تحليل إخباري | جنرالات يحذرون من العملية البرية!
الجيش الإسرائيلي الذي يناور بين القضاء على حماس وعدم إعادة احتلال غزة، وبين عملية برية دون التورط في حرب مع “حزب الله”، وبين الحفاظ على حياة أسراه، يجد نفسه لأول مرة، في أكثر من مأزق، ليس أقله “الحب الأميركي القاتل”
في الوقت الذي يتلكأ فيه الجيش الإسرائيلي بتنفيذ الهجوم البري الذي وعد به وحشد له، تتزايد الأصوات التي تشكك في واقعية الأهداف التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية للحرب التي أعلنتها على قطاع غزة، وتراوحت بين محو وسحق وتفكيك حماس وترجمت لاحقا بالعمل على تقويض سلطة حكمها في قطاع غزة، فبعد رئيس الأركان ووزير الأمن الأسبق، الجنرال احتياط موشيه يعالون، الذي سخر من هذه التهديدات واعتبرها غير قابلة للتطبيق، خرج الجنرال احتياط إيهود باراك، وهو أيضا قائد أركان ووزير أمن أسبق، ليقول بوضوح إنه لا يمكن محو حماس.
باراك الذي اعتبر الهجوم المفاجئ الذي شنته المقاومة الفلسطينية في غزة “الحدث الأخطر الذي تعرضت له إسرائيل منذ قيامها”، مشيرا بشكل خاص إلى حجم الخسائر البشرية التي وقعت في يوم واحد، قال إن إسرائيل لا تستطيع محو حماس لأنها أيديولوجيا موجودة في أحلام الناس وقلوبهم وعقولهم، داعيا إلى الاكتفاء بمهمة القضاء على القدرات العسكرية لحماس في غزة والتي هي بحد ذاتها مهمة معقدة، كما قال.
التحذير من نتائج العملية البرية جاء أيضا على لسان رئيس الموساد السابق، يوسي كوهن، الذي ألمح إلى إمكانية فشل هذه العملية، كما جاء أيضا على لسان الجنرال احتياط يتسحاق بريك، الذي قال في مقابلة أجرتها معه “معاريف” إن مَن يُطالب باحتلال غزة لا يدرك أن هناك بيوتا مفخخة وقنابل وصواريخ مضادة للدروع وألغام يجري تفجيرها عن بعد، وأنها ستوقع قتلى وجرحى بين قواتنا في حين سيلجأ 40 ألفا من مقاتلي حماس إلى الانفاق، خاتما تصريحه بالقول إنه حتى لو نجحنا في احتلال غزة ماذا سنفعل هناك؟…
بريك، الذي وَصَف الفشل الذي مُني به الجيش الإسرائيلي بأنه أصعب من فشل حرب أكتوبر، كان قد أصدر في نطاق وظيفته كـ”مفوض لشكاوى العسكريين”، عام 2018، تقريرا عن عدم جاهزية الجيش الإسرائيلي للحرب، توقع فيه سيناريو دخول الآلاف من مقاتلي “حزب الله” للمستوطنات في الشمال.
الجيش الإسرائيلي الذي يناور بين القضاء على حماس وعدم إعادة احتلال غزة، وبين عملية برية دون التورط في حرب مع “حزب الله”، وبين الحفاظ على حياة أسراه، يجد نفسه لأول مرة، في أكثر من مأزق، ليس أقله “الحب الأميركي القاتل” الذي يخنقه في ما يشبه “عناق الدب”
وكما هو معلوم فان باراك ويعالون هما من أكثر الجنرالات الذين شغلوا منصب قيادة الأركان ووزارة الأمن تطرفا، حيث يحفل تاريخهما العسكري بالعديد من عمليات الكوماندو والاغتيال القذرة، كما أنهما قادا معا وكل على حدة أكثر من عملية عسكرية واسعة النطاق ضد غزة، ضمن سلسلة العمليات والحروب التي شنها الجيش الإسرائيلي على القطاع وفشلت جميعها في القضاء على حماس أو حتى إضعاف قدراتها العسكرية.
بالطبع لن يغير من هذه الحقيقة كون إسرائيل “جريحة” ومطلقة اليدين وتحظى بدعم عسكري وسياسي أميركي وأوروبي غير محدود، يوفر لها الغطاء لعمليات الإبادة والتهجير واسعة النطاق التي تمارسها في غزة، والدليل أنه بعد 11 يوما من حربها ما زالت صواريخ المقاومة الفلسطينية تتساقط على تل أبيب وسائر أنحاء إسرائيل بنفس الوتيرة التي تساقطت بها في اليوم الأول من الحرب.
كما أن العملية البرية التي يتلكأ الجيش الإسرائيلي في تنفيذها تخوفا من الخسائر الفادحة التي قد يتكبدها، والتي إذا ما أضيفت إلى خسائره الأولية الكبيرة ستجعل ثمن الحرب هائلا، ومن غير الواضح إذا ما كان باستطاعة المجتمع الإسرائيلي تحملها، هذا ناهيك عن أنه من غير المضمون أنها ستأتي حتما بالنتائج المرجوة منها، خاصة أن القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية وضعتا سقفا عاليا للأهداف.
والحال كذلك فإن الجيش الإسرائيلي الذي يناور بين هدف القضاء على حماس وعدم إعادة احتلال غزة الذي وضعه له بايدن، وبين الدخول في تنفيذ عملية برية دون التورط في حرب مع “حزب الله” قد تؤدي إلى حرب شاملة، وبين الحفاظ على حياة أسراه العسكريين والمدنيين المحتجزين في قطاع غزة، يجد نفسه لأول مرة، في أكثر من مأزق ليس أقله “الحب الأميركي القاتل” الذي يخنقه في ما يشبه “عناق الدب” الذي وصفه بن كسبيت بأنه بدأ بمجيء وزير الخارجية أنتوني بلينكن، تبعه وزير الدفاع، لويد أوستن، ويتوج بقدوم الرئيس الأميركي، جو بايدن، غدا الأربعاء، على خلفية قدوم حاملتي الطائرات “فورد” و”آيزنهاور”.
بن كسبيت يشير، بدون تعليق، إلى حضور بلينكن لاجتماع “كابينيت الحرب” وقيام بايدن بإجراء مقابلات صحفية حول الموضوع مرتين في اليوم، على حد تعبيره، ويعزو ذلك إلى فقدان القيادة المؤهلة وانعدام الثقة بنتنياهو والشعور بحاجة إسرائيل إلى “عاقل مسؤول” يقودها إلى بر الأمان، لكن، برأينا نحن، فإن الولايات المتحدة استغلت لحظة الضعف الإسرائيلي لفرض معادلات جديدة في العلاقة الأميركية الإسرائيلية، وهي تتعامل مع إسرائيل ونتنياهو، لأول مرة، مثلما تتعامل مع أوكرانيا وزيلينسكي، وهو ما لا يروق للكثير من الجنرالات.
المصدر: عرب 48