تحليل إخباري | عملية التهجير والهدف غير المعلن للحرب على غزة
غريبٌ أن يطلب مرتكب الجريمة من العالم توفير أماكن لجوء لضحاياه وأن يطالب المنظمات الدولية ذات التجربة في إيواء اللاجئين، بتسهيل نقل الغزيين إلى الدول المستعدة لاستقبالهم، وأن يغلف الجريمة ضد الإنسانية بدواعٍ إنسانية.
غزيون يحتمون في إحدى مدارس الأونروا في رفح (Getty Images)
بعد مرور 39 يوما على حربها ضد قطاع غزة، لم تستطع إسرائيل تحقيق أي من هدفيها المعلنين، المتمثلان بالقضاء على حماس وإعادة الإسرائيليين الذين جرى أسرهم في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وذلك بفعل صمود المقاومة الفلسطينية وأهل غزة رغم حرب الإبادة الشاملة التي يتعرضون لها.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في تلغرام
إلا أن قيام إسرائيل بتهجير أكثر من مليون فلسطيني من شمال القطاع، تحت ذريعة إخلاء ساحة المعركة من المدنيين الذين تدعي أن حماس تستخدمهم كدروع بشرية، هو هدف سياسي بحد ذاته يقع في صلب الأيديولوجية الصهيونية، نجحت إسرائيل في تنفيذه تحت دخان المعارك ونارها، خاصة إذا ما أدركنا أن حرب إسرائيل التي بدأت منذ انطلاق مشروعها الاستعماري، كانت وما زالت تستهدف الفلسطينيين كشعب ووجود ديمغرافي على الأرض التي تنازعهم عليها.
وكما هو معلوم، فإن الخطط الهادفة إلى تهجير قطاع غزة أو أجزاء منه إلى سيناء لم تتوقف منذ عام 1948، وكان أبرزها خطة الجنرال رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق، غيورا آيلاند، والتي تنطوي على تنازل مصر عن 720 كيلومترا مربعا من أراضي سيناء لصالح الفلسطينيين، على شكل مستطيل يمتد من رفح إلى حدود مدينة العريش، طوله 24 كيلومترا وعرضه 30 كيلومترا، في إطار عملية تبادل أراضي، هذا ناهيك عن مخططات تحدثت عن تهجير أهالي غزة والضفة إلى سيناء وإقامة الدولة الفلسطينية هناك.
وإن كان الموقف المصري الحازم قد منع الدفع بمخطط التهجير باتجاه سيناء، فإن عودة الفلسطينيين الذين هجروا من شمال قطاع غزة إلى ديارهم بعد الحرب ليست مسألة مفروغ منها إسرائيليا، في وقت تراوح الأفكار والمقترحات الإسرائيلية بين إقامة حزام أمني حدودي يشمل منطقة عازلة خالية من السكان الفلسطينيين، وبين معاودة استيطان منطقة “غوش كاطيف” وربما توسيعها، كما يريد زعماء “الصهيونية الدينية” وفي مقدمتهم بن غفير وسموتريتش.
ويبرز في هذا الإطار ما قاله رئيس “الشاباك” الأسبق، الوزير آفي ديختر، الذي أطلق على الحرب على غزة “نكبة 2023″، بأن مدينة غزة الواقعة في الشمال، تشكل نصف سكان القطاع وتحتل ثلث مساحته فقط، في إشارة إلى ضرورة دفع سكانها جنوبا.
أما عضو الكنيست رام بن براك من حزب “يش عتيد” الوسطي، فقد اقترح بأن يتم نقل (تهجير) سكان القطاع إلى دول أوروبية وغربية، لأن ذلك “إنساني ومطلوب ولأنهم أصلا لاجئين”، على حد تعبيره، وقال في مقابلة أجرتها معه القناة 12 الإسرائيلية، “إذا كان سكان غزة لاجئين بمعظمهم فلتستوعب كل دولة من دول العالم 20 ألفا منهم، ومن المفضل أن يكون الإنسان لاجئا في كندا على أن يكون لاجئا في غزة، وإذا كان العالم يريد حل المشكلة فهو يستطيع حلها بهذه الطريقة”.
وفي مقال كتبه بالاشتراك مع عضو الكنيست داني دنون، ونشرته “وول ستريت جورنال”، دعا الاثنان وهما عضوان في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، الدول الأوروبية، إلى استيعاب اللاجئين من غزة على غرار ما فعلت خلال الحرب في يوغوسلافيا وما فعلته خلال الحرب في سورية، مشيرا إلى أن ألمانيا وحدها استوعبت أكثر من مليون لاجئ سوري.
وتلقف سموتريتش اقتراح دنون وبن براك مرحبا، وقال في بيان صدر عنه إن “غزة لا يمكنها البقاء ككيان مستقل وسيكون من الأفضل للفلسطينيين هناك أن يغادروا إلى دول أخرى”، معتبرا أن “هجرة الفلسطينيين تمثل الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عاما من اللاجئين والفقر والخطر”. وقال إن منطقة صغيرة مثل قطاع غزة لا تتمتع بموارد طبيعية لا يمكن أن تعيش بمفردها، وأضاف “لن تكون دولة إسرائيل قادرة بعد الآن على قبول وجود كيان مستقل في غزة”.
ويبدو أن اقتراح عضوي الكنيست من اليمين ومن “اليسار” الإسرائيلي لا ينطوي فقط على جريمة التطهير العرقي للفلسطينيين في غزة، بل أيضا على الكثير من الوقاحة الإسرائيلية التي تريد أن تحمل العالم مسؤولية جريمتها ضد الإنسانية، في حين يقارن الحالات التي وقفت فيها هذه الدول ضد جريمة التهحير ومنفذيها وأشفقت على الضحايا واضطرت لاستيعابهم، بحالة إسرائيل القائمة على جريمة التطهير العرقي والتي تنفذ عملية التهجير، ويريد من هذه الدول أن تشفق على إسرائيل وتخلصها من الفلسطينيين.
وغريبٌ أن يطلب مرتكب الجريمة من العالم توفير أماكن لجوء لضحاياه وأن يطالب المنظمات الدولية ذات التجربة في إيواء اللاجئين، بتسهيل نقل الغزيين إلى الدول المستعدة لاستقبالهم، كما يقول الكاتبان، وأن يغلفا الجريمة ضد الإنسانية التي يشاركان بها ويدافعان عنها بدواع إنسانية.
المصدر: عرب 48