تمديد الهدنة رغم تواصل خرقها ومبعوث أمميّ إلى الخرطوم
أعلن الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، مساء الأحد، موافقتها على تمديد الهدنة الإنسانية 72 ساعة إضافية، رغم خرقها باستمرار منذ بدئها، فيما قرر الأمين العام للأمم المتحدة إيفاد مسؤول كبير إلى المنطقة، في ظل الوضع “غير المسبوق” في السودان.
وقال الجيش في بيان إنه بناء على المساعي السعودية والأميركية، “وافقت القوات المسلحة على تمديد الهدنة”، مؤكدا “جاهزيته التامة للتعامل مع أي خروقات”.
كما أعلنت قوات الدعم السريع “تمديد أجل الهدنة الإنسانية لـ72 ساعة”، استجابة “لنداءات دولية وإقليمية ومحلية”. وقالت أنها ستلتزم بوقف إطلاق النار “رغم الخروقات المستمرة” من قبل الجيش.
يأتي ذلك فيما كان من المقرر أن تنتهي ليل الأحد – الإثنين، هدنة الثلاثة أيام المتفق عليها بين الجيش وقوات الدعم السريع لوقف القتال في السودان على وقع تواصل الاشتباكات العنيفة بين الطرفين في العاصمة.
ورغم إعلان الجيش و”الدعم السريع” الموافقة على الهدنة عدة مرات سابقة، إلا أن الاشتباكات تستمر بينهما، وسط اتهامات متبادلة بخرقها.
غوتيريش يوفد مسؤولا كبيرا متحدثا عن وضع “غير مسبوق”
وقرر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأحد، أن يوفد “فورا” إلى المنطقة، المسؤول عن الشؤون الإنسانية في المنظمة، مارتن غريفيث، في ضوء وضع “غير مسبوق” في السودان حيث تستمر المواجهات، وفق ما أعلن المتحدث باسمه.
وقال الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك في بيان، إن “الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين”، مبديا “قلقه الكبير”.
وأضاف أن غوتيريش قرر أن يرسل “فورا إلى المنطقة”، رئيس الوكالة الإنسانية للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، “في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان”.
وتابع: “نحن قلقون جدا للتأثير الفوري والبعيد المدى (لهذه الأزمة) على جميع السودانيين وعلى المنطقة برمتها”.
وقال دوجاريك أيضا “مرة جديدة، ندعو طرفي النزاع إلى حماية المدنيين والبنى التحتية والسماح بعبور آمن لمن يفرون من مناطق المعارك واحترام العمال الإنسانيين وإمكاناتهم، وتسهيل عمليات المساعدة واحترام الطواقم الطبية ومنشآتها ووسائل النقل”.
وغرق السودان في الفوضى منذ انفجر في منتصف نيسان/ أبريل، الصراع الدامي على السلطة بين البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، الملقّب بـ”حميدتي”.
وقال الجيش السوداني، الأحد، إنه دمر أرتالا لقوات الدعم السريع في أثناء تحركها من الغرب إلى الخرطوم. وقالت قوات الدعم السريع إن الجيش هاجم بالمدفعية والطائرات الحربية مواقع لها في عدة مناطق بولاية الخرطوم.
وفي محاولة على ما يبدو لإعطاء دفعة لقواته، قال الجيش، السبت، إنه بدأ نشر وحدات من شرطة الاحتياطي المركزي بجنوب الخرطوم وسيتوالى نزولها تدريجيا في مناطق أخرى من العاصمة.
وقالت الشرطة السودانية إن شرطة الاحتياطي المركزي انتشرت لحماية الأسواق والممتلكات التي تعرضت للنهب. وحذرت قوات الدعم السريع شرطة الاحتياطي المركزي أمس السبت من أن تصبح طرفا في القتال.
وشرطة الاحتياطي المركزي هي فرقة كبيرة مدججة بالسلاح من الشرطة السودانية، ولديها خبرة قتالية اكتسبتها من صراعات في دارفور بغرب البلاد وفي جبال النوبة في الجنوب.
“لا مفاوضات مباشرة”
أدى القتال الدائر في الخرطوم حتى الآن إلى انتشار قوات الدعم السريع في أنحاء المدينة في ظل محاولات الجيش لاستهدافها بضربات جوية في الأغلب مستخدما الطائرات المسيرة والمقاتلات؛ كما دفع الصراع عشرات الآلاف إلى الفرار عبر حدود السودان وأثار تحذيرات من احتمال تفكك البلاد مما يزعزع استقرار منطقة مضطربة بالفعل. كما دفع الصراع دولا أجنبية إلى المسارعة في إجلاء مواطنيها.
وقال مسؤولان أميركيان إن الولايات المتحدة أرسلت سفينة تابعة لأسطولها لنقل مواطنيها، وأعلنت بريطانيا أنها رتبت رحلة إجلاء جوية إضافية من بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، بحسب ما أفادت وكالة “رويترز” للأنباء.
لكن، في إشارة إلى مدى عدم الاستقرار، قالت كندا إنها أوقفت رحلات الإجلاء “بسبب الأوضاع الخطيرة”.
وتبدو احتمالات إجراء مفاوضات بين طرفي الصراع ضعيفة. وفي هذا الصدد، قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، للصحافيين في بورتسودان: “لا مفاوضات مباشرة بل تحضيرات لإجراء محادثات”، مضيفا أن دولا في المنطقة والعالم تتواصل مع الجانبين.
وقال البرهان إنه لن يجلس أبدا مع حميدتي. وقال قائد قوات الدعم السريع بدوره إنه لن يبدأ التفاوض إلا بعد أن يوقف الجيش الأعمال القتالية.
وقالت وزارة الخارجية السعودية إن الوزير، فيصل بن فرحان، التقى مع مبعوث البرهان السفير دفع الله الحاج علي في الرياض. وتلعب الحكومة السعودية دورا في التوسط لوقف إطلاق النار.
وأضافت الوزارة أن الوزير “أكد على دعوة المملكة بالتهدئة وتغليب المصلحة الوطنية ووقف كافة أشكال التصعيد العسكري”.
وفي دلالة على زيادة الضغط الدبلوماسي، ذكرت وكالة أنباء الإمارات أن نائب رئيس الإمارات، منصور بن زايد، قد أجرى اتصالا هاتفيا مع البرهان.
وقالت “الدعم السريع” في بيانها، الأحد: “استجابة لنداءات دولية وإقليمية ومحلية، نعلن تمديد أجل الهدنة الانسانية لـ 72 ساعة، اعتبارا من منتصف هذه الليلة، من أجل فتح الممرات الإنسانية، وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين، وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم، والوصول إلى مناطق آمنة”.
وأضافت: “نجدد التزامنا الصارم بالهدنة الإنسانية المعلنة والوقف الكامل لإطلاق النار، رغم الخروقات المستمرة من القوات الانقلابية (الجيش) وكتائب الظل وفلول النظام البائد المتطرفة (أنصار نظام الرئيس السابق عمر البشير)” وفق البيان.
الآليّة الثلاثيّة تدعو لضمان تنفيذ الهدنة
ودعت الآلية الثلاثية الأممية الإفريقية، الأحد، الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” للموافقة على هدنة لمدة 72 ساعة، وضمان تنفيذها.
جاء ذلك في بيان صادر عن الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية “إيغاد”، اطلعت عليه الأناضول.
ودعا البيان، البرهان وحميدتي إلى “الموافقة على تمديد آخر لوقف إطلاق النار لمدة 72 ساعة وضمان تنفيذه بالكامل” من الطرفين.
وحثّ “أطراف الصراع على احترام وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، والامتناع عن شن هجمات على المناطق المأهولة بالسكان والمدارس ومرافق الرعاية الصحية”.
وأضاف أنه “يجب على جميع الأطراف تذكير مقاتليهم بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي”.
وأفاد بأن “وقف إطلاق النار هذا يمهد الطريق لإجراء محادثات بين الجانبين نحو تحديد وقف دائم للأعمال العدائية القتالية”.
تمديد إغلاق المجال الجويّ
وأعلنت هيئة الطيران المدني السودانية، الأحد، تمديد إغلاق المجال الجوي للبلاد أمام حركة الطيران حتى 13أيار/ مايو المقبل، باستثناء رحلات المساعدات الإنسانية والإجلاء.
وأفادت الهيئة في بيان، بأنها أصدرت “نشرة طيارين (نوتام) بتمديد إغلاق المجال الجوي السوداني أمام كافة حركة الطيران حتى 13 مايو المقبل”.
وأضافت: “يستثنى من ذلك رحلات المساعدات الإنسانية ورحلات إجلاء الرعايا الأجانب بعد الحصول على تصريح من قبل الجهات ذات الاختصاص وموافقة القوات المسلحة السودانية”.
وأوقعت الحرب ما لا يقلّ عن 528 قتيلا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة، أمس السبت، لكن يُرجَّح أن تكون الحصيلة أعلى من ذلك.
وأفاد شهود عيان بوقوع اشتباكات بالقرب من مقر الجيش في الخرطوم، وتعرض مدينة أم درمان غرب العاصمة لقصف جوي.
ومن جنوب الخرطوم، قال شاهد عيان إن “هناك قتالا عنيفا جدا، وإطلاق نار كثيف في الشارع كل بضع دقائق، منذ الصباح الباكر”، بحسب ما أوردت وكالة “فرانس برس” للأنباء، نقلا عنه.
ومع دخول المعارك أسبوعها الثالث، لا تزال العائلات في العاصمة البالغ عدد سكانها نحو خمسة ملايين نسمة، وضواحيها، تعاني نقص الغذاء والمياه والكهرباء والسيولة النقدية ويقبع الكثيرون منهم في المنازل.
ونزح عشرات آلاف الأشخاص في الداخل أو إلى البلدان المجاورة، فيما تنظم عدة دول أجنبية وعربية عمليات إجلاء واسعة.
ووصلت إلى مدينة بورتسودان، اليوم الأحد، أول شحنة مساعدات إنسانية من الصليب الأحمر جوًّا، أُرسلت من عمّان، وتزن ثمانية أطنان.
وقال المدير الإقليمي لمنطقة إفريقيا في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باتريك يوسف، في مؤتمر صحافي افتراضي من جنيف: “تمكنا من الطيران إلى بورتسودان من عمان كطاقم طبي مع مستلزمات للتعامل مع جرحى الحرب، تكفي لاستقرار 1500 جريح”.
وأمل يوسف في “الحصول على تصاريح وضمانات أمنية”، مضيفا: “لدينا طاقم طبي آخر مستعد (…) ونأمل أيضًا في إرسال مساعدات من نيروبي في الأيام المقبلة”.
ودعت القوى الدولية والإقليمية إلى وضع حد للعنف المتصاعد بين القائدين العسكريين، لكنهما رفضا المحادثات المباشرة، وتبادلا الاتهامات عبر وسائل الإعلام.
واجتمع وزير الخارجية السعودي، فيصل بين فرحان، اليوم، مع موفد للفريق أول البرهان، ولكن لا يبدو أي حل دبلوماسي في الأفق، رغم الجهود الدولية والإقليمية.
وأعلنت الأمم المتحدة في بيان، الإبقاء على عدد من موظفيها في السودان، وعلى رأسهم المبعوث الخاص للأمين العام فولكر بيرتيس، فيما وصل 700 من موظفيها وموظفي السفارات والمنظمات غير الحكومية إلى ميناء بورتسودان تمهيدا لاجلائهم.
وأفاد البيان بأنه “تم بالفعل إجلاء 43 من موظفي الأمم المتحدة المُعينين دوليًا و29 من موظفي المنظمات غير الحكومية الدولية من الجنينة (غرب دارفور) وزالنجي (وسط دارفور) إلى تشاد… سيبقى عدد بسيط من الموظفين المُعينين دوليا، من ضمنهم الممثل الخاص للأمين العام فولكر بيرتيس، في السودان وسيواصلون العمل من أجل حل الأزمة الحالية”.
وقالت الأمم المتحدة إن نحو 75 ألف شخص نزحوا داخليًا خلال الأسبوع الأول من القتال، بشكل رئيسي في ولايات: الخرطوم، والشمالية والنيل الأزرق وشمال كردفان وشمال وغرب وجنوب دارفور.
وفرَّ أكثر من 30 ألف شخص إلى تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، التي حذرت من وصول عدد الفارين إلى 270 ألف شخص في حال تواصل القتال.
وكثفت البلدان العربية والأجنبية الجهود لإجلاء موظفيها ورعاياها.
وكانت وزارة الصحة السودانية، قد قالت إن القتال طاول 12 ولاية من أصل 18 في البلاد.
وفي غرب دارفور، قُتل 96 شخصا على الأقل منذ الاثنين في مدينة الجنينة، بحسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الانسان التي وصفت الوضع بأنه “خطير”.
وتتزايد أعمال النهب والتدمير وإضرام الحرائق بما في ذلك داخل مخيمات النازحين، بحسب منظمة “أطباء بلا حدود”، التي اضطرت الى “وقف كل أعمالها تقريبا في غرب دارفور” بسبب العنف، بحسب ما قال نائب مدير المنظمة في السودان، سيلفان بيرون.
وحذّر بيرون في بيان من أن منظمته “قلقة جدا من تأثير أعمال العنف على الذين سبق أن عانوا موجات من العنف”.
وأشارت وزارة الصحة إلى “تسبب الصراع القبلي المسلح في تدمير لمستشفى الجنينة الرئيسي ولوزارة الصحة وإتلاف ما بها من ممتلكات وعربات وأجهزة”.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، القتال في دارفور، بأنه “مروّع”، وقال إن “المجتمع ينهار، ونرى القبائل تحاول الآن تسليح نفسها”.
وشهد إقليم دارفور حربا دامية بدأت في العام 2003 بين نظام الرئيس السابق، عمر البشير، ومتمردين ينتمون إلى أقليات إتنية، ما أسفر عن مقتل 300 ألف شخص ونزوح 2,5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
ولجأ البشير في هذه الحرب إلى تشكيل ميليشيا “الجنجويد” بقيادة دقلو، والتي تطورت لاحقًا إلى قوات الدعم السريع، التي تم إنشاؤها رسميًا في عام 2013.
وكان البرهان ودقلو قد أطاحا معا عام 2021 بشركائهما المدنيين، بعدما تقاسما السلطة معهم منذ سقوط البشير عام 2019.
لكن سرعان ما ظهرت خلافات بينهما وتصاعدت حدتها، ومن أبرز أسبابها شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وأعلن الجيش السوداني في بيان أن دقلو ينقل قوات “من الغرب إلى العاصمة”.
ويقول خبراء من مركز “كارنيغي” لدراسات الشرق الأوسط، إن دقلو يمكن أن “يحشد القبائل العربية في دارفور وفي أقاليم أخرى”، ويضيفون أنه “كلما استطاع الاحتفاظ بمواقعه في الخرطوم مدة أطول، ازدادت قوة موقفه على مائدة المفاوضات”.
المصدر: عرب 48