تغييرات جوهرية في شروط الاتفاق قلبت مسار المفاوضات
نص الوثيقة الأخيرة التي سلمتها إسرائيل للوسطاء وصاغها نتنياهو يظهر جحم التغييرات التي طالب بها الأخير وغيّرت مسار المفاوضات مع حماس، وتشمل تعزيز الوجود العسكري الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، وتحديد قوائم جديدة للأسرى، والتشديد على تفتيش العائدين إلى شمالي غزة.
محتجون في نيويورك يتهمون نتنياهو بعرقلة التوصل إلى اتفاق (Getty Images)
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم الثلاثاء، عن نص الوثيقة التي سلمها رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عبر رئيس الموساد، دافيد برنياع، للوسطاء في مفاوضات تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة في 27 تموز/ يوليو الماضي، وتضمنت تغييرات جوهرية و”إضافات دراماتيكية” تمثل تراجعا عن مقترح 27 أيار/ مايو المقدم من قبل إسرائيل ووافقت حركة حماس على معظمه.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
وبحسب الصحيفة، فإن الوثيقة جاءت في 7 صفحات تتضمن نص المقترح، بالإضافة إلى ملاحق، وخرائط، وقائمة بأسماء 40 رهينة في قطاع غزة؛ وتطرقت إلى محور فيلادلفيا ومعبر رفح وممر ‘نتساريم‘ ونفي أسرى فلسطينيين إلى الخارج، وتشدد في الموقف الإسرائيلي بالقضايا الرئيسية، كما أنها تمثل تراجعا من قبل نتنياهو عن المقترح الذي قدمته تل أبيب في 27 أيار/ مايو الواضي.
وتحمل الوثيقة عنوان “توضيحات لتنفيذ المرحلة الأولى من مسودة اتفاق 27 أيار/ مايو”، وتشمل تغييرات في الجزء الأول من المقترح الذي قدمته إسرائيل وبات يعرف إسرائيليا باسم “مقترح نتنياهو”؛ ويتألف المقترح الكامل من ثلاث مراحل، كما كشف الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن تفاصيله.
وغيرت هذه الوثيقة مسار المفاوضات تمامًا، لتتحول إلى “وثيقة دموية”، كما وصفها مسؤول أمني رفيع، معتبرا أنها “ملطخة بدماء الرهائن الستة الذين قُتلوا في رفح”. وأبرز ما ورد فيها:
محور فيلادلفيا:
وتبدأ الوثيقة بتعديل فعلي لنشر القوات الإسرائيلية في قطاع غزة. إذ ينص اقتراح إسرائيل في 27 أيار/ مايو على انسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة. ويفصل المقترح كيف سيتم الانسحاب التدريجي في المرحلة الأولى: في اليوم السابع من وقف إطلاق النار، ستنسحب القوات الإسرائيلية من شارع الرشيد (الموازي للبحر في القطاع) وتتمركز شرق شارع صلاح الدين (الذي يعبر القطاع طوليًا تقريبًا في وسطه).
كما ينص مقترح 27 أيار/ مايو أنه سيتم تفكيك جميع المواقع العسكرية في المنطقة التي انسحبت منها قوات الجيش الإسرائيلي، وستبدأ عودة النازحين إلى منازلهم دون حمل السلاح. كما يُسمح بحرية الحركة للسكان في جميع مناطق قطاع غزة. وفي اليوم الثاني والعشرين، من المقرر أن تنسحب القوات من “وسط قطاع غزة”، بما في ذلك ممر نتساريم، إلى منطقة تقع شرق طريق صلاح الدين على طول الحدود. إلى جانب ذلك، سيكتمل تفكيك المواقع العسكرية، وستستمر عودة النازحين “دون حمل السلاح”، إلى جانب السماح بحرية الحركة في جميع أنحاء القطاع.
في المقابل، فإن وثيقة التغييرات الصادرة في 27 تموز/ يوليو تنص على خلاف ذلك. ففي فقرة قصيرة، كُتب أن “إعادة نشر قوات الجيش الإسرائيلي ستتم وفقًا للخرائط المرفقة في الملحق 1”. وفي الفترة التي تم فيها تقديم المقترح الإسرائيلي، كان جيش الاحتلال قد سيطر عمليًا على معظم محور فيلادلفيا.
وتظهر الخرائط المرفقة في “الملحق 1” أن الجيش الإسرائيلي سيحتفظ بشريط يبلغ عرضه 1.4 كيلومتر على طول الحدود بين إسرائيل والقطاع. وفي اليوم السابع، من المتوقع أن تنسحب القوات من نصف ممر نتساريم، وفي اليوم الثاني والعشرين، من المتوقع أن تنسحب بالكامل.
لكن خريطة جديدة، تُعرف باسم “الخريطة رقم 3” وفقًا للوثيقة، تتضمن بقاء قوات الاحتلال في محور فيلادلفيا؛ وبحسب “يديعوت أحرونوت”، قال الوسطاء لحماس إنه من البديهي أن الانسحاب يشمل محور فيلادلفيا، كضمانة للانسحاب من كامل القطاع كما ينص المقترح المقدم في 27 أيار/ مايو. غير أن الخريطة المقدمة من قبل إسرائيل تنص على أن إسرائيل ستقلص قواتها في المنطقة، لكن لم يُذكر في الوثيقة أنه سيتم الانسحاب الكامل منها في أي مرحلة.
ومنذ تقديم وثيقة “التوضيحات”، يصر نتنياهو على أن إسرائيل ستبقى في محور فيلادلفيا، وقال في اجتماع الحكومة أمس، الإثنين، إنه “يجب أن نبقى، فهذا ضروري لأمن إسرائيل. إذا غادرنا هذه المنطقة، فسيصعب علينا العودة”، ثم فصّل “أهمية المنقطة الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل”، على حد تعبيره، في مؤتمر صحافي عقده مساءً، مع عرض خريطة.
التفتيش في ممر نتساريم:
يسعى المقترح الإسرائيلي إلى تحديد أن العائدين إلى شمال القطاع خلال أيام وقف إطلاق النار لن يحملوا أسلحة. في اقتراح 27 أيار/ مايو، كُتب أن العائدين لن يحملوا أسلحة، مع تراجع إسرائيل عن نقاط التفتيش ووسائل الفحص التي طلبتها في مسودات سابقة، بعد أن قال الجيش الإسرائيلي إنه يمكن التنازل عن هذه النقطة. ومع ذلك، تحدد الوثيقة التي أعدها نتنياهو في 27 تموز/ يوليو خلاف ذلك: “العائدون لن يحملوا أسلحة”، و”سيتم ضمان تنفيذ العودة (بدون أسلحة) وفق آلية سيتم الاتفاق عليها مسبقًا”، كما ورد.
وبذلك، تراجعت إسرائيل عمليًا عن اقتراح 27 أيار/ مايو، بإعادة فتح النقاش حول الآلية التي سيتم الاتفاق عليها من قبل الطرفين، بينما من الواضح أن حماس ترى هذا الأمر غير قابل للتفاوض وترفض أي آلية تعيق العودة إلى شمالي القطاع.
وخلافا للمقترح الذي قدمته إسرائيل في 27 أيار/ مايو الماضي، أدرج نتنياهو في المسودة المقدمة في 27 تموز/ يوليو، قائمة بأسماء جميع من يعتقد أنهم، إذا كانوا على قيد الحياة، يجب إدراجهم في المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى؛ وتشمل القائمة أسماء 40 أسيرا ورهينة.
وكان مقترح 27 أيار/ مايو قد نص على أن “حماس ستفرج عن 33 رهينة إسرائيلية (أحياء وجثث) – نساء (مدنيات وجنديات)، أطفال (تحت سن 19 عاما، غير مجندين)، كبار السن (فوق 50 عامًا)، والمدنيين المرضى والمصابين، مقابل عدد من الأسرى الفلسطينيين”، على أن يتم الاتفاق لاحقا على آلية التبادل والأعداد”.
وعلى عكس ذلك، تنص وثيقة تغييرات نتنياهو في 27 تموز/ يوليو. على أن “الرهائن الـ33 الذين ستفرج عنهم حماس في المرحلة الأولى سيشملون جميع الرهائن الإسرائيليين الأحياء من القائمة المرفقة والمرضى وكبار السن”.
ونقلت “يديعوت أحرونوت” نقلا عن مصدر أمني مطلع أن هذا البند كذلك يتضمن “خدعة من قبل نتنياهو، تكمن في تعريف من هو ‘المريض‘، إذ يمكن أن تعتبر حماس أن شخصًا ما ليس مريضًا أو ليس مريضًا بما يكفي ليُدرج في القائمة، ومن ثم نجد أنفسنا مرة أخرى في أسابيع أو أشهر من الجدل” حول هذا الشأن.
نفي الأسرى الفلسطينيين:
وتتضمن وثيقة تغييرات نتنياهو، بحسب الصحيفة، إعادة صياغة لأحد البنود المتعلقة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المحكوم عليهم بالسجن مدى الحياة. وأوضحت أنه “في اقتراح 27 أيار/ مايو، في البند 4ج، ذُكر أن حماس ستفرج عن جميع الجنديات الإسرائيليات الأحياء، وفي المقابل، ستفرج إسرائيل عن 50 أسيرًا مقابل كل واحدة منهن. بما يشمل 30 أسيرا محكوم عليهم بالسجن المؤبد، و20 آخرين تبقى لهم في الأسر أقل من 15 عاما، وذلك وفقًا لقائمة ستقدمها حماس.
وذكرت الوثيقة أنه “سيتم إبعاد 100 من الأسماء بناءً على طلب مسبق من إسرائيل، على أن يُناقش هذا الأمر في المرحلة الثانية من الاتفاق”. وبالإضافة إلى ذلك، ينص المقترح على أن “عددًا من الأسرى سيتم الاتفاق عليه مسبقًا على أن لا يقل عن 50 أسيرا من الذين يقضون عقوبات بالسجن المؤبد، سيتم إبعادهم إلى الخارج أو إلى قطاع غزة”.
لكن البند 4 في وثيقة التغييرات الإسرائيلية، الصادرة في 27 تموز/ يوليو، لا يذكر النفي إلى غزة، بل يشير إلى النفي إلى الخارج. ويحدد النص أن “القائمة الإسرائيلية للأسرى الفلسطينيين الذين سيُنفون إلى الخارج ستتضمن ما لا يقل عن 50 وحتى 200 اسم”.
معبر رفح:
وشمل مقترح نتنياهو الأخير بندا آخر (السادس) يتعلق بفتح معبر رفح. وأوضحت الوثيقة أنه “في المقترح الإسرائيلي المقدم في 27 أيار/ مايو، جاء أن “معبر رفح سيكون مفتوحًا منذ اليوم السابع” وستبدأ إجراءات إعادة الإعمار. غير أن مقترح نتنياهو الأخير يتضمن “ملاحظة غامضة” تشير إلى أن “معبر رفح سيظل مغلقًا لحين تحقيق اتفاق واضح”. في حين لم يتم تحديد “نوع الاتفاق، وما الذي سيتم الاتفاق عليه ومن الأطراف التي عليها التوصل لاتفاق”.
المصدر: عرب 48