بيان الفصائل الفلسطينيّة في سورية وخلوّ الفكرة النبيلة
يبدو أنّ تكرار الخطأ نفسه في سورية، من قبل فصائل حركة التحرّر الوطنيّ الفلسطينيّ بالإصرار على الغياب والتفاعل مع ما جرى في سورية بعد سقوط نظام الأسد، ثابت، مع أنّ فاعليّة بيانات الفصائل الفلسطينيّة وسلطتها في رام اللّه، كانت كثيرة وعديدة، وافتقدت وضوح الرؤية طيلة 14 عامًا، وخصوصًا بما يتعلّق بمخيّمات اللاجئين هناك وضحايا أبناء فلسطين، بعد أيّام قليلة من سقوط نظام الأسد، اتّخذت السلطة الفلسطينيّة والفصائل مواقف خجولة جدًّا مع ما جرى، اقتصر الأمر من جانبها على عقد اجتماع للفصائل الفلسطينيّة بدمشق مع بيان يعتبر ما حصل شأنًا داخليًّا، وآخر لحركة “حماس” يبارك للسوريّين نجاحهم في الحرّيّة.
الخطأ التاريخيّ للموقف الفلسطينيّ من جرائم نظام الأسد، دفعه أبناء فلسطين ومخيّماتهم في سورية بنزيف خسائر ضخم، معنويّ ومادّيّ وبشريّ، لكنّ الكارثة تكراره بنفس المواقف بعد إسقاط الأسد، بعدم الإشارة الواضحة بأنّ الشعب الفلسطينيّ في سورية كان ضحيّة الإجرام الأسديّ، فاللغة المكتوبة والمنسوبة لممثّلي السلطة والفصائل وسفارة سلطة رام اللّه بدمشق بشأن تداعيات سقوط نظام الأسد، فارغة من المعاني والإشارات الّتي تدين الإجرام الّذي وقع على مئات آلاف الفلسطينيّين في سورية، وعدم الاقتراب من حفر الإعدام الجماعيّ، ومن هول الفظاعات الّتي أحاطت بمعتقلي فلسطين، واستدعاء لغة التأكيد على “دور سورية في المنطقة” والتنديد بالعدوان الإسرائيليّ المستمرّ عليها، هي حقائق ثابتة في كلّ بيانات ومواقف فلسطينيّة رسميّة، لكنّ السؤال هل تنفع هذه اللغة لقراءة واقع جديد ومتغيّر في سوريّة؟ وكيف ينظر للوجود الفلسطينيّ ومصالح الشعب؟ خصوصًا أنّ هناك ملفّات عديدة وضخمة تتعلّق بعودة اللاجئين لمخيّماتهم وإعادة بنائها، والبحث عن ضحايا أبناء فلسطين في معتقلات النظام البائد، وبالمناسبة فرع فلسطين ظلّ تابوه أبديّ في العقل الرسميّ الفلسطينيّ ومحظور تناوله، فما فائدة كلّ يقال بعدم ملامسة حقيقيّة للواقع الّذي دفع ثمنه غاليًا أبناء فلسطين في سورية مع الشعب السوريّ.
لا يوجد عنوان فلسطينيّ رسميّ في سورية، بمقدوره إنتاج موقف ورؤية وخطاب، ينسجم مع التغيير الحاصل على الساحة السوريّة، فاللغة والموقف الدارج في الذهنيّة الفلسطينيّة الرسميّة المربوطة “بسوريّة الأسد” والمقاومة، وهذه لم تعد تنفع اليوم لعطالتها التاريخيّة وخسارتنا الكبرى منها، فالبيان الأخير الموقّع من أربعة فصائل فلسطينيّة هي حركة فتح، وجبهة النضال، وجبهة التحرير، وفدا، يحمل مباركة للسوريّين بالحرّيّة، وجاء معدّلًا بعد اجتماع للفصائل الـ14، وشارك فيه فصيل متورّط بمشاركة النظام جرائمه ضدّ السوريّين والفلسطينيّين وشخصيّات كانت تدعم إجرام النظام ضدّ أبناء شعبها وتبرّره، والبيان أثار موجة غضب من أبناء مخيّمات سورية، فتمّ التعديل لبيان الفصائل الأربعة، بمعنى هناك حاجة مختلفة وملحّة بعيدة عن هذا التأطير الفاشل لتمثيل المخيّمات الفلسطينيّة في سورية، فما شهدته دمشق من تقاطر وفود عربيّة وغربيّة للقاء القيادة السياسيّة والعسكريّة، غاب عنها وتأخّر وفد يمثّل أبناء المخيّمات للحديث عن تشارك بظلم وإجرام وقع عليهم كبقيّة الشعب السوريّ، وللتأكيد أنّ حرّيّة الشعب السوريّ من طاغيته هي البوصلة المؤسّسة لحرّيّة فلسطين مستقبلًا.
لذلك، تكمن الأهمّيّة الفلسطينيّة سوريًّا وفي هذه المرحلة، على من يحسن حمل الأمانة الحقيقة الّتي تمثّل آمال وآلام الشعب الفلسطينيّ في مخيّمات سورية، وخصوصًا أنّ هناك فشل عمره 14 عامًا، سقطت معه كلّ نظريّات الخوف والتشكيك ولصق “المؤامرة”، وتحليل النخب الفلسطينيّة لمسار الثورة والأحداث في سورية، أنتج فشلًا وضيّع الجهد الفلسطينيّ الغائب بشكل حقيقيّ من إنقاذ فلسطينيّ واحد من بين آلاف قضوا تحت التعذيب بعد إنكار وجودهم وأرقامهم وتحطيم مخيّماتهم، ومنع تداول معاناتهم والبحث عن المعتقلين بشكل رسميّ في الرواية الفلسطينيّة الرسميّة، وفي المواقف الّتي كانت تحطّ نحو النظام الهارب، المطلوب اليوم شجاعة تقدّم الحقيقة الملموسة بأنّ فلسطينيّي سورية وقضيّتهم كانوا ضحايا النظام المجرم، وأنّ الشعب الفلسطينيّ مع حرّيّة الشعب السوريّ، وكان جزءًا أصيلًا فيها، وفي صناعتها
رواية “الشأن الداخليّ” السوريّ الفلسطينيّة الواردة في بيان الفصائل الفلسطينيّة في سورية، تصحّ إن لم يكن هناك آلاف الضحايا من أبناء شعبهم، ومصيرهم كان في مقابر جماعيّة، وفي الأقبية وفي حفر الإعدام، ومئات الآلاف منهم تعرّض للتهجير، وضربت مخيّماتهم براميل متفجّرة وصواريخ طائرات، ونبشت مقابر شهدائهم للبحث عن جثث أسرى لجنود المحتلّ، وهذه الجرائم قوبلت بسكون مفضوح من مصدّري البيان الفلسطينيّ الرسميّ حول سورية، هناك ملفّات عديدة تستوجب الوقوف أمامها، بعقليّة متحرّرة من سطوة “سورية الأسد والممانعة” الّتي لم تغادر عقليّة الفشل الفلسطينيّ الغارق بعضها بدموع البكاء على رحيل الجلّاد، فمن يقف ندًّا عميقًا لحرّيّة الشعوب، ويرتجف بمواقفه منها، لن يستطيع أن يقطف برعم الفكرة النبيلة للحرّيّة من المحتلّ والطاغية.
المصدر: عرب 48