Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

توصيات لجنة “أنسكوب” وتحويل المسألة إلى لجنة مخصّصة 1947 (32/11)

وقع تقرير لجنة “أنسكوب” على العرب كالصاعقة، وكأنهم اعتقدوا أن هذه اللجنة ستنصف الفلسطينيين في توصياتها خلافًا لما فعلته لجان سابقة، فتوالت التصريحات والخطابات والبيانات المندّدة باللجنة وتقريرها “الهازل الذي لن يرتضيه عربي ولا مسلم في هذا العالم” كما جاء في صحيفة فلسطين الصادرة في الثاني من أيلول / سبتمبر 1947. ومن هذه التصريحات ما قاله وزير خارجية العراق السيد فاضل الجمالي لصحيفة فلسطين، “أن كل حلّ لا يحقق استقلال فلسطين وعروبتها، لن يجد من الدول العربية غير الرفض والمقاومة”، وأن على الدول العربية تفعيل قراراتها السرّية التي اتخذتها في جلسات الجامعة العربية، والتي تقضي بفرض عقوبات اقتصادية على الدول المؤيدة للتقسيم. أما كميل شمعون وزير الداخلية اللبناني، فقد قال لجريدة المقطم “إن على شعوب الجامعة العربية، أن تكون أكثر يقظة واستعدادًا لاستخلاص حقوق عرب فلسطين، التي تحاول اللجنة الانتقاص منها لإرضاء الصهاينة، “وعلى الدول العربية أن تحشد قواها المعنوية لدفع الخطر الذي يوشك أن يقع”. وقال فارس خوري مندوب سورية في الأمم المتحدة أن موقف جامعة الدول العربية من التقرير هو “كلّا”. وصرحت أوساط جامعة الدول العربية “أن التقرير يزيد التوتر في الشرق الأوسط، ويؤدي إلى سفك الدماء”، كذلك صرح عبد الرحمن عزام باشا، الأمين العام لجامعة الدول قائلًا: “إن التقرير كان أبلغ ما عرف حتى الآن من الظلم، ومن شأنه أن يزيد الأمور في فلسطين تعقيدًا”.

وأوضح سمير الرفاعي، وزير خارجية الأردن، موقف العرب في رسالة بعثها إلى “بيفن”، وزير الخارجية البريطاني، وأشار إلى أن وعد بلفور أصبح ملغى وباطلًا بمجرد حل عصبة الأمم، وأن تقرير الأغلبية في اللجنة الخاصة سيدمر استقلال فلسطين كدولة عربية. وهدّد بأن “الشرق الأوسط سوف يشتعل في اضطرابات كارثية واسعة النطاق”، إذا تم تنفيذ تقرير الأغلبية. ولن يقبل العرب التقسيم أبدًا، وسوف يحملون السلاح دفاعًا عن بلادهم”، وتوقع أن تقوم الحكومات العربية بمدّ الفلسطينيين بالمال والسلاح.

أما اللجنة العربية العليا، فقد اجتمعت مساء يوم الأول من أيلول / سبتمبر 1947، وأصدرت بيانًا قالت فيه إنها “كانت على يقين مما بيّتته أكثرية هذه اللجنة من نيّة سيئة لقضية العرب، ومن تماهيها مع الرغبات الصهيونية والمطامع الاستعمارية”، لذلك قامت الهيئة بمقاطعة اللجنة، ومع ذلك “دهشت الهيئة لمبلغ ما تطورت عليه هذه الاقتراحات من فظاعة واعتداء تجاوزا كل الاعتداءات التي وصلت إليها لجان التحقيق السابقة”. ورفضت الهيئة العربية العليا في بيانها الاقتراحين المقدمين من “أنسكوب”، فكلاهما “يخالفان كل أماني العرب ومطالبهم وميثاقهم القومي، كما يخالفان ميثاق الأمم المتحدة وجميع مبادئ الحق والعدل”. وطالبت العرب “بالرفض البات والإنكار المطلق” لمقترحات اللجنة. واعتبرت الهيئة في مؤتمرها الصحفي عقب اجتماعها، بأن اللجنة الخاصة قد حاولت في تقريرها إرضاء “ترومان” لأنها طلبت بهجرة 150 ألف يهودي إلى فلسطين، بدلًا من المائة ألف مهاجر الذي كان يصر عليهم الرئيس الأميركي وأنها أعطت أحسن أقسام فلسطين لليهود، من أجل إقامة دولتهم، ومهدت السبيل لبقاء الاستعمار في فلسطين على شكل الحكم الدولي في القدس.

الموقف الصهيوني من تقرير اللجنة الخاصة

في الجانب الآخر، وهو الجانب الصهيوني، تراوح الموقف من تقرير اللجنة الخاصة، بين الابتهاج والانتقاد، إذ صرحت مديرة القسم السياسي للوكالة الصهيونية، “جولدا موريسون (مئير)”، في مؤتمر صحفي في عقدته في الأول من أيلول / سبتمبر 1947، “أنه يجب تقدير عمل اللجنة الخاصة الجدي من أجل حل المشكلة، وذلك في فترة قصيرة جدًا”، والمهم هنا “أن هذه لجنة دولية أخرى تعترف بحقوقنا، كما فعلت ذلك لجنة بيل قبل عشر سنوات، وكما فعلت الأمر نفسه اللجنة الأنجلو أميركيّة قبل سنة واحدة فقط”. ولكن “اليهود في العالم كله يشعرون بمرارة متناهية اقتراح تقسيم البلاد، حيث إن التقسيم الأول لأرض إسرائيل كان عام 1922″، وتقصد هنا إعلان إمارة شرق الأردن. وقالت أيضًا “أننا يجب أن لا ننسى أن وعد بلفور وصك الانتداب تناولا أرض إسرائيل الكاملة”.

أما “موشي شرتوك” فقال إن هذا “إنجاز كبير، رغم كل العيوب التي يتضمنها تقرير الأغلبية”، وأسماه “آبا إيبان” بأنه “النصر الأول لليهود في ثلاثين سنة مأساوية”. ووضع “بن غوريون” كل قوته من أجل إقناع المعسكر اليهودي بضرورة تبني تقرير اللجنة الخاصة، خوفًا من استغلال بريطانيا لأي احتجاجات يهودية من أجل الإعلان عن رفض توصيات اللجنة من الطرفين، العربي واليهودي على حدّ سواء. ورأى “بن غوريون” أن التقسيم لن يتحقق في الأمم المتحدة بدون “مساعدة نشيطة ومخلصة” من قبل أميركا من أجل الوصول إلى أغلبية ثلثي المصوتين في اجتماع الجمعية العامة المرتقب، لصالح اقتراح أغلبية لجنة “أنسكوب”. لذلك يجب على الحركة الصهيونية أن تضع كل جهودها في إقناع أميركا بتقديم المساعدة من أجل تنفيذ قرار التقسيم.

أما الصحف العبرية، فكانت ردود فعلها أقل حماسًا من القيادات الصهيونية، لأنها أبرزت إخراج القدس والجليل الغربي من الدولة اليهودية.

ونوقش موضوع التقرير في اجتماع اللجنة التنفيذية للوكالة الصهيونية المنعقد في زيوريخ في نفس وقت نشر التقرير على الملأ، وأقر الاجتماع في نهاية المؤتمر الموافقة على توصيات اللجنة الخاصة للأمم المتحدة، بأغلبية 51 مقابل معارضة 16 عضوًا، وجاء في قرار اللجنة التنفيذية أن اللجنة ترى في تقرير لجنة الأمم المتحدة وتوصياتها، جهد جدي من أجل الوصول إلى حل عملي للنزاع في فلسطين، “وتنظر اللجنة التنفيذية بعين الرضى إلى توصية أغلبية اللجنة الخاصة بإقامة الدولة اليهودية بسرعة”. مع هذا رأت اللجنة التنفيذية “أن المساحة المخصصة للدولة اليهودية هي قسم صغير من الوعود التي أعطيت للشعب اليهودي بموجب حقوقه التاريخية”. كذلك رأت اللجنة التنفيذية “أنه يجب فحص بعض نقاط تقرير اللجنة الخاصة فحصًا حذرًا وأساسيًا”، وأن “الشعب اليهودي سيتخذ موقفًا نهائيًا بعد قرار الأمم المتحدة بشأن مشكلة أرض إسرائيل” كما جاء في البيان.

مواقف الصحف البريطانية والأميركية من توصيات “أنسكوب”

كان تقرير اللجنة الخاصة بمثابة فشل ذريع للسياسة البريطانية في فلسطين، مما أدّى إلى خيبة أمل كبيرة لدى أعضاء الحكومة البريطانية، فالتقرير يبدّد أحلام من كان يعتقد أن الأمم المتحدة ستمدّد لبريطانيا، أو تجدد انتدابها لفلسطين، ولا يدخل البهجة إلى قلب من أراد أن تترك بريطانيا فلسطين، لأن عليها أن تبقى من أجل تنفيذ توصيات لجنة “أنسكوب”. مع هذا تريّثت الحكومة في نشر موقفها الصريح من التقرير، حتى تصلها تصريحات الطرفين العربي والصهيوني من توصيات اللجنة الخاصة.

بعد أكثر من أسبوعين أرسل “بيفن” وزير الخارجية البريطاني، مذكرة لمجلس الوزراء بتاريخ 18 أيلول / سبتمبر 1947، جاء فيها أن برنامج أغلبية لجنة “أنسكوب” هو “غير عادل للجانب العربي، ولا يمكن أن يتوافق مع ضمائرنا، وتنفيذ هذه الخطة ستؤدي إلى انتفاضة فلسطينية، مدعومة عربيًا وإسلاميًا”، وأعتقد “بيفن” أنه حتى لو أجريت تعديلات على برنامج التقسيم وترسيم الحدود من أجل جعل الاقتراح أكثر عدلًا، فإن ذلك لن يجعل التقسيم عمليًا، لأن العرب سينتفضون، وسيؤدي ذلك إلى استمرار الإرهاب اليهودي. أما بالنسبة لاقتراح أقلية اللجنة، أي الدولة الفدرالية فرأى أنه غير قابل للتطبيق؛ لأنه يعتمد بالأساس على تعاون اليهود والعرب فيما بينهم. في النهاية وصل “بيفن” إلى الاستنتاج بأنه يجب على بريطانيا أن تترك فلسطين، حتى لا تتورط في إجبار أيٍّ من الطرفين على الحلّ القادم، ولو “كان انسحابنا مصحوباً بفترة يتم فيها سفك دماء بين الطرفين”، ولذلك على بريطانيا أن تعلن للأمم المتحدة، في حالة تعذر الوصول إلى حلّ مناسب إلى أنها ستنسحب من فلسطين في تاريخ تحدده بريطانيا نفسها.

أما الصحف البريطانية، فقد أجمعت على وجوب التخلي عن فلسطين، بسبب الاضطرابات التي تسودها، حيث كتبت “التايمز” أن من الواجب إنهاء الانتداب وإعلان استقلال فلسطين بأسرع وقت ممكن. وأشارت الصحيفة بأن الحلّين المطروحين من قبل اللجنة الخاصة، هما حلّان وسطان، وان بريطانيا لن تستمر بتقديم التضحيات، إذا لم تكن المسؤولية موزعة بين عدّة دول. وكتبت “الديلي غراف” أن التقرير من الممكن أن يضع الأساس لرأي عالمي نزيه، ولكن الرأي العام البريطاني لم يرحب بهذا الرأي لأنه لا يوافق على استمرار “التضحيات” البريطانية خلال الفترة الانتقالية. وادعت الصحيفة بأن بريطانيا لن تتهرب من تحمل عبء مشترك مع دول أخرى.

وقالت صحيفة “المانشستر غارديان” إن الحكومة البريطانية تكون عاقلة إذا وافقت على إنهاء الانتداب بأسرع ما يمكن، فهذا يعتبر زوالاً للكابوس، ولكن على بريطانيا أن توافق على إدارة شؤون فلسطين خلال الفترة الانتقالية دون الدخول في حرب مع أي واحد من الطرفين، العربي واليهودي. أما صحيفة “نيوز كرونيكل” فقالت إن مصلحة بريطانيا تكمن في إنهاء سلطة بريطانيا في فلسطين بأسرع ما يمكن، والعمل مع الأمم المتحدة في أي مشروع قد يسفر عن إيجاد تسوية سريعة ودائمة. كذلك صحيفة “سكوتسمان” التي أشارت إلى أن تنفيذ التقرير هو شأن الأمم المتحدة، ولكن يمكن لبريطانيا أن تساعد في الفترة الانتقالية، ولكن على الأمم المتحدة تحمل مسؤولية هذا العمل ونتائجه.

في الولايات المتحدة، كان تقرير اللجنة الخاصة هو الخبر الرئيسي في الصحف الأميركيّة، وكانت أغلب افتتاحيات الصحف في الأول من أيلول / سبتمبر 1947 مؤيدة للتقرير، حيث أعلنت صحيفة “أتلانتا كونستيتيوشن” إن التقرير هو بيان لا يمكن للصهاينة أو غيرهم أن يجادلوا فيه. أما صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” فقالت “إن تقرير الأغلبية الذي يتحدث عن التقسيم السياسي والوحدة الاقتصادية، يوفر أفضل أساس للتسوية التي نتطلع إليها”. ووصفته صحيفة “واشنطن صن” بأنه “حل عادل وعملي”. وأشارت صحيفة “سانت لويس ديسباتش” إلى أن الوقت قد حان من أجل أن تصدر الحكومة الأميركيّة بيانًا واضحاً حول آرائها بشأن التقرير. وأفادت صحيفة “نيويورك بوست” أن ترومان يجب أن يصرّ على أن ممثلي أميركا يجب أن يكونوا المسؤولين عن تنفيذ حل الدوليتين. أما “نيويورك تايمز” فرأت أن تقرير لجنة الأمم المتحدة يمنح قضية الوطن اليهودي ميزة كبيرة.

كان من الواضح أن الرأي العام الأميركيّ كان يؤيد التقسيم، وأن المجتمع بأكمله “من الساحل إلى الساحل كان مشتعلًا بالحماسة، وكان قلبه ينبض مع قلب الصهاينة”، كما وصف ذلك أحد الصهاينة الأميركيّين.

المنطلقات في تقرير لجنة “أنسكوب”

تضمن تقرير لجنة “أنسكوب” مقدمة مسهبة عن الوضع الديموغرافي والاقتصادي لفلسطين، وعن تطور المسألة الفلسطينية منذ وعد بلفور حتى نهاية عمل اللجنة الخاصة نفسها. حاول الأعضاء طرح الأمور بموضوعية، من حيث المطالب اليهودية من جهة، والمطالب العربية من جهة أخرى، وأساس الصراع بين الطرفين على الأرض. ويمكن تلخيص هذه المقدمة الطويلة بأنها اعتمدت على وعد بلفور عام 1917 وصك الانتداب البريطاني عام 1922، والذي جاء ليفسر معنى “الوطن القومي اليهودي” والذي وعدت فيه بريطانيا الوكالة الصهيونية. ومن أجل شرعنة الادعاء الصهيوني بأن وعد بلفور عندما أشار إلى الوطن القومي، فإنه عنى اليهود في جميع أنحاء العالم، جاء في التقرير أن عدد اليهود في فلسطين عند صدور الوعد كان 84 ألفًا فقط، ولا يمكن أن يكون الوعد بالوطن القومي في فلسطين قد أعطي لهذه الشريحة فقط من اليهود، بل إن حكومة جلالته كانت تقصد الشعب اليهودي في كل أقطاب المعمورة. كذلك رأت اللجنة أن حكومة بريطانيا “لم يكن بوسعها أن تتعهد بإنشاء الدولة اليهودية، بل كان بوسعها أن تتعهد بتسهيل نمو الوطن اليهودي، وهذا يعتمد بالأساس على حماسة اليهود ومشاريعهم”.

من جهة أخرى قالت اللجنة في تقريرها أن إنشاء الوطن اليهودي لم يكن يعني إقامتها على كامل فلسطين، كما تفسر ذلك الحركة الصهيونية، بل إن اللجنة فسرّت الالتزام الانتدابي البريطاني في فلسطين بأن له نفس الوزن اتجاه العرب واليهود. كذلك أشارت اللجنة إلى أن المشروع اليهودي قد أصبح حقيقة واقعة، لأن زيادة أعداد اليهود الفائقة بسبب الهجرة، جعل وزنهم كبيرًا بالنسبة إلى العدد الكلّي من السكان، إذ إنهم أصبحوا يشكون ثلث عدد قاطني البلاد، حيث إن عددهم أصبح 600 ألف من أصل 1،800 ألف من سكان فلسطين. كذلك وصف التقرير المجتمع اليهودي بأنه “يشكل مجتمعًا منظمًا ومتماسكًا إلى حد كبير، ونجح في خلق حياة وطنية متميزة إلى الحد الذي جعله يستحق لقب دولة داخل دولة”.

أما بالنسبة للعرب، فقد ادعت اللجنة أنهم، أي العرب “قد استفادوا من الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بل إن هذه قد ساهمت في تحسن ظروف المجتمع العربي بشكل ملموس”. ولكن “أولئك الذين يديرون الحياة السياسية العربية”، كما أسمتهم اللجنة، لا يهتمون للفائدة التي جناها المجتمع العربي من الهجرة اليهودية، بل إنهم يرون أن “دولة عربية مستقلة، يمنع اليهود من الهجرة إليها، هي الوحيدة التي توفر أي ضمان مقبول لحقوق ومكانة العرب”.

كذلك أشارت اللجنة في تقريرها إلى أن العرب يشكلون ثلثي السكان في فلسطين، وما زالوا يملكون 85٪؜ من الأراضي، وأنهم، أي العرب، يعتبرون أنفسهم أصحاب حق تاريخي في أرض فلسطين، وأن زيادة الهجرة اليهودية تشكل خطرًا على الوجود العربي الوطني وحقه في تقرير مصيره كما تنص المواثيق الدولية. بالإضافة إلى ذلك تحدث اللجنة عن الوعود البريطانية للعرب بالاستقلال، مثل مراسلات مكماهون والأمير حسين، ورسالة “هوجارث” وتأكيدات الجنرال اللنبي للأمير فيصل وغيرها، مع التأكيد أنها تتناقض مع وعد بلفور وصكّ الانتداب، لكن اللجنة ادعت أن رسالة “هوجارث” مثلًا سلمت للأمير حسين بعد شهرين من صدور وعد بلفور، ولذلك فإن وعد بلفور هو الغالب.

وتطرقت اللجنة إلى كل المقترحات لحل المسألة الفلسطينية عن طريق اللجان العديدة التي جاءت إلى فلسطين من أجل بحث المشكلة بين العرب واليهود، خاصة لجنة بيل واللجنة الأنجلو أميركيّة وغيرهما. ولخصت اللجنة أن كافة المقترحات تتمحور حول ثلاثة حلول: تقسيم إلى دولتين، أو دولة واحدة بأغلبية عربية، أو إقامة دولة واحدة فيدرالية أو ثنائية القومية، بحيث تحصل الأقلية على حماية تمنع الأغلبية من التحكم فيها. أما لجنة “أنسكوب” وبالنظر إلى المنطلقات المذكورة أعلاه، ومطالب طرفي الصراع، والحالة الآنية، والإمكانات المتوفرة ترى أن تقدم التوصيات التالية من أجل حل الصراع.

توصيات بإجماع أعضاء لجنة “أنسكوب”

في اجتماع اللجنة السابع والأربعين المنعقد في 27 آب / أغسطس عام 1947، أسقطت اللجنة من اعتباراتها إقامة دولة واحدة في فلسطين، عربية كانت أو يهودية، ووازت اللجنة بين الطرفين عندما أجمعت على أن العرب هم السكان الأصليون، وأن اليهود مرتبطون بالبلاد تاريخيًا، ولأنها لا تستطيع تنفيذ طموحات أي من الطرفين، قررت اللجنة تركيز مقترحاتها نحو الدولة الثنائية القومية والكانتونات، ولكنها تراجعت عن ذلك بسبب “عدم وجود التكافؤ العددي أو السياسي بين الطرفين”، ولذلك أيّد أغلبية أعضاء اللجنة خطة التقسيم إلى دولتين مع وحدة اقتصادية، وأما الأقلية فرأت أن حلّ الدولة الفدرالية هو الحلّ الأكثر عدلًا بالنسبة للعرب خصوصًا. وسنأتي لاحقًا على تفصيل هذين الاقتراحين.

مع ذلك رأت اللجنة في اجتماعها التاسع والأربعين أن هناك 11 نقطة يتفق عليها جميع الأعضاء، وهي: 1. إنهاء الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن، لأن التزامات الدولة المنتدبة لم تعد قابلة للتطبيق. 2. يتم منح الاستقلال في فلسطين في أقرب وقت ممكن عمليًا، رغم الانقسام الحادّ بين الطرفين. 3. وجود فترة انتقالية، بحيث تكون “قصيرة قدر الإمكان ومتوافقة مع تحقيق الاستعدادات والظروف الأساسية للاستقلال”. 4. أن تكون الفترة الانتقالية بمسؤولية الأمم المتحدة، التي عليها إدارة فلسطين وإعدادها للاستقلال. 5. الحفاظ على الطابع المقدس للأماكن المقدسة لجميع الأديان في فلسطين، ” ووضع نظام مناسب لتسوية النزاعات المتعلقة بالحقوق الدينية”. 6. تخفيف محنة اليهود النازحين في أوروبا وعددهم 250 ألفًا، وذلك بإلغاء القيود على الهجرة إلى فلسطين. 7. أن يكون طابع النظام في فلسطين المستقبلية ديموقراطيًا تمثيليًا مع المحافظة على حقوق الأقليات. 8. جعل العلاقات السلمية بين اليهود والعرب شرطًا مسبقًا للاستقلال، وحلّ النزاعات على أساس مبادئ ميثاق الأمم المتحدة. 9. المحافظة على الوحدة الاقتصادية لفلسطين، من أجل تطوير البلاد وشعبها. 10. تنازل الدول صاحبة الامتيازات في فلسطين عن امتيازاتها السابقة، والتي حصلت عليها خلال الفترة العثمانية. 11. بذل كل الجهود من الطرفين، العربي واليهودي من أجل وضع حدّ للعنف، “وابتكار وتنفيذ وسيلة عادلة وقابلة للتطبيق لتسوية الوضع الصعب السائد في البلاد”.

الحلول المقترحة لحلّ المسألة الفلسطينية

في الاجتماع السابع والأربعين للجنة المنعقد في 27 آب / أغسطس 1947، تم فصل أعضاء اللجنة إلى لجنتين، لجنة الأغلبية والتي ضمت سبعة أعضاء من الدول التالية: كندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا وهولندا والبيرو والسويد والأورغواي، وبحثت هذه اللجنة موضوع اقتراح التقسيم. أما مندوبو إيران ويوغوسلافيا والهند، فقد صوتوا لصالح الدولة الفدرالية، ولذلك شكلوا لجنة أخرى لبحث اقتراحهم وتقديمه أيضًا للأمم المتحدة، فيما امتنع المندوب الأسترالي عن التصويت.

كانت توصيات الأغلبية ترمي إلى تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقسام، دولة عربية يقطنها 735 ألفاً، منهم 10 آلاف يهودي فقط، بينما يسكن في الدولة اليهودية 905 آلاف، منهم 407 آلاف عربي، أي ما يعادل 45٪؜ من السكان. أما القسم الثالث فهو مدينة القدس، والتي يسكنها 205 آلاف، منهم 105 آلاف من العرب، مقابل 100 ألف يهودي.

تشمل الدولة العربية منطقة الجليل الغربي، ومنطقة ما يسمى اليوم الضفة الغربية باستثناء مدينة القدس، والسهل الساحلي من أسدود إلى الحدود المصرية، ما يعادل 38٪؜ فقط من مساحة فلسطين. وتشمل الدولة اليهودية الجليل الشرقي، ومرج ابن عامر، ومعظم السهل الساحلي، والنقب بأكمله مع مدينة بئر السبع، ما يعني أن 62٪؜ من أرض فلسطين تكون ضمن الدولة اليهودية. وتنقسم الدولة العربية إلى ثلاثة أقسام وكذلك الدولة اليهودية، وتلتقيان معًا في نقاط تقاطع لضمان التواصل الجغرافي لكل دولة منهما. القسم الثالث يضم مدينة القدس والمناطق المقدسة فيها، حيث تكون تحت الوصاية الدولية.

وتشمل التوصية فترة انتقالية لمدة سنتين، يتم في نهايتها إعطاء الاستقلال للدولتين، على أن يكون بينهما اتحاد اقتصادي بحيث يكون هناك ضرائب جمركية موحدة، وعملة مشتركة، ومشاركة في السكك الحديدية والطرق السريعة بين الولايات أو الدول، وخدمات بريدية وهاتفية مشتركة، وكذلك الاشتراك في إدارة وتشغيل ميناءي حيفا ويافا. كذلك العمل على تنمية اقتصادية مشتركة في مسائل الريّ واستصلاح الأراضي والمحافظة على التربة. وتشكيل مجلس اقتصادي مشترك بين الدولتين والأمم المتحدة بنسب متساوية.

وتناولت خطة الأغلبية أمر العرب في الدولة اليهودية، حيث يشكلون أقلية كبيرة جدًا (تعادل 45٪؜ من السكان)، وأشارت اللجنة في تقريرها أن هذا الأمر هو نقطة الضعف في الخطة، “ولكن وجود مثل هذه الأقلية أمر لا مفر منه في أي خطة قابلة للتنفيذ، لا تضع فلسطين بأكملها تحت سيطرة الأغلبية الحالية من العرب”. وافترضت الخطة أن المستقبل سيشهد “تطور مزيج من الحضارتين، أي الحضارة الغربية التي يحملها اليهود مع الحضارة العربية المختلفة عنها”، وفي نفس الوقت تساءلت اللجنة “إذا كانت هذه تكهنات عبثية أو لا، ولا بد أن ننتظر المستقبل، لنرى أن تحققت هذه النبوءة”. أما إذا لم تتحقق هذه التكهنات، فإن ذلك لن يكون حتمًا بسبب عيوب في آلية الخطة المقترحة، كما جاء في التقرير.

أما خطة الأقلية المكونة من ثلاثة أعضاء فقط، فقد طرحت حلّ الدولة الفدرالية، والذي يتحدث عن إقامة دولة فلسطين المستقلة الفدرالية بعد ثلاث سنوات من الفترة الانتقالية، وتتكون الدولة الفدرالية من دولة عربية ودولة يهودية، تتمتع كلّ منهما بكامل سلطات الحكم الذاتي. خلال الفترة الانتقالية ينتخب سكان فلسطين جمعية تأسيسية تتولى صياغة دستور دولة فلسطين الاتحادية المستقلة، على أن يتضمن هذا الدستور شكل الحكومتين العربية واليهودية واللتين تشكلان الهيكل الحكومي لدولة فلسطين. ويكون الحكم رئاسيًا حيث ينتخب رئيس دولة فلسطين المستقلة بأغلبية أعضاء مجلسي الحكومة، وإذا حدث أي خلاف بين المجلسين يكون عليهما عرض الخلاف على لجنة تحكيمية، يتم تعيينها من قبل المحكمة.

رأت الأقلية أنّه يجب على الأمم المتحدة أن تنفذ ترتيبًا دوليًا “يتم بموجبه قبول مشكلة اليهود الأوروبيين النازحين”، بحيث يهاجر قسم كبير منهم إلى فلسطين، ويتم توطينهم داخل حدود الدولة اليهودية.

لجنة مخصصة (Ad-Hoc committee on Palestinian question) لبحث توصيات لجنة “أنسكوب”

ابتدأت دورة الأمم المتحدة في 16 أيلول / سبتمبر 1947، في ظل الرفض العربي القاطع لتقرير لجنة “أنسكوب”، وحتى إن اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية التي اجتمعت في بيروت على إثر نشر توصيات اللجنة الخاصة، صرحت أن هناك تفكيرًا بفرض عقوبات على بريطانيا والولايات المتحدة. بينما كان الجانب الصهيوني شديد القلق؛ بسبب وجود فرصة ضئيلة للوصول إلى خطة تقسيم لائقة ومقبولة. أمّا بريطانيا فكانت تعلن بشكل واضح أنها لن تتورط أكثر في مستنقع الصراع بين العرب واليهود في فلسطين، وكانت على وشك إعلان انتهاء حقبة الانتداب إلى غير رجعة، تاركةً زمام الأمور للأمم المتحدة، مهما كلف ذلك من ثمن.

كان هناك من اقترح أن تتحول المسألة الفلسطينية إلى اللجنة السياسية للأمم المتحدة، ولكن الأمين العام “لي” كان يفضل أن تحال القضية إلى لجنة مخصصة، تتكون من عضوية كافة الدول الممثلة في الأمم المتحدة، وعددها سبع وخمسون دولة، بدون استثناء، على أن تدرس اللجنة المخصصة المعنية بفلسطين تقريري لجنة “أنسكوب”، وتقدم التوصيات النهائية للجمعية العامة. كانت تركيبة اللجنة تعني أن قرارها سيكون نافذًا، بل كان من الصعوبة بمكان أن تتخذ الجمعية العامة قرارًا يتناقض مع قرار هذه اللجنة، كونها تضم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ورغم المعارضة العربية الشديدة لتشكيل اللجنة، فاز اقتراح الأمين العام بأغلبية 29 دولة مقابل 11 صوتًا معارضًا، وامتناع 16 دولة عن التصويت. وكان هذا في 23 أيلول / سبتمبر 1947.

اجتمعت اللجنة المخصصة للمرة الأولى بعد تشكيلها بيومين، وكان قرارها الأول هو انتخاب رئيس لهذه اللجنة الهامة، وحصل على هذا المنصب “هيربرت فير ايفات” رئيس الوزراء الأسترالي، وقد تم التصويت له بالإجماع، رغم أنه من إحدى دول الكومنولث، ونجح تنصيبه بسبب إن الأميركيين بذلوا كل ما في وسعهم من أجل انتخابه بدون مشاكل، وذلك لأنهم شعروا ببعض الالتزام نحوه، بسبب خسارته في الترشيح قبلها لرئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة مقابل مرشح البرازيل “اوزوالدو أرانا”، الذي حظي بدعم الولايات المتحدة وكتلة دول أميركا اللاتينية، والتي كانت تشكل ثلث المجلس العام. ولما التزم “إيڤات” للكتلة اللاتينية بعدم منافسة مرشح الأرجنتين في الدورة المقبلة، قررت هذه الدول دعمه بشكل كامل لرئاسة اللجنة المخصصة.

كان “إيڤات” مؤيدًا كبيرًا للصهيونية، ومتحمسًا لخطة الأغلبية في لجنة “أنسكوب”، بل كان على الأرجح أوروبيًا كلاسيكيًا يحمل في داخله أفكار “الرجل الأبيض” ومنهجه. من ناحية أخرى كان من أكثر المندوبين قدرة وخبرة لدى الأمم المتحدة، وكان معروفًا على انه رئيس صارم، وسيؤدي مهمة إدارة اللجنة بنجاح.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *