ثمن حقيبة زوجة السنوار…
بعدما شعر الإعلام الإسرائيليّ بأنّه أخطأ في بثّ آخر لحظات في حياة يحيى السنوار، فظهر كمخلوق أسطوريّ يحارب طائرة الدورون بعصاه، ثمّ يقاتل حتّى قطرة دمه الأخيرة، استدرك الإعلام الإسرائيليّ نفسه، وراح يحاول استعادة الصورة الّتي رسمها سابقًا للسنوار، على أنّه أنانيّ وجبان، ترك شعبه يحترق ويتمزّق تحت قنابل الأطنان، بينما هو يعيش في نعيم داخل الأنفاق، يحيط نفسه بعشرات من الأسرى والرهائن كدروع بشريّة، ولكنّ ما شاهده العالم والإسرائيليّون والعرب والفلسطينيّون، لم يكن كذلك، ولا يقترب من الحقيقة، وبعدما أدركوا أنّ نهايته ستكون أمثولة في تاريخ الفلسطينيّين مثل نهاية عزّ الدين القسّام عام 1936، والشاعر عبد الرحيم محمود ونوح إبراهيم وغيرهم ما لا يحصى من أعداد، أشغلوا أنفسهم ومتابعيهم بالحديث عن حقيبة يد زوجة السنوار وثمنها، وغيرها من خزعبلات إعلاميّة مفضوحة، واستنتجوا أنّ ثمنها ثلاثون ألف دولار، بينما يموت الناس من الجوع.
يظهر الكذب بسرعة، فالتقارير تقول إنّ السنوار رفض عرضًا من دول عربيّة وسيطة، تضمن له الخروج بسلام من قطاع غزّة وفتح الطريق لمن هم بعده لإجراء مفاوضات تبادل الأسرى، بمعنى أنّه يخرج من الصورة، ويوافق خلفه على شروط إسرائيل بإلقاء السلاح وإعلان الاستسلام، ولكنّه اختار رفض الشروط، وبقي في المواجهة، حيث استشهد.
هذا يقود إلى الدولة الوسيطة الّتي عرضت عليه تأمين خروجه مع أسرته! لا توجد دولة تستطيع أن تخرج السنوار أو غيره من قادة المقاومة من قطاع غزّة سوى مصر.
رئيس مخابرات مصر هو الّذي يدير المفاوضات، ويبدو أنّ السنوار رفض ضغوط المخابرات المصريّة للموافقة على شروط نتنياهو، لأنّ وظيفة الوسيط المصريّ نقل اقتراحات الطرفين، ومخابرات مصر تعرف أنّ نتنياهو لن يقبل بأقلّ من تفكيك حماس، ومن منطلق القوّة المطلقة، ولهذا فالتفاوض لا يعني سوى المزيد من الضغط على المقاومة الّتي قادها السنوار ومثلها في المفاوضات.
لا نستطيع أن نعرف ما الّذي حدث بعد هذا، وكيف وصل السنوار إلى المكان الّذي وجد فيه، وهل كان الأمر مصادفة بالفعل كما أعلن جيش الاحتلال! وهل بالصدفة تمّت إقالة عبّاس كامل رئيس المخابرات المصريّة وتعيين آخر مكانه في نفس يوم اغتيال السنوار الّذي أعلن عنه بعد يوم من اغتياله!
لا توجد مصادفات عندما يتعلّق الأمر بقيادات بحجم السنوار ورفاقه من القيادة الميدانيّة، لقد حدثت أمور لا نعرفها وتحتاج إلى عقود للكشف عنها.
المهمّ أنّه بعد استشهاد السنوار، تفاءلت أوساط إسرائيليّة وخصوصًا من أهالي الرهائن، ومن الإدارة الأميركيّة وبعض الدول الأوروبّيّة المؤيّدة والداعمة لإسرائيل، بأنّ التخلّص من السنوار يمثّل انعطافة تاريخيّة، ويمكن أن يكون نقطة تحوّل داماتيكيّة لإبرام صفقة وقف لإطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن!
يقصد جميع هؤلاء بأنّ الفرصة باتت سانحة أكثر لفرض شروط نتنياهو بعد رحيل القائد المتشدّد يحيى السنوار.
ما يتجاهله هؤلاء المتفائلون، هو أنّ هدف حكومة الاحتلال الحقيقيّ ليس إطلاق سراح الرهائن فقط، ولا حتّى القضاء على حركة حماس كحركة مسلّحة، وعلى حلفائها فقط، بل إنّ الهدف الأكبر هو تنفيذ خطّة الجنرالات وترحيل مئات آلاف الفلسطينيّين من قطاع غزّة، وكمرحلة أولى ترحيل مئات الآلاف من شمال القطاع إلى الجنوب، لتهيئة واقع استحالة الحياة في القطاع من ثمّ الرحيل الاضطراريّ أو الموت، بما يتّفق مع رؤية الشرق الأوسط الجديد، الّذي يتحدّث عنه، وينفّذه نتنياهو بحذافيره.
ما يجري في شمال قطاع غزّة ليس حربًا ضدّ حماس فقط، بل هي حرب على الشعب الفلسطينيّ، ولهذا يصرّ نتنياهو على إفشال أيّ صفقة محتملة، بهدف إطالة أمد الحرب حتّى لو استمرّت عامين آخرين في وضعها الحاليّ، ففي حوزته القوّة التدميريّة الهائلة الّتي يريد تحقيق هدفه النهائيّ من خلالها، وسوف تكون الفرصة أكبر لتحقيقها في حال فوز ترامب في رئاسة الولايات المتّحدة.
خطّة الجنرالات تعني وضع سكّان شمال القطاع أمام خيّارين، الرحيل أو الإبادة، وهو ما نراه من خلال ما يسمّى الأحزمة النار ونسف المربّعات السكنيّة ومراكز الإيواء والمستشفيات بصورة منهجيّة.
هذا أحد أسباب تأجيل نتنياهو ضرب إيران، فهو يدرك أنّ الضربة الكبيرة، سوف تتحوّل إلى حرب شاملة، وهو لا يريد خوض الحرب على جبهات عدّة في دفعة واحدة، بل القضاء على المقاومة في قطاع غزّة أوّلًا، ثمّ القضاء على حزب اللّه اللبنانيّ، وبعدها التفرّغ لإيران، ولهذا يعمل على إزالة عقبة حزب اللّه أو إضعافها إلى الحدّ الأقصى قبل المواجهة المصيريّة والكبرى مع إيران، والّتي يحلم بها مكلّلة بسحق قوّة إيران وتأثيرها، ومن ثمّ البدء بشرق أوسط جديد كما يحلم به، ويشاركه في حلمه هذا كثيرون من العرب وأبواقهم الإعلاميّة مثل “إم بي سي” و”الحدث” و”العربيّة” وغيرها ممّن اصطفّوا إلى جانب إعلام يتجاهل، بل ويبرّر إبادة شعب، ويشغل عمدًا في ثمن حقيبة يد زوجة السنوار لأسباب باتت واضحة.
المصدر: عرب 48