تضييق إسرائيلي متصاعد على جمعيات الإغاثة العربية لمنع دعم غزة
تتعرض جمعيات الإغاثة في المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق الـ48 لتضييقات متزايدة من السلطات الإسرائيلية بهدف منع حملات الدعم الإنساني لقطاع غزة. تشمل هذه التضييقات قيودًا قانونية وإدارية صارمة، بالإضافة إلى حملات تحريض عبر الإعلام.
شحنات المساعدات المخصصة لغزة تتكدس في معبر “كرم أبو سالم” (Getty Images)
تواجه جمعيات الإغاثة في المجتمع العربي الفلسطيني في مناطق الـ48 تضييقًا متزايدًا من قبل السلطات الإسرائيلية، في محاولة لمنعها من إطلاق حملات إغاثة لدعم قطاع غزة الذي يتعرض لحرب إسرائيلية مدمرة من السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وتشمل هذه الإجراءات قيودًا صارمة على تحويل الأموال والتبرعات، بالإضافة إلى فرض عقبات إدارية وقانونية تعيق عمل الجمعيات وتحد من قدرتها على جمع التبرعات.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
إلى جانب الإجراءات الرسمية، تتعرض الجمعيات لحملات تحريض وتشهير عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى التشكيك في نزاهة عملها وزرع الشكوك حول أهدافها الإنسانية. هذه الضغوط تمثل جزءًا من نهج أوسع يهدف إلى تقليص الدعم الشعبي في الداخل الفلسطيني لصالح أهالي غزة، في ظل تصاعد الأوضاع الإنسانية الصعبة في القطاع.
ويأتي ذلك في إطار تصعيد سياسيات التضييق على المجتمع العربي في الداخل، على خلفية حرب الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة؛ إذ تنوعت أشكال التضييق على الفلسطينيين في إسرائيل، بدءا من سياسة كم الأفواه والاعتقالات بسبب التظاهر أو حتى النشر على منصات التواصل الاجتماعي وإصدار أحكام قضائية جائرة بحق الناشطين.
وشنّت السلطات الإسرائيلية حربا من نوع آخر على الجمعيات الخيرية والإغاثية العربية في الداخل، وعلقت عمل عشرات الجمعيات وجمّدت حساباتها البنكية، بل واعتقلت عددا من أعضائها وصادرت ممتلكات ومبالغ مادية. ورغم هذه الضغوط، تؤكد الجمعيات الإغاثية على استمرارها في العمل وفق الأطر القانونية المتاحة، متمسكة برسالتها الإنسانية في تقديم الدعم للمحتاجين في غزة.
وطُرحت في الأسابيع الأخيرة تساؤلات حول غياب الجمعيات الخيرية العربية عن مشهد حملات الإغاثة وجمع التبرعات لصالح قطاع غزة، وجاءت هذه التساؤلات في ظل النقاش الدائر واختلاف الآراء حول تنشيط جهات إسرائيلية يسارية لحملات إغاثية لغزة داخل البلدات العربية.
وفي هذا السياق، قال مدير جمعية “القلوب الرحيمة”، معن صوالحة، في حديثه لـ”عرب 48”: “تفاجئنا بعد أيام من بداية الحرب بتجميد الحساب البنكي للجمعية دون سابق إنذار من قِبل إدارة البنك، وكان الادعاء أن الجمعية تحوّل التبرعات إلى اللاجئين السوريين في تركيا، وممكن أن تصل هذه التبرعات لأيدي ‘إرهابيين‘ وجهات معادية”.
وأوضح صوالحة أن “المحكمة المركزية في تل أبيب دعمت ادعاء البنك ووافقت على إبقاء حساب الجمعية مجمدا، وفي الأيام الأخيرة قدمنا استئناف للمحكمة العليا في القدس وما زلنا ننتظر الجواب”. وأكد مدير جمعية “القلوب الرحيمة” ومقرها في مدينة الناصرة أن “الجمعية تعمل منذ عام 2016 وهناك عشرات التحويلات المسجلة لجهات ومنظمات أممية في تركيا ولم يكن لدينا أي مشكلة سابقا”.
وأفاد بأن “هذا التجميد جاء بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بأيام قليلة، ما يؤكد أن هذه سياسة بنكية ممنهجة ومدروسة وليست عبثية، لمنع الجمعيات الخيرية في البلاد من جمع التبرعات وإيصالها لمستحقيها إن كان في البلاد أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، فقد جففوا مصدر الدخل للجمعيات من خلال تجميد الحسابات، وأحدثوا شللا كاملا بمنع تحويل التبرعات للحساب أو من الحساب”.
ولفت صوالحة إلى أن “بحسب مصادر من مختلف مدراء وأعضاء الجمعيات، هناك أكثر من 70 جمعية إغاثية عربية تم تجميد حسابتها البنكية في البلاد منذ بداية الحرب على غزة”.
بدوره، قال مدير جمعية “الراحمون”، علي مناصرة، في حديث لـ”عرب 48”: “نحن جمعية من بين قرابة 100 جمعية، أصبحت بين ليلة وضحاها دون نشاط يذكر، التضييق كان بداية على التحويلات البنكية لخارج البلاد وثم تم تجميد الحساب البنكي بشكل كامل سواءً التحويلات والمدخولات بحيث لا يمكن إجراء أي معاملات بنكية، عمليا تم إيقاف الآلاف من عمليات السحب الثابت لكفالات الأيتام أو إيداعات بنكية”.
وأوضح مدير الجمعية التي تتخذ من أم الفحم مقرا لها “قمنا بتقديم التماس عاجل لأجل إعادة الحساب إلى سابق عهده، لكن المحكمة المركزية في تل أبيب، تعاملت معنا كباقي الجمعيات وتبنّت موقف البنك بناءً على تقديرات لا أساس قانوني ولا عملي لها على أرض الواقع، وحاليا نحن بصدد تقديم ملف قضائي كامل يلزم البنك بتحرير الحساب”.
وشدد مناصرة على أن “الاجراءات التي تتخذها البنوك غير أخلاقية وتستهدف عمل المجتمع الإنساني، فعليا هنالك عملية لشل أنشطة الجمعيات دون أي مسوّغات قانونية، وهذا التعامل مع الجمعيات في الداخل هو نتاج تحريض من جمعيات يمينية متطرفة كانت وما زالت تحرّض على هذه الأنشطة بلا وجه قانوني، والتجميد جاء في ظل تلهف أهلنا في الداخل لتقديم كل شيء للمساعدة جرّاء الحرب والأزمة الانسانية المتواصلة في غزة”.
من جانبه، قال مدير جمعية “قربان”، محمود جبارين، في حديث لـ”عرب 48“، إن “هوسا أمنيا أصاب هذه الحكومة منذ بداية الحرب؛ تمت ملاحقتنا كأفراد واعتقال عدد منا وتفتيش منازل أعضاء الجمعية ومنهم منزلي، وتجميد 3 حسابات بنكية للجمعية، وذلك على الرغم من أنه لا يوجد أي عمل للجمعية خارج عن القانون”.
وأضاف جبارين أن “التُهم الموجهة هي ‘دعم الإرهاب‘ وهذه تهمة كبيرة وخطيرة جدا، وإذا وجدوا أدلة تدعم هذه التهمة فسيكون هناك حملة اعتقالات واسعة، نحن بدورنا نقوم بأعمال إغاثية بغض النظر عن الدين واللون والجنسية، وقد قمنا بإغاثة متضرري زلزال سورية وتركيا عام 2023، وأيضا نقوم بأعمال إغاثية وتقديم مساعدات مثل حفر الآبار وغيرها في عدة دول أفريقية، وقطاع غزة بأمس الحاجة لحملات الإغاثة خلال هذه الفترة، وحتى الآن لم يُسمح لنا باستئناف النشاط”.
وعن المسار القضائي بخصوص عمل الجمعية، قال مدير الجمعية التي تتخذ من أم الفحم مقرا لها، إن “التحقيقات ما زالت مستمرة لحين التأكد من ثبوتية وصحة الأوراق التي يطلبونها، ونحن على يقين أنهم سيصلون إلى النتيجة الحتمية أننا نقوم بأعمال إنسانية إغاثية قانونية مئة بالمئة”.
وتثير عملية الملاحقة الممنهجة التي تستهدف جمعيات الإغاثة العربية وما أسفرت عنه هذه الملاحقة بشل وتعطيل أنشطها بشكل تام وتوجيه التهم الجاهزة والخطيرة لموظفيها على غرار “دعم الإرهاب”، أسئلة عديدة حول أسباب السماح لجهات إسرائيلية يسارية بالعمل في المجال الإغاثي وتحديدا في هذه المرحلة والأثر السياسي على شرائح واسعة في المجتمع العربي.
وقال المستشار التنظيمي والإستراتيجي بكر عواودة، في حديث لـ”عرب 48” إن “حراك ‘نقف معا‘ حصل على تصاريح دونما مؤسسات أخرى وبالتعاون مع مؤسسات دولية لم يتم الإفصاح عنها، ولهذا يمكن أن تكون تبعات سياسية لا نعرف عنها، إضافة لذلك لا نعرف عن سير الحملة بعد جمع التبرعات وكيفية التوزيع في الخط النهائي، كما لا تتوفر معلومات حول شركاء ‘نقف معا‘، وهنا توجد أسئلة لماذا انطلقت ‘نقف معا‘ بالحملة وحدها ولم تشارك الجمعيات الإغاثية العربية، أسئلة كثيرة تُطرح بدون أجوبة”.
وتمتلك جمعيات الإذاثة في الداخل الفلسطيني، خبرة واسعة في تقديم المساعدات للعائلات المتعففة والطلبة وكفالة اليتامى والطرود الغذائية تحديدا في شهر رمضان والأعياد، وصولا لتقديم المساعدات الإغاثية لمتضرري الحروب والكوارث الإنسانية، وقد برز دور هذه الجمعيات في تقديم المساعدات لقطاع غزة والضفة الغربية واللاجئين السوريين ومتضرري الزالزال في سورية وتركية عام 2023.
المصدر: عرب 48