تفجير أجهزة الاتصال ضربة معنوية قوية لحزب الله ولا تغيير جوهري في المعادلة الإستراتيجية
تسببت التفجيرات التي استهدفت أجهزة الاتصال التابعة لحزب الله في لبنان بزعزعة أمن الحزب وإحداث ضربة معنوية قوية له، وفقًا لمحللين إسرائيليين. ورغم أن العملية عززت الردع الإسرائيلي، إلا أنها لم تُحدث تحولًا إستراتيجيًا، ما يثير التساؤلات حول تداعياتها.
نقل المصابين من جراء التفجيرات إلى المشافي؛ بيروت (Getty images)
يرى محللون إسرائيليون أن سلسلة التفجيرات التي استهدفت أجهزة الاتصال التابعة لعناصر حزب الله في لبنان وسورية، يوم أمس، الثلاثاء، شكلت ضربة معنوية قاسية للحزب، وزادت من قدرة الردع الإسرائيلي. ومع ذلك، لم تؤدِ العملية إلى تغيير إستراتيجي جوهري في المنطقة، لكنها قد تمهد الطريق لمواجهة مستقبلية مفتوحة.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
وتعتبر العملية الإسرائيلية المتمثلة باختراق أجهزة “بيجر” تابعة لعناصر حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق في الجنوب والبقاع وتفجيرها، ما أدى إلى وقوع شهداء ومئات المصابين، الحادثة الأكبر من نوعها منذ بدء التصعيد الإسرائيلي على جبهة لبنان في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويشير محللون إسرائيليون إلى أن حزب الله قد يرد بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة، مما ينذر بتصعيد محتمل قد يتطور إلى حرب شاملة، لكن من غير المؤكد أن هذه التفجيرات ستؤدي إلى استعادة الأمن في شمال إسرائيل بشكل يقربها من تحقيق هدفها الأحدث في إطار حربها على غزة المتمثل بـ”إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”
وقال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، أن تفجير أجهزة الاتصال عن بُعد “أظهر لحزب الله مدى سهولة اختراقه، ليس فقط من الناحية الاستخبارية بل أيضًا من الناحية الرقمية والتقنية”. واعتبر أن “هذا التكامل بين الاستخبارات والاختراق الرقمي يعتبر سلاحًا بحد ذاته، وعلى حزب الله ورعاته الإيرانيين أن يحذروا منه”.
في المقابل، شدد بن يشاي على أنه “في الوقت الحالي، لا يوجد تغيير جوهري في الوضع الإستراتيجي”. معتبرا أن “التفجيرات المنسوبة إلى إسرائيل تزيد من مستوى الردع ضد حزب الله وإيران، وتعتبر ضربة معنوية للحزب، لكنها ليست تحوّلًا إستراتيجيًا سيعيد سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”.
وأضاف “إذا كانت إسرائيل تقف بالفعل خلف هذه الانفجارات، بما في ذلك تلك التي حدثت في سورية، فهي ترسل رسالة تحذير واضحة إلى حزب الله بعدم تنفيذ عمليات هجومية داخل إسرائيل، كما فعل الحزب مؤخرًا باستخدام بنية تحتية فلسطينية محلية”، في إشارة إلى المزاعم الإسرائيلية بأن حزب الله حاول تنفيذ عمليات تفجيرية في العمق الإسرائيلي استهدفت أحدها مسؤولا أمنيا بارزا.
وقال إن “خبراء الإلكترونيات يعتقدون أن أجهزة الاتصال التي انفجرت كانت تُستخدم لتنسيق وتوقيت إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة تجاه إسرائيل، وكذلك لإعطاء إنذارات لمقاتلي حزب الله ضد ضربات سلاح الجو الإسرائيلي”. وأضاف “من المرجح أن يرد حزب الله بإطلاق صواريخ مكثفة وهجمات بالطائرات المسيرة، لكن ربما لن يكون ذلك تصعيدًا كبيرًا عن الوضع الحالي”.
بدوره، نقل محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان، عن ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي قوله إن “حزب الله في حالة صدمة وخوف وإهانة. الإصابات ليست قاتلة بشكل دراماتيكي، ولكن هناك مئات المصابين بجروح طفيفة ومتوسطة، ولدى كل عائلة تقريبًا شخص مصاب”.
وقال بيرغمان إن “العملية نجحت بالكامل وتركت حزب الله في حالة صدمة”. ولكن الضابط الكبير استدرك قائلاً: “لا أعتقد أن هذه العملية التي كانت ناجحة بنسبة 100% ستساهم في تعزيز أمن إسرائيل. الأهم هو إعادة عشرات الآلاف من المواطنين الذين تم إجلاؤهم من الشمال، ولا أرى حتى الآن إستراتيجية واضحة لربط هذه العملية بتحقيق هذا الهدف”.
وتوقع الضابط أن رد حزب الله سيكون قويًا، مما قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المواجهة بين الجانبين. وقال “أستطيع أن أرى خطًا واضحًا بين التفجيرات وتفاقم الوضع بشكل كبير، لأن حزب الله، المقتنع بأن إسرائيل تقف وراء الحادث، سيقرر أنه لا يبتلعه، بل يرد بقوة، ومن ثم سترد إسرائيل عليه، وسوف يتفاعل مع رد الفعل. هناك مصطلح لهذا النوع من التبادل العسكري المكثف – ‘حرب'”.
وفي سياق متصل، نقل المحلل السياسي في موقع “واللا” الإلكتروني، باراك رافيد، عن ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار، قولهم إن إسرائيل “قررت تفجير مئات أجهزة الاتصال التي كان يستخدمها مقاتلو حزب الله في لبنان وسورية، خوفًا من اكتشاف الحزب للثغرات الأمنية في هذه الأجهزة”.
ونقل عن مسؤول أميركي رفيع، الذي وصف الأسباب التي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة في ما يتعلق بتوقيت الهجوم إن “إسرائيل كانت أمام خيارين: إما استخدام أجهزة الاتصال المزروعة أو فقدان الفائدة منها”.
كما نقل رفيد عن لمسؤول إسرائيلي سابق أن “أجهزة المخابرات الإسرائيلية خططت لاستخدام أجهزة الاتصال المفخخة التي تم زرعها بنجاح لدى مقاتلي حزب الله كضربة افتتاحية مفاجئة في حرب شاملة، بهدف شل حركة الحزب بشكل مؤقت ومنح إسرائيل أفضلية كبيرة في الهجوم”.
وفي الأيام الأخيرة، “تصاعدت المخاوف في إسرائيل من أن حزب الله قد يكتشف أن أجهزة الاتصال تشكل ثغرة أمنية. ونتيجة لذلك، عُقدت مشاورات طارئة بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وكبار الوزراء والمسؤولين الأمنيين، وتم اتخاذ قرار باستخدام النظام السري الآن بدلاً من المخاطرة باكتشافه من قبل حزب الله”، وفقًا لمسؤول أميركي.
وكان موقع “المونيتور” قد أشار إلى هذه “المخاوف”، ولفت إلى أن اثنين من مقاتلي حزب الله طرحوا شكوكا وتساؤلات حول أجهزة الاتصال في الأيام الأخيرة، الأمر الذي عجّل من القرار الإسرائيلي باستخدامها.
وعلى ضور تهديد حزب الله بالرد على الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص وإصابة 4000 آخرين، منهم 400 في حالة خطيرة. اعتبر مسؤولون إسرائيليون وأميركيون أن رد حزب الله قد يسير في اتجاهين: “إما أن يبدأ الحزب هجومًا كبيرًا على إسرائيل للانتقام من الإهانة التي تعرض لها، أو قد يتردد على الأقل في المدى القريب، خوفًا من وجود ثغرات أمنية أخرى قد تستغلها إسرائيل”.
المصدر: عرب 48