تحليل إخباري | بين العملية البرية وعملية تبادل الأسرى
يبدو واضحا أن مكتب نتنياهو الذي يستشعر الخطر القادم من “منتدى عائلات الرهائن” ويسعى إلى احتوائه والهيمنة على قراراته، في محاولة لإزالة أي حجر عثرة أمام تنفيذ مهمات مجلس الحرب الإسرائيلي ومن أمام طموحات نتنياهو الشخصية.
مظاهرة لعائلات أسرى إسرائيليين في تل أبيب للمطالبة بالعمل على الإفراج عنهم (Getty Images)
تحاول القيادة الإسرائيلية الإيحاء بأن هناك سباقا مع الزمن بين العملية البرية وبين عملية تبادل الأسرى، وهي ترسل رسالة إلى فصائل المقاومة بأن التلكؤ في تنفيذ صفقة التبادل التي جرى الحديث عنها وتشمل الأطفال والنساء يسرع بالعملية البرية، بينما توحي لجماهيرها ولأهالي الرهائن الإسرائيليين أن العملية البرية، التي بدأت بالفعل، تخدم عملية التبادل ولا تتعارض معها، وأن التوغلات البرية في عمق القطاع هي للضغط على حماس لتنفيذ الصفقة، وليس إعلانا عن إسقاطها من حساباتها.
وكانت قضية الرهائن التي حاولت القيادة الإسرائيلية تهميشها وإسقاطها من أهداف الحرب على غزة، قد أعيدت إلى الواجهة عنوة بسبب ضغط أهالي الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى فصائل المقاومة، وبفعل تحريك حماس لهذه الورقة عبر الإفراج عن أربع أسيرات ونشر فيديوهات ورسائل مسجلة، كان آخرها الشريط الذي أطلقته الإثنين، لثلاث أسيرات والذي ما زالت إسرائيل تحظر بثه في وسائل إعلامها.
وجاء “تحرير” المجندة أوري مغيديش التي ادعت إسرائيل أنها أطلقت سراحها، في وقت تعلو فيه الأصوات المطالبة بإعطاء الأولوية لعملية تبادل أسرى كلية أو جزئية قبل العملية البرية التي ربما تشكل خطرا على حياة الأسرى الإسرائيليين، وجاءت عملية “تحريرها”، التي لم يكشف الجيش والشاباك عن أية تفاصيل بشأنها حتى الآن، معارضة لوجهة النظر تلك ونقيضا لها وإطلاقا ليد الجيش الإسرائيلي في الحرب البرية، وفي هذا السياق جاء تصريح رئيس الموساد السابق، داني ياتوم، بأن إطلاق سراحها أثبت أن العملية البرية وعملية تحرير الأسرى مجدولتين ببعضهما وغير متعارضتين.
بالمقابل، أعرب رئيس الشاباك الأسبق، يعقوب بيري، في مقابلة مع القناة 13، صباح اليوم، عن تأييده لصفقة شاملة لتبادل الأسرى يجري خلالها تحرير جميع الأسرى الإسرائيليين، الذين بلغ عددهم وفق آخر تعديل للناطق بلسان الجيش الإسرائيلي 240 شخصا، مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وهي الصفقة التي اقترحها رئيس حركة حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار.
وكان بيري قد أعلن مؤخرا عن انسحابه من “منتدى حملة عائلات لإعادة الرهائن” على خلفية خلافات في وجهات النظر المتعلقة بالموقف من نتنياهو، انسحب على إثرها أيضا المسؤول السابق عن ملف الأسرى والمفقودين، دافيد ميدان، كما أدت لاحقا إلى استقالة دودي زلمنوفيتش، وهو من مؤسسي الحملة الذي أعلن عن استقالته عقب اتهامات وجهت له بالتواطؤ مع مكتب نتنياهو في اختيار ممثلي العائلات التي ستجتمع بالأخير على خلفية احتجاج منتدى العائلات بعدم إعلامه بأمر العملية البرية.
ويبدو واضحا أن مكتب نتنياهو الذي يستشعر الخطر القادم من “منتدى عائلات الرهائن” ويسعى إلى احتوائه والهيمنة على قراراته، في محاولة لإزالة أي حجر عثرة أمام تنفيذ مهمات مجلس الحرب الإسرائيلي ومن أمام طموحات نتنياهو الشخصية، الذي يضع اليوم التالي بعد الحرب في أولوياته، وهو ما ظهر جليا في رد فعل الأهالي المنضبط على شريط الرهائن الذي بثته كتائب عز الدين القسام.
الصحافي رفيف دروكر يرى أن ما يقوله نتنياهو وآخرون عن انسجام هدف تحرير الرهائن مع هدف تقويض سلطة حماس في قطاع غزة، هو ضرب من الأكاذيب، وأنه ما من طريقة لتحقيق الهدفين معا لأنهما متناقضان، إذ إن حماس ستذهب إلى صفقة تبادل فقط إذا ما أدرك أن إسرائيل أهملت هدف القضاء عليه.
ويسخر دروكر من الذين يقولون إنه من الممكن إجراء عملية تبادل شاملة، وبعد ذلك نبدأ بمعركة القضاء على حماس، لأنه وإن كان هدف تحرير الأسرى مهما لحماس، كما يقول، لكنه ليس الهدف الأعلى الذي يتمثل بالحفاظ على وجودها وعلى سلطتها؛ ولذلك فإن صفقة شاملة لن تتم إلا إذا تأكدت من ذلك.
ويرى دروكر أن القيادة الإسرائيلية أمام خيارين، إما إجراء صفقة تبادل شاملة والتنازل عن هدف تقويض سلطة حماس، بكل ما يعنيه ذلك من أثمان تتعلق بالردع وبإمكانية إعادة سكان غلاف غزة إلى بيوتهم، أو تنفيذ العملية البرية الشاملة والقضاء على قيادة حماس وتدمير الأنفاق وإنزالها عن دفة السلطة في غزة، ثم البقاء هناك إلى حين إيجاد سلطة بديلة، ودفع الثمن بالتضحية بغالبية الأسرى أو جميعهم.
أما السؤال الأهم الذي يطرحه دروكر فهو في ما إذا كان الجيش الإسرائيلي قادرا على تنفيذ هذه المهمة، لأن السيناريو الأسوأ، على حد قوله، هو شن الهجوم الشامل وتكبد الخسائر الفادحة التي ستنزل على رؤوس عائلات الرهائن ورؤوس جميع الإسرائيليين ثم التورط في غزة مثلما علق الجيش الروسي في أوكرانيا.
المصدر: عرب 48