بعد سلسلة من الإخفاقات الكبيرة: خبراء الاقتصاد يواجهون الانتقادات
وتوافرت كلّ المؤشّرات الدالّة على ركود مقبل، لا سيّما معدّلات الفائدة في الولايات المتّحدة، بينما هيمن تشاؤم على المؤشّرات، علمًا بأنّه في سبعينات القرن الماضي، كان الركود المخرج الوحيد من التضخّم المرتفع…
بعد أن أخطأت العديد من التقديرات الاقتصاديّة الّتي قدّمها خبراء اقتصاديّون خلال السنة الماضية، يواجه خبراء الاقتصاد انتقادات حادّة، خاصّة بعد الفشل في توقّع الاضطرابات الّتي لحقت بسلاسل الإنتاج، والّتي أدّت بدورها إلى حدوث التضخّم.
ووجد الخبراء صعوبة في التنبّؤ بتطوّرات الأوضاع الاقتصاديّة في ظلّ وباء كوفيد والغزو الروسيّ لأوكرانيا ومؤخّرًا، النزاع في الشرق الأوسط.
وضمّت رئيسة البنك المركزيّ الأوروبّيّ كريستين لاغارد صوتها إلى الأصوات المنتقدة لخبراء الاقتصاد خلال المنتدى الاقتصاديّ العالميّ في دافوس الشهر الماضي.
وقالت إنّ “العديد من خبراء الاقتصاد هم في الواقع عبارة عن زمرة قبلية”، في إشارة إلى غياب الانفتاح على توجّهات علميّة أخرى. وأضافت لاغارد الّتي شغلت في الماضي منصبي مديرة صندوق النقد الدوليّ ووزيرة المال الفرنسيّة أنّ الخبراء “يقتبسون أقوال بعضهم بعضًا.. لا يتجاوزون حدود عالمهم لأنّهم يشعرون بالارتياح فيه”.
ويؤكّد بعض خبراء الاقتصاد بالفعل أنّ على أقرانهم الخروج من دائرتهم المريحة المتمثّلة بجداول بيانات “إكسل” والنماذج الجامدة. وقال كبير خبراء اقتصاد منطقة اليورو لدى مصرف “آي إن جي” بيتر فاندن هوت بنبرة ساخرة إنّ العالم “تغيّر بعض الشيء”.
وبعد سنوات من التضخّم المنخفض، أدّت إعادة فتح اقتصادات العالم إلى ارتفاع الأسعار الّتي ازدادت أكثر بعد الغزو الروسيّ لأوكرانيا، لتثبت عدم صحّة تطمينات لاغارد ورئيس الاحتياطيّ الفدراليّ الأميركيّ جيروم باول إلى أنّ الزيادات ستكون “عابرة” فحسب.
واضطرّت المصارف المركزية لرفع معدّلات الفائدة مرّات عدّة لمكافحة التضخّم. وبينما تراجعت زيادات الأسعار في الشهور الأخيرة، أبقى صانعو السياسات المعدّلات مرتفعة بانتظار تحديد إن كان بإمكانهم خفضها لاحقًا هذا العام. وأقرّت لاغارد بأنّ التوقّعات الّتي استندت إليها قرارات البنك المركزيّ الأوروبّيّ لم تكن صحيحة على الدوام ولم تأخذ نماذجها العوامل المرتبطة بالأزمات في الاعتبار.
وقال فاندن هوت إنّ “إمكان الوثوق بالنماذج الّتي نستخدمها حاليًّا أقلّ نظرًا إلى وجود العديد من العوامل الّتي يصعب دمجها” فيها. وأشار خصوصًا إلى اضطراب سلاسل الإمداد بعد الوباء ونقص العمالة والتوتّرات الجيوسياسيّة.
وقال خبير الاقتصاد لدى “أليانز تريد” Allianz Trade ماكسيم دارميه إنّ “مصدر الفشل ليس النماذج الاقتصاديّة، بل افتقار خبراء الاقتصاد إلى الخيال”. وأضاف “استقرّوا على أمجادهم الماضية” بعد 30 عامًا من العولمة “سرى كلّ شيء خلالها على ما يرام”.
وبينما لجأت المصارف المركزيّة لرفع معدّلات الفائدة لمنع خروج الاقتصادات عن السيطرة، حذّر الخبراء من أنّ النموّ في البلدان المتقدّمة سيسجّل تراجعًا حادًّا أو حتّى انكماشًا في 2023. لكن ما حصل أنّ اقتصاد الولايات المتّحدة سجّل نموًّا العام الماضي بينما بقي اقتصاد منطقة اليورو، باستثناء ألمانيا، ضمن منطقة النموّ.
وفي وقت سابق هذا الأسبوع، رفع صندوق النقد الدوليّ توقّعاته للنموّ العالميّ للعام 2024 إلى 3,1 في المئة، عازيًّا الأمر الى الصمود غير المتوقّع في اقتصادات رئيسيّة ناشئة ومتقدّمة، بما فيها الولايات المتّحدة والصين.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون ألان بلايندر لفرانس برس “هناك أحجيّة في تباطؤ التضخّم الواضح هذا”.
وتوافرت كلّ المؤشّرات الدالّة على ركود مقبل، لا سيّما معدّلات الفائدة في الولايات المتّحدة، بينما هيمن تشاؤم على المؤشّرات، علمًا بأنّه في سبعينات القرن الماضي، كان الركود المخرج الوحيد من التضخّم المرتفع. لكن اتّهم خبراء الاقتصاد مجدّدًا بضيق الأفق.
وأفادت الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد إستر دوفلو في مقابلة مع فرانس برس مؤخّرًا بأنّ خبراء الاقتصاد تراجعوا إلى “المرتبة الأخيرة” على قائمة المهن الأكثر جدارة بالثقة، ليتفوّق عليهم حتّى خبراء الأرصاد الجوّيّة. وأدّى ذلك إلى محاولات للتغيير. ففي تمّوز/يوليو، عيّن بنك إنكلترا الرئيس السابق للاحتياطيّ الفدراليّ الأميركيّ بن بيرنانكي ليقود مراجعة لسير عمليّات التوقّع الّتي يعتمد عليها المصرف بعدما واجه انتقادات لفشله في توقّع التضخّم المرتفع.
من جهته، قرّر بنك كندا استبدال نماذجه القديمة بمنهجيّات استشرافيّة أكثر. وقال فاندن هوت “الجميع يعلم بأنّ النماذج الحاليّة لم تعد مقبولة لوضع توقّعات جيّدة.. نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف، أو على الأقلّ إلى توسيع النماذج عبر إدماج عناصر أخرى”.
المصدر: عرب 48