ترسانة حزب الله من الأسلحة التقليدية إلى الحرب الحديثة
منذ انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000، وحتى عام 2024، ظلَّ سلاح المقاومة الإسلامية، وتحديدًا سلاح حزب الله، موضوعًا محوريًا في النقاشات الداخلية والخارجية المتعلقة بالوضع السياسي والأمني في لبنان والمنطقة، سيما مع تعاظم قوة حزب الله وانخراطه بحروب خارجية أبرزها الحرب في سورية بدءًا من عام 2012، وصولاً إلى تفعيل حزب الله خطة إسناد جبهة غزة بعد معركة طوفان الأقصى، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ وإلى الحرب الإسرائيلية على لبنان والمستمرة منذ أيلول/ سبتمبر 2024.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
فعليًا، نموذج تسليح المقاومة اللبنانية معقّد إلى حد بعيد، كوننا نتحدث عن قدرة صاروخية متطورة وقوة مدفعية ضمن منظومة الردع أمام إسرائيل، وقدرة لوجستية عالية، بالإضافة إلى تداخل الأطراف الداعمة وتشعب علاقات الحزب بعد حرب تموز 2006، وتباين الأطراف المستفيدة من هذه القوة والراعية لعملية التسليح، على الساحتين المحلية والإقليمية.
خلفيات نشأة سلاح المقاومة اللبنانية
تأسست المقاومة الإسلامية اللبنانية المتمثلة بحزب الله في 1985 بالتوازي مع الاحتلال الإسرائيلي لجنوبي لبنان عام 1982، وتنامى دور الحزب خلال التسعينيات، بعد أن تبنى بالمطلق مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية وتشكلت ملامح وجوده وسياسته في لبنان والمنطقة، وأصبح حزب الله اللاعب الأساسي في العمليات العسكرية ضد الاحتلال بالتنسيق مع كتائب الحرس الثوري الإيراني الذي سهلت سورية حينها وصوله إلى لبنان. أعطى نشوء الحزب فرصة سياسية واجتماعية لأبناء الطائفة الشيعية بعد الحرب الأهلية الدامية التي عصفت بلبنان.
استمر الحزب بتلقي الدعم العسكري والتسليح بشكل أساسي من إيران وسورية، وزاد في مستوى الحشد والتجنيد وتأسيس القاعدة الشعبية بشكل أساسي من أبناء الطائفة الشيعية المنتشرة في بيروت وجنوبي لبنان وبعلبك الهرمل والبقاع، وتنامت قوته بوجود حسن نصر الله كأمين عام يتمتع بكاريزما قيادية وشخصية سياسية استطاع نقل الحزب من مجرد حركة عسكرية مسلحة إلى حزب سياسي لديه مقاعد في البرلمان وإدارات محلية في أماكن الوجود الشيعي لدرجة أنه أصبح “دولة ضمن دولة”؛ يمتلك القدرة على الإدارة والتخطيط والمساهمة في ترتيب أوراق السياسة الخارجية للبنان.
بعد إجبار الحزب إسرائيل على الانسحاب من الجنوب في عام 2000، طُرحت تساؤلات حول جدوى استمرار المقاومة واستمرار تسليح الحزب، خاصة مع تحوّل حزب الله إلى قوة سياسية كبيرة في البلاد، يشارك في الحكومات ويؤثر على سياسات الدولة ويصوغ جزءا لا يستهان به من سياسة لبنان الخارجية؛ وتصاعدت الدعوات الدولية والمحلية بضرورة نزع سلاح المقاومة وترسانتها الصاروخية وتجفيف منابع التمويل التي يتلقاها لكيلا تتعاظم قوته أكثر ويلغي وجود الأجنحة المسلحة للأحزاب الأخرى.
واستندت هذه الدعوات إلى أن تحرير الأرض اللبنانية لم يعد يستدعي وجود قوة مسلحة خارج إطار الدولة. ومع ذلك، استمر حزب الله في تعزيز قدراته العسكرية وتطوير ترسانته الصاروخية والقدرة المدفعية، وفقًا لعقيدة الحزب الأمنية القائمة على فكرة محاربة العدو الإسرائيلي لحين تحرير فلسطين وكامل الأراضي المحتلة؛ وأن التهديد الإسرائيلي ما زال قائمًا.
مرحلة ما بعد 2005: التداخلات الإقليمية والدولية
بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005، خسر حزب الله وجود راعِ سياسي وعسكري حيوي في المنطقة، وتعقّد موضوع سلاح حزب الله بسبب التداخلات الإقليمية. تزايد نفوذ إيران في المنطقة بصفتها الداعم الأول للحزب، ما زاد من قلق الولايات المتحدة وبعض الدول العربية التي اعتبرت حزب الله ذراعًا إيرانيًا يسعى إلى تحقيق مصالح طهران في المنطقة، وخدمة المشروع الإيراني التوسعي (والذي ظهرت ملامحه بشكل أوضح بعد التدخل في سورية بعد عام 2013). هذا الوضع أسهم في زيادة التوترات الداخلية اللبنانية، حيث بدأت الأطراف المختلفة تتصارع حول دور الحزب وسلاحه في لبنان، سيما وأن تنامي سطوة الحزب وزيادة الثقة بالمحور وبالقاعدة الجماهيرية والحاضنة الشعبية للحزب قد تؤثر على مستقبل لبنان ومستقبل باقي الأحزاب.
لإعادة الأضواء على دور الحزب وفاعلية سلاحه في المنطقة، وبهدف آخر لإجبار العدو على صفقة تبادل أسرى؛ عبر مقاتلون من الحزب “الخط الأزرق”، في تموز/ يوليو 2006، وهاجموا سيارة عسكرية إسرائيلية، فقتلوا ثلاثة جنود وجرحوا اثنين، وأسروا اثنين آخرين وجاؤوا بهما إلى لبنان، وسمّى الحزب عمليته العسكرية “الوعد الصادق” وكانت شرارة الحرب مع إسرائيل، وألحق الحزب خلالها خسائر بالجيش الإسرائيلي وبقوته البرية (تحديدًا أسطورة مدرعات ميركافا) مما عزز مكانة المقاومة في الأوساط الشعبية، حيث اعتُبرت قوة دفاعية أساسية عن لبنان و الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية.
لكن في المقابل، جلبت الحرب أنظار العالم إلى سلاح الحزب وقرته القتالية؛ وغذّت الدعوات الدولية للسيطرة على سلاح الحزب، خصوصًا بعد صدور القرار 1701 من مجلس الأمن الذي دعا لوقف العمليات القتالية وتطبيق السلام على الحدود اللبنانية ودخول الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني.
رأت إيران في الحزب أداة فعالة لتعزيز نفوذها في المنطقة، ومواجهة إسرائيل في إطار استراتيجيتها الإقليمية في القوة والردع. لكن إسرائيل لم توفر فرصة لإضعاف حزب الله، معتبرة تسليحه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ولأمن مستوطنات الشمال البالغ عددها 28 مستوطنة يسكنها ما لا يقل عن 200 ألف إسرائيلي. ولضمان أمن الحزب ووصول تغذية اقتصادية سليمة للقاعدة الجماهيرية من جهة، وللجناح العسكري للحزب من جهة أخرى، عملت إيران على تمويل الحزب بما لا يقل عن 200 مليون دولار سنويًا بين عامي 2006 و2009 ، صرفت معظمها في تطوير البنية التحية للضاحية الجنوبية في بيروت وشراء معدات اتصالات للحزب وحفر وتوضيب الأنفاق وتطوير البنية التحتية لقواعد الحزب ومنشآته الأمنية.
رفعت إيران من مستوى تمويلها للحزب بعد دخوله إلى سورية ليصل حجم الدعم إلى 800 مليون دولار بين عامي 2012 و2014، ليغطي الحزب تكاليف هذه الحرب ويؤمن النفقات والمستحقات المالية للمقاتلين في سورية، فضلًا عن تمويل خطط لاستقطاب سوريين للقتال إلى جانب الحزب بمرتب شهري يصل إلى 300 دولار للمقاتل الواحد. يأتي الدعم الإيراني لحزب الله عبر قنوات وفواعل غير رسميين أهمهم “البازار” أي النخب التجارية في طهران و “البونياد” التي يشار فيها إلى المنظمات غير الربحية والمنظمات الخيرية الدينية التي يشرف عليها ديوان المرشدية العليا للثورة الإسلامية؛ وساهما بشكل كبير في إعادة إنعاش اقتصاد الضاحية الجنوبية وإعمارها بعد عام 2006، وتكفلَا بأيتام وأرامل المقاتلين الذين قضوا في حرب سورية.
بعد السابع من أكتوبر 2023 وإقدام حزب الله على فتح جبهة إسناد لغزة أمام الاجتياح الإسرائيلي للقطاع وتحكمه بمنافذه في حرب راح ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد، عاد سلاح الحزب إلى واجهة الصراع مع إسرائيل، مع رغبة ملحة دائمًا من قيادات الحزب بالحفاظ على قواعد الاشتباك المعترف عليها وعدم جر بيروت أو تل أبيب إلى حرب شاملة. إلا إن إسرائيل لم تبق هذه الحال على ما هي عليه وبدأت بعمليات نسفت كل القواعد والتكتيكات المعهودة في العلاقة مع المنظمة العسكرية غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم، وبدأت باستهداف الحزب عبر عملية أشبه بالسينمائية الجريئة من خلال تفجير أجهزة الاتصالات بين عناصره في ما يسمى إعلاميًا “عملية البيجرز” وأصابت ما لا يقل عن 5000 مقاتل من الحزب بإصابات طفيفة وبالغة، وقتلت ما لا يقل عن 20 من عناصره أو ذويهم. بعد هذا الاستهداف بدأ الجيش الإسرائيلي بتنفيذ ضربات متتالية للحزب سواء في المناطق الحدودية أو في البقاع وبعلبك الهرمل؛ مع التصعيد بموجة من الاغتيالات لقادة وأسماء من الصف الأول في المقاومة الإسلامية بدءًا من الحاج جواد (وسام الطويل) وسامي طالب والقائد فؤاد شكر المعروف حركيًا بلقب “الحاج محسن” وصولاً إلى اغتيال إبراهيم عقيل وإبراهيم قبيسي، وانتهاءً باغتيال الأمين العام للحزب، حسن نصر الله.
كانت سلسلة الاعتداءات هذه إعلان حرب شاملة على المقاومة الإسلامية في لبنان، وتريد إسرائيل منها كسر شوكة سلاح المقاومة الإسلامية في المنطقة وتحييد حزب الله وإنهاء التهديد المتواصل لأمن مستوطنات الشمال، والتخلص من رعب حرب تموز 2006 بعد أن أنهارت حينها أسطورة الجيش الذي لا يقهر بفعل سلاح المقاومة.
ترسانة حزب الله العسكرية
على الرغم من الحديث المتواصل عن “انهيار الحزب” وعدم وجود قياديين يديرون العمليات العسكرية ضد الجيش الإسرائيلي، لا سيّما بعد تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن حزب الله منظمة بلا قيادة بعد سلسلة الاغتيالات، إلا أن ما يغفل عنه كثيرون أن قيادة عمليات حزب الله ليست مركزية مطلقة، وغرفة العمليات المشتركة التي أسس لها الحزب بدءًا من عام 2000 تضم صفًّا ثانيًا من القادة يتمتعون بذات الثقل العسكري والتفكير العملياتي للقادة الذين اغتالتهم إسرائيل. طور الحزب هذا النمط من القيادة العسكرية بعد انخراطه في الحرب في سورية مستفيدًا من التدريب في الجبهة السورية إلى جانب القوات الإيرانية والروسية، وانتقل هؤلاء القادة بالحزب من مستوى العمليات الهجومية التقليدية إلى مستوى العمليات الهجينة التي تمزج بين التكتيكات التقليدية المتمثلة بالقصف الصاروخي والمواجهات المباشرة مع العدو، والتكتيكات الحديثة عبر حرب الطائرات المسيّرة والحروب الذكية.
يمتلك الحزب بحسب تصريحات نصر الله ما يقارب 100 ألف مقاتل مدربين على حرب المدن، منهم 30 ألف مقاتل عملوا بشكل متناوب في سورية. بالإضافة إلى أن الحزب يعتمد على شبكة واسعة من الأنفاق تضم قواعد لهؤلاء المقاتلين للدفاع وتحقيق التنقل بين قواعده الداخلية سواء في الضاحية الجنوبية لبيروت أو في مناطق الجنوب أو في الشمال الشرقي للبنان.
فعليًا ساهم انخراط الحزب في الحرب السورية في تطوير ترسانة سلاحه وقدرته الصاروخية بشكل متسارع. أصبح الحزب يمتلك حزب الله مخزونًا هائلاً من الصواريخ والمقذوفات تتراوح بين المضادة للدبابات قصيرة المدى إلى الصواريخ الباليستية بعيدة المدى القادرة على الوصول إلى عمق إسرائيل في حيفا وتل أبيب وتشكل خطرًا حقيقيًا على إسرائيل حتى مع وجود القبة الحديدية. بالاستفادة من صناعة التسليح السوفييتية، ونمط التسليح الشرقي، طوّر الحزب سلاسل تصنيع الصواريخ داخليًا واستيراد الصواريخ من إيران والصين وروسيا عبر سورية من خلال شبكة أنفاق بعيدة عن أعين الموساد في المدة بين 2000 و2022، ويعتمد في قدرته الصاروخية على مسألتين: العدد بالنسبة للصواريخ غير الموجهة التي تستخدم في المقام الأول للهجمات المكثفة ومنع دخول المنطقة التي يتحصن فيها الحزب من قبيل صواريخ كاتيوشا التي يمكن لها أن تصل إلى مدينة حيفا و خليجها، وتحقق الهدف ضمن مداها المجدي، وفلق 1 وفلق 2 وفجر 3 وفجر 5 وزلزال 1، التي تستطيع مناورة منظومة القبة الحديدية وتخترق تحصيناتها وبالتالي تفشل القبة في اعتراضها وتصيب المستوطنات القريبة من الحدود اللبنانية؛ وهي صواريخ يمتلك الحزب من كل طراز منها حوالي عشرة آلاف مقذوف. بالإضافة إلى هذه المنظومة فقد عمل الحزب على تطوير مدفع “الفيل” الذي استخدمه عناصر الحزب في سورية، وقوته التدميرية بسيطة ومداه يصل إلى 30 كيلومترا.
أما المسألة الثانية فهي امتلاك الحزب لأصول صاروخية بالستية بعيدة المدى، يمتلك الحزب منها ما لا يقل عن 1500 صاروخ دقيق يبلغ مداها ما بين 250 و500 كيلومتر (أي إلى منطقة النقب وميناء إيلات)، وتشكل صواريخ سكود Scud البالستية التكتيكية أساس هذه القوة ويمتلك منها حوالي 5000 مقذوف واشتراها الحزب من روسيا عبر إيران وسورية. ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان في أيلول/ سبتمبر 2024، استخدم الحزب هذ الصواريخ لضرب مستوطنات الشمال مثل كريات شمونة وثكنة زبدين ومستوطنات الجليل الأعلى ومواقع عسكرية مهمة في معيان باروخ والمطلة على الحدود الشمالية لإسرائيل، بالإضافة إلى استهداف صفد ومعالوت – ترشيحا بصواريخ فادي 1 وفادي 2 التي أدخلها الحزب إلى الخدمة منذ اليوم الأول للمعركة مع الجيش الإسرائيلي، والقادرة على مراوغة نظام حيتس ومقلاع داوود للدفاع الجوي.
تؤمن الصواريخ الموجهة دقة إصابة عالية، وقد حصل حزب الله على أهم طراز صاروخ موجّه وهو فاتح-110 وM-600، والذي يحقق الأهداف بدرجة عالية من الدقة. فاتح-110 هو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى يمكن تحريكه عبر الرادارات. ومن المرجح أنه نسخة معدلة من صاروخ زلزال-2 غير الموجه، مع إضافة أنظمة التحكم والتوجيه. أما صاروخ M-600 أو “تشرين” فهو نسخة سورية من صاروخ فاتح-110، ويمتلك الحزب منها حوالي 500 صاروخ يصل مدى الواحد منها إلى 300 كيلومتر. يصل صاروخ فاتح إلى عمق صحراء النقب ويحقق الهدف ضمن المدى المُجدي الذي يصل إليه.
استخدم الحزب منظومة الصواريخ ضمن المدى القريب والبعيد وصولًا لشمالي تل أبيب برشقات صاروخية متتالية بحسب شدة المعركة مع الجيش الإسرائيلي.
وبالإضافة إلى صواريخ أرض- أرض ، طوّر الحزب منظومة الصواريخ المضادة للسفن، مثل صواريخ ياخوت وهاربون وصواريخ سي-802، والتي طورتها الصين بين عامي 1970 و1980 واشترت منها إيران مجموعة كبيرة ضمن صفقة تسليح مع بكين عام 1995، وتم نقلها إلى حزب الله. استخدم الحزب هذه الصواريخ لاستهداف السفن البحرية الإسرائيلية التي تشارك في العمليات الحربية ضد لبنان، وبالفعل تشكل تهديدًا وقلقًا حقيقيًا للقوات البحرية الإسرائيلية والدولية في حال مشاركتهم في أي عملية ضد لبنان. صاروخ سي-802 ذي المدى 120 كم وبوزن 165 كيلوغرام هو الصاروخ الذي استخدمه الحزب لضرب البارجة الإسرائيلية “ساعر 5” التي فرضت حصارًا على النطاق البحري اللبناني وأطلقت منها صواريخ باتجاه بيروت عام 2006.
على مستوى الأسلحة المتوسطة والأسلحة الخفيفة، يمتلك الحزب كميات ضخمة من معدات المشاة الأساسية، فمشاة حزب الله مجهزون تجهيزًا جيدًا بمجموعة متنوعة من الأسلحة بما في ذلك قذائف كونكورس التي يصل مداها إلى 4 كم والكورنيت الموجهة بالليزر ويصل مداها إلى 6 كم، وهي صواريخ مضادة للمدرعات وخارقة للتحصينات حتى 1200 مليمتر. هذه القاذفات بالإضافة إلى كورنيت وكونكورس هي التي دمرت 50 دبابة ميركافا ،أسطورة سلاح المدرعات الإسرائيلية في عام 2006. على مستوى أقل، يمتلك الحزب قاذفات RPG-29 غير الموجهة والتي تزيد من قوة سلاح المشاة لدى الحزب ويبلغ مداها المجدي حوالي 500 متر، وتزن 4.5 كلغ، ومحمولة على الكتف، وزودت سورية الحزب بكميات كبيرة من هذه القاذفات، حيث كانت دمشق قد اشترتها من الاتحاد السوفييتي بصفقة سلاح بلغت كلفتها ما لا يقل عن 17 مليار دولار.
نزيد على هذه الأسلحة وجود الأسلحة المضادة للطائرات؛ والتي على الرغم من أن مداها قصير إلا أنها تجبر طائرات الاحتلال على التحليق عاليًا لتفادي مضادات الطيران التي يشغلها الحزب، يمتلك حزب الله العديد من المدافع المضادة للطائرات والصواريخ أرض-جو، مثل SA-7)Strela-2 – SA-16)، وهي الجيل الأول من الصواريخ المضادة للطيران التي طورها الاتحاد السوفييتي ووصلت إلى الحزب عبر صفقات من قبل إيران وسورية، وMisagh-1 المحمول على الكتف، والذي يهاجم أهدافا يتراوح ارتفاعها بين 3 حتى 4 كلم، مع القدرة على حمل رأس شديد الانفجار يزن 2 كلغ.
قدرة مسيرات حزب الله
طور حزب الله برنامجًا كبيرًا للطائرات من طيار (Drones)، باستخدامها للاستطلاع والمراقبة وحتى تنفيذ الهجمات الدقيقة. تشكل تجربة المسيّرات تحديًا للدفاعات الجوية الإسرائيلية ويمكن استخدامها لجمع المعلومات الاستخبارية عن الأهداف العسكرية، كما حالة مسيرات “الهدهد” التي نفذت عمليات استثنائية في تموز/ يوليو الماضي فوق قاعدة “رامات دافيد” الجوية الإسرائيلية التي تبعد حوالي 45 كلم عن الحدود اللبنانية؛ وكرر الحزب عملية الهدهد بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري لينشر صورًا وفيديوهات لمواقع إستراتيجية وحساسة على المستوى العسكري والأمني في مدينة حيفا لتكون ضمن بنك أهداف الحزب. وبالإضافة إلى مسيّرة الهدهد الاستطلاعية طوّر الحزب سلسة مسيّرات انقضاضية من طراز “أبابيل”، قادرة على التهرب من ومناورة الدفاعات الجوية الإسرائيلية وقدرة طيران تصل إلى 150 كلم بوزن 30 كلغ.
يجادل البروفيسور جون كين في أطروحته Meta-Wars of the 21st Century أن دخول الذكاء الاصطناعي إلى سباق التسلح وتطوير أسلحة ذكية والاعتماد على “أزرار الإطلاق ” والليزر وخوارزميات الأسلحة الرقمية دون التقليدية، كلها جعلت الحروب الحديثة أشبه بألعاب الفيديو، سيما وأن العديد من الجيوش النظامية والجماعات العسكرية غير الحكومية تتنافس في تطوير وامتلاك المسيّرات، وتنتقل من الحروب التقليدية إلى الهجمات التكتيكية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. وبعد هجوم المسيرات الكبير الذي نفذه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ردًا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، ليلة 14 نيسان/ أبريل؛ عبر إطلاق ما لا يقل عن 200 مسيّرة تفجيرية تابع الحزب عمليات اختراق أجواء الأراضي المحتلة وقامت المسيرات بضرب عدة قواعد عسكرية بالقرب من مستوطنة نهاريا أدت إلى إصابة 6 أشخاص، وفي نيسان/ أبريل 2024 أيضًا نفذ الحزب هجومًا مسيرًا أيضًا على منطقة عرب العرامشة وأدت هذه العملية إلى قتل جندي إسرائيلي وجرح 13 أخرين. يُقلق تطور الحزب في هذا المجال الإلكتروني والذكاء الصناعي، والقدرة على تطوير المسيرات الاستطلاعية والانقضاضية والهجومية، إسرائيل، الأمر الذي دفع تل أبيب إلى تنفيذ عملية اغتيال ضد مسؤول قسم الطيران الفضائي في الحزب ومسؤول الوحدة الجوية القائمة على تطوير المسيرات، محمد سرور، في 26 أيلول/ سبتمبر 2024. يمتلك الحزب اليوم حوالي 2000 مسيّرة، والعدد في ازدياد مع تطوير قدراتها على تنفيذ هجمات باتجاه واحد One-way Attacks من طراز مهاجر-4 وشاهد-12 المطوّرة عن المسيرة الإيرانية شاهد، والتي تطير في مسار طوله 1800 كم بوزن 150 كغ وقدرة تفجيرية عالية.
من المهم أن نلاحظ أن ترسانة حزب الله تتطور باستمرار، مع اكتساب أسلحة وتقنيات جديدة بمرور الوقت. ويشكل هذا التطور المستمر تحديًا أمنيًا كبيرًا لإسرائيل وحلفائها، وهذا ما دفعها إلى استغلال الفوضى الحاصلة في المنطقة لشن حرب على لبنان بحجة إجبار الحزب على إيقاف جبهة إسناد غزة وإعادة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال، ولكن الهدف على ما يبدو يتعدى ذلك ليصل إلى نزع وتدمير قدرات سلاح حزب الله.
المصدر: عرب 48