تزايد الجنود القتلى سيصعد المطالب بصفقة تبادل أسرى
“لا توجد انتصارات مطلقة في جولات الحروب في الحلبة الفلسطينية. والاستنتاج منها هو أن الذي يتطلع إلى تحقيق أمور أكثر مما هو قادر على إحرازها في ميدان القتال، ستحل عليه كارثة. وستكون احتجاجات تطالب بانتخابات الآن”
جنازة أحد الجنود الإسرائيليين القتلى في قطاع غزة، أمس (أ.ب.)
رأى محللون في الصحف الإسرائيلية اليوم، الأربعاء، أن مقتل 24 جنديا وضابطا في منطقة خانيونس بينهم 21 في مكان واحد، أول من أمس الإثنين، من شأنه أن يدفع الجمهور في إسرائيل إلى إجراء حسابات بشأن الحرب على غزة والاحتجاج ضد الحكومة.
واعتبر المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، أنه “الأمر المقرر في الحروب التي تخوضها دول ديمقراطية ليس عدد القتلى في صفوف العدو وإنما عدد القتلى في صفوف قواتنا. ومن وجهة نظر معينة، بدأ الجمهور بإجراء حسابات الثمن مقابل الإنجازات، والتكلفة مقابل الفائدة. ولا أعتقد أن عدد الجنود القتلى، يوم الإثنين، سيغير شيئا في تأييد الشارع الإسرائيلي للحرب، لكن بنظرة إلى المستقبل ستكون أهمية للثمن”.
وأشار إلى أن عضو كابينيت الحرب، غادي آيزنكوت، كان السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الأسبق، أريئيل شارون، في بداية الانتفاضة الثانية وعندما شن الجيش الإسرائيلي عملية “السور الواقي” العسكرية واجتاح خلالها الضفة الغربية، في العام 2002.
ونقل برنياع عن آيزنكوت قوله مؤخرا حول “السور الواقي”، إنه “كان هناك هدفان لهذه العملية العسكرية. القضاء على الإرهاب وعلى السلطة الفلسطينية. واليوم، بعد 22 عاما على هذه العملية العسكرية، يوجد إرهاب في يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) كما أن السلطة الفلسطينية لا تزال موجودة”.
ورأى برنياع أن “الاستنتاج واضح: لا توجد انتصارات مطلقة في جولات الحروب في الحلبة الفلسطينية. وما تعلمناه في حروبنا هو أن الذي يتطلع إلى تحقيق أمور أكثر مما هو قادر على إحرازها في ميدان القتال، ستحل عليه كارثة.
وأشار إلى أن مقتل 21 جنديا وضابطا إسرائيليا في قطاع غزة، أول من أمس، كانت “حادثة على هامش الحرب. ولا علاقة لها بالمجهود الحربي الأساسي، في غربي خانيونس. ويبدو أنه كان بالإمكان منع مقتلهم”.
ولفت إلى أن الوضع في إسرائيل كان مشابها خلال احتلال جنوب لبنان. “وطالما أن عدد الجنود القتلى لم يتجاوز بضع عشرات في السنة، كان وجود الجيش الإسرائيلي في لبنان يحظى بتأييد شعبي واسع. وكارثة المروحيات (مقتل حوالي 72 جنديا باصطدام مروحيتين) في شباط/فبراير 1997، قلبت الوضع رأسا على عقب. فتصاعدت الاحتجاجات، واضطر المرشحان لرئاسة الحكومة، إيهود باراك وبنيامين نتنياهو، إلى التعهد بالانسحاب إلى حدود خط وقف إطلاق النار”.
وأضاف برنياع أن “الأمر الذي ينبغي أن يقلقنا في هذه المرحلة من تبادل الضربات، في غزة وكذلك عند الحدود اللبنانية، هو الفجوة الآخذة بالاتساع بين مفهوم المستوى السياسي ومفهوم المستوى العسكري، التوقعات لدى الجمهور، الإدراك الأميركي والواقع على الأرض”.
وتابع أن “نتنياهو يعدنا يوميا بأن الحرب ستستمر حتى الانتصار المطلق على حماس. وهو لا يوضح طبيعة هذا الانتصار، وأي واقع سيُنشئ. ومهمة المستوى السياسي هي بتحويل إنجاز عسكري إلى اتفاق وإلى مستقبل بالإمكان العيش فيه. ونتنياهو أعفى نفسه من المسؤولية تجاه المستقبل”.
وأشار إلى أن “الحرب حولت حماس من جيش منظم إلى منظمة أنصار. والحرب لم تشل حركة حماس ولم تؤدِ إلى استسلامها، أو تليين شروطها من أجل تحرير المخطوفين. وتوقعات الجيش الإسرائيلي في هذا الموضوع لم تكتمل. ورفض نتنياهو اتخاذ قرارات بشأن اليوم التالي، يعيد حماس إلى الصورة ويقود إسرائيل إلى مواجهة شديدة مع الإدارة الأميركية والدول العربية المعتدلة”.
وشدد برنياع على أن “إسرائيل بحاجة إلى صفقة (تبادل أسرى) مثلما تحتاج حماس إليها تقريبا. ولا توجد صفقة حاليا. فهي لن تعيد مخطوفين فقط، وإنما ستوفر سلما للمستوى السياسي كي ينزل من خلاله إلى أرض الواقع”.
ووفقا للمحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، عاموس هرئيل، فإن “الخسائر الكثيرة بالجنود، إلى جانب الشعور بأن صفقة أخرى لتحرير المخطوفين تتأخر بشكل من شأنه أن يؤدي إلى وفاة مخطوفين آخرين، يرجح أن تزيد الخلافات العامة الداخلية حول استمرار الحرب ضد حماس”.
وأضاف أن “ادعاء اليمين، الذي يكرره نتنياهو، هو أن الطريقة الوحيدة للتقدم نحو صفقة تتعلق باستمرار الضربات ضد العدو. وإذا استمر الجيش الإسرائيلي بتوجيه الضربات إليها بشدة، سنصل أخيرا إلى نقطة الانكسار، التي ربما تجلب معها صفقة أسرى بشروط أقل صعوبة”.
وتابع هرئيل أنه “من الجهة الأخرى، يتزايد القلق في اليسار على حياة المخطوفين ومعه الشعور بالإلحاح، لأنه من دون تحريرهم بسرعة، سيموت معظمهم في الأسر أو سيختفون. ونسمع الآن عن موت عدد من المخطوفين أسبوعيا. وأعلن الجيش الإسرائيلي عن موت 30 من بين 136 مواطنا وجنديا محتجزين لدى حماس. والعدد الحقيقي للقتلى قد يكون أعلى”.
وتوقع أن “مقتل عدد كبير من الجنود في يوم واحد، ومعظمهم من عناصر الاحتياط وبينهم آباء كثيرون لأطفال، سيؤثر سلبا على المزاج القومي. وفي المدى البعيد، يتعين علينا أن نرى إذا لم تكن هنا نتيجة كتلك التي كانت أثناء القتال في لبنان، بأن يتم تحويل الرأي العام إلى حلول بديلة، بدلا من استمرار الحرب بأي ثمن”.
ورجح هرئيل أن “الخسائر غير المألوفة من شأنها تغذية موقدة احتجاجات عائلات المخطوفين، والمطالبة بصفقة فورية؛ واحتجاجات معارضي نتنياهو الذين يطالبون بالإعلان عن انتخابات الآن. وينشأ الانطباع أن الغضب العام على إخفاقات بداية الحرب لم يتلاش، لكنه من الجهة الأخرى لم يؤد إلى موجة (احتجاجات) شعبية تشكل خطرا على حكم نتنياهو. فقد حدث هذا في الماضي، بشكل تدريجي وبطيء، في ثلاثة حروب: يوم الغفران (1973)، حرب لبنان الأولى وحرب لبنان الثانية”.
المصدر: عرب 48