياسة الخارجية القطرية المعاصرة وتحليلها.
محور التوجهات العامة لمواقف دول الخليج العربية من القضية الفلسطينية، ومحور المدينة والبناء القومي في السعودية
بدأت أعمال الجلسة الثانية في المحور الأول بالتوازي مع بدء أعمال الجلسة الأولى من محور “المدينة الخليجية”. وحملت الجلسة الثانية للمحور الأول عنوان “دول الخليج العربية والقضية الفلسطينية: توجهات عامة، ونماذج”، وقد ترأسها حاتم الشنفري، وناقش أسعد بن صالح الشملان إعلان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان موضوع “التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين” خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة (2024)، معتبرًا أنه يمثل امتدادًا للمبادرات السعودية على مدى أربعة عقود، حتى وإن كانت تتضمن بعض مظاهر التحوّل. وأكدت الورقة، من ناحية، ارتباطَ المقاربة السعودية بحلّ الدولتين إطارًا عربيًا ودوليًا لتحقيق تسوية عادلة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأشارت من ناحية أخرى إلى أن انسداد هذا المسار التقليدي دفع نحو إعادة النظر في افتراضاته، وخلصت إلى أن الإعلان يمثّل أفقًا جديدًا يستجيب لتعقيدات المشهد الراهن، ويعكس تحولًا في المقاربة السعودية.
ثمّ تناولت شيرين مبارك تأثير القضية الفلسطينية في العلاقات الأميركية – السعودية بين عامَي 1933 و1953، وبيّنت أن العلاقة تشكلت عبر مصالح مشتركة، لكنها شهدت توترات لتباين وجهات النظر بشأن القضية الفلسطينية. واهتمّت الورقة بدور الرؤى الفكرية والسياسية، والثوابت الدينية والقومية، في صياغة موقف السعودية من القضية، مع التركيز على توازنها بين دعمها للقضية الفلسطينية ومواءمة مصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية، التي كانت مواقفها آنذاك منحازة ضد تطلعات الفلسطينيين. وخلصت الورقة إلى أهمية القضية الفلسطينية في رسم ملامح سياسة السعودية الخارجية خلال تلك الحقبة. أما حسام السيد ذكي شلبي، فتطرق إلى مواقف إمارات الساحل المتصالح وسلطنة عُمان تجاه القضية الفلسطينية خلال الفترة 1917-1948، مسلطًا الضوء على التحولات التي شهدتها القضية وتأثيرها في المنطقة. واستعرضت الورقة مواقف إمارات الساحل وعمان من وعد بلفور، والثورة الفلسطينية الكبرى، وزيارة سلطان عُمان لفلسطين عام 1944، إلى جانب موقفها من قرار تقسيم فلسطين عام 1947، ودورها في حرب عام 1948. وخلصت الورقة إلى أن تلك المواقف تعكس إرهاصات التفاعل الخليجي المبكر مع القضية الفلسطينية، وتأثرها بالمتغيرات الإقليمية والدولية.
وفي المسار الثاني بجلسته الأولى، ترأّس سعد البازعي الجلسة التي حملت عنوان “المدينة والبناء القومي (1): حالة السعودية”، وقُدّمت فيها ثلاث أوراق. في الورقة الأولى، التي حملت عنوان “المدن بوصفها عقد هوية: بعض الاعتبارات”، ركّزت أولريكه فريتاغ على مدينة جدّة الكوزموبوليتانية لبحث الطرائق المختلفة التي أنشأ بها الناس روابط عاطفية مع المدن، وأشكال التعبير عن الهوية في المدن من خلال المشاركة المدنية، في حين تطرّقت العنود آل خليفة التي حملت عنوان “الذاكرة والصدمة والهوية السياسية للمدينة: الدرعية أنموذجًا”، إلى توظيف السرد التاريخي لمدينة الدرعية لتأكيد الشرعية السياسية في السعودية، وتعزيز رؤية الدولة القومية المعاصرة. أمّا روفاي لي، فذهب في ورقته التي حملت عنوان “دور التحول الحضري في عمليات بناء الأمة في السعودية: مثال المدينة التاريخية القديمة في جدة “البلد” في التيار نفسه التي مضت فيه الورقتان السابقتان، وجادل بأنّ عملية التحول الحضري في المدينة التاريخية لجدة “البلد” هي نتاج عمليات بناء الدولة وبناء الأمة في السعودية.
العامل الأميركي في الحرب على غزة والمدينة الخليجية فضاءً للبناء القومي
حملت الجلسة الثالثة في اليوم الأول لمحور القضية الفلسطينية عنوان “الحرب على غزة واليوم التالي ومستقبل العلاقات الأميركية – الخليجية”، وقد نُظمت بالشراكة مع منتدى الخليج الدولي، وترأستها دانيا ظافر، وفيها قدّم كريستيان كوتس أولريخسن، ورقة تناولت تأثير الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024 في سياسة الولايات المتحدة تجاه الخليج. وأشارت الورقة إلى احتمال إعادة تقييم الشراكات الدفاعية والأمنية، وإستراتيجيات الطاقة، والعلاقات الدبلوماسية، وركزت على دور الإدارة الجديدة في تعزيز التحالفات التقليدية أو تعديل نهجها وفقًا للأولويات العالمية، ولا سيما ما يتعلق بمحادثات التطبيع بين دول الخليج وإسرائيل. وناقشت الورقة استجابات دول الخليج لهذه التحولات، سواء كان ذلك بتعزيز العلاقات مع قوى عالمية أو تعديل سياساتها لتحقيق استقلال إستراتيجي؛ ما يبرز تحديات العلاقات الأميركية – الخليجية المقبلة وفرصها.
وناقش محمد غانم الرميحي التحديات التي تواجه العلاقات الخليجية – الأميركية بعد حرب غزة، مع التركيز على سعي دول الخليج لتحقيق توازن إستراتيجي بين الشرق والغرب، رغم تعقيداته السياسية. وقد وصف العلاقة بين الطرفين بـ”التحالف غير المتماثل”؛ إذ يختلف الموقف الخليجي تجاه الوجود العسكري الأميركي قبولًا ورفضًا، سعيًا للحفاظ على استقلال القرار، وأشار إلى تأثير الولايات المتحدة في أمن الخليج، لكنه اعتبر ارتباطها بإسرائيل عائقًا أمام بعض الدول الخليجية، ولا سيما في سياق التعاطف الشعبي مع القضية الفلسطينية. وخلصت الورقة إلى أن الولايات المتحدة شريك يصعب الاستغناء عنه، لكنها ليست حليفًا مثاليًا بسبب رفضها توقيع معاهدات دفاعية ملزمة؛ وهو أمرٌ يزيد العلاقة تعقيدًا. وناقش إنديرجيت بارمار تأثير نتائج الانتخابات الأميركية 2024 في الخليج والشرق الأوسط، معتبرًا أنها لم تكن انتصارًا ساحقًا لدونالد ترامب، بل أزمة للحزب الديمقراطي وتعزيزًا لليمين المتطرف. وأشار إلى انعكاسات هذه النتائج على التنافس الجيوسياسي العالمي وزيادة عدم الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة؛ ما قد يضعف دورها العالمي. وتوقعت الورقة أن تتجه إدارة ترامب الثانية إلى معارضة المؤسسات الدولية، وأن يتفاقم التوتر مع الصين، ولا سيما في ظل تصعيد دعم إسرائيل ومعاداة إيران، وهو ما يهدد استقرار الشرق الأوسط وإمدادات الطاقة العالمية. وخلصت الورقة إلى أن العالم يواجه أزمات معقدة ومتشابكة.
وفي الجلسة الثانية من المسار الثاني، التي حملت عنوان “المدينة والبناء القومي (2): حالات خليجية”، وترأستها أمل غزال جلسة، قُدّمت ثلاث أوراق، الأولى منها حملت “المتحف وموقعه في بنية المدينة الخليجية المعاصرة: بين التخطيط الحضري والرمزية الوطنية، حالة الكويت”، وقدمتها سندس الراشد، وتتبّعت فيها تاريخ متحف الكويت الوطني من خلال تحديد موقعه في المدينة، وعلاقته بالمنشآت المحيطة به بوصفه مؤسسةً ثقافيةً واجتماعيةً، ورمزيته الوطنية. أمّا الورقة الثانية فحملت عنوان “توظيف الفضاءات في صياغة الهوية الوطنية القطرية: دراسة حالة مشيرب وسوق واقف في الدوحة” واشترك في تأليفها ثلاثة باحثين، هم سعود عبد العزيز الأحمد وآمنة عبد الله الشمري وبتول أوزون، وقد استعرضوا فيها، واستعرضوا طريقة توظيف الفضاءات في تشكيل الهوية الوطنية في قطر، مع التركيز على حالتَي منطقتي مشيرب وسوق واقف في الدوحة القديمة. وركّز جمال بوساعة في ورقته بعنوان “التجديد الحضري في عالم معولم: حالات من المدن التاريخية في منطقة الخليج والجزيرة العربية، دبي والدوحة وجدة”، على دور السياحة التراثية وتداعياتها على التجديد الحضري في مدن الدوحة وجدة ودبي؛ لإظهار محاولة المراكز الحضرية التاريخية البقاء في بيئة عالمية سريعة.
الحضرية الجديدة في المدن الخليجية
اختتمت أعمال اليوم بجلستين عامتين متتابعتين لمحور “المدينة الخليجية”. في الجلسة الثالثة من المسار الثاني، التي كانت بعنوان “بنى التحديث الحضرية فاعلًا اجتماعيًا”، وترأسها يعقوب الكندري، بحث ياسر محجوب في ورقته التي حملت عنوان “المدن الخليجية التحويلية: البنى الحضرية ودورها فاعلًا اجتماعيًا: مثالَا الكويت والدوحة”، التفاعل المعقّد بين الهياكل الحضرية والديناميات الاجتماعية في مدينتَي الكويت والدوحة لتبيان كيفية تشكيل التنمية الحضرية للعمليات الاجتماعية. أمّا مهدي العذاري، فدرس في ورقته التي حملت عنوان “التحديث وتبعاته الحضرية: حالة الديوانية في الكويت، مراجعة نقدية للأدبيات الأكاديمية” التغييرات التي شهدتها الكويت على المستويَين العمراني والمجتمعي، عبر تتبع الديوانية وحركة التحديث التي مرّت بها.
وترأّس عبد الرحمن الباكر الجلسة الرابعة والأخيرة في اليوم الأول والتي حملت عنوان “المدينة الخليجية والحضرية الجديدة”. وقُدّمت فيها ورقتان، الأولى حملت عنوان “تخطيط المدينة الخليجية من منظور فوق وطني: الحدود وفرص التعلم النقدي”، وتحدث فيها ديفيد بونزيني عن الخطط والمشاريع الضخمة الحديثة في مدن الخليج، والأسباب التي تفرض قيودًا وتتيح فرصًا لتعزيز المعرفة التخطيطية. وناقش مصطفى بن حموش في ورقته التي حملت عنوان “المدن السريعة والتوسع الحضري الضخم: المدينة الخليجية في ضوء التخطيط للثروة والوفرة والرخاء” مستقبل مدن دول مجلس التعاون من خلال أُطر التخطيط الحضري، مشيرًا إلى فرضية “دورة حياة المدن”.
وتستمرّ أعمال منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية إلى 1 كانون الأول/ ديسمبر، على نحو ما هو مُبيَّن في جدول أعماله. وفي اليوم الثاني، تُعقد ثلاث جلسات في المسار الأول، بينما تُعقد أربع جلسات ومحاضرتان رئيستان في المسار الثاني.
المصدر: عرب 48