جنون الأسعار والحصار يخنقان غزة ويفتكان بالشمال
الخبير الاقتصادي الفلسطيني محمد أبو جياب، يعزو السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة والحصار المطبق على قطاع غزة، والذي تسبب بنقص حاد في توفر المواد الأساسية وتضخم أسعارها بشكل قياسي.
مع مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وتزامنا مع تشديد الحصار المفروض للعام 18 على التوالي، شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعا قياسيا، مسجلة أرقاما غير مسبوقة مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.
هذا الارتفاع يفاقم من المعاناة الإنسانية والمعيشية لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، والذين حولتهم الحرب إلى “فقراء” بحسب بيانات سابقة صدرت عن البنك الدولي.
ومنذ اندلاع الحرب يغلق الاحتلال المعابر مع قطاع غزة وتمنع دخول البضائع والسلع الأساسية كما تفرض قيودا على دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية وتمنع في بعض الأحيان وصولها للقطاع مسببة بذلك أزمة معيشية كبيرة.
وفي 17 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن المستوى الكارثي للجوع وخطر المجاعة في غزة، “أمر لا يمكن قبوله”، مرجعا ذلك إلى القيود الإسرائيلية المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية، وارتفاع مستويات النزوح داخل القطاع.
وتابع في منشور بحسابه على منصبة “إكس”: “المستوى الكارثي للجوع، وخطر المجاعة في غزة سببها القيود (الإسرائيلية) المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية، وارتفاع الأسعار ومستويات النزوح لا يمكن قبولها”.
وشدد غوتيريش، على ضرورة فتح البوابات الحدودية بشكل عاجل وإزالة العقبات البيروقراطية وضمان النظام العام.
السلع الرئيسية
قفز سعر كيلو البطاطا إلى نحو 40 دولارًا أميركيًا للكيلوغرام في شمال قطاع غزة، و10 دولارات في وسط القطاع وجنوبه، بعد أن كان أقل من دولار واحد فقط قبل الحرب.
بينما وصل سعر الكيلوغرام من الثوم إلى 185 دولار شمال القطاع، و18.5 دولار في الوسط والجنوب، مقارنة بسعره السابق الذي لم يتجاوز 3.2 دولار في السابق، مما يجعله من أعلى أسعار الثوم عالميًا، وفقا للأرقام الحالية في قطاع غزة.
إلى جانب ذلك، ارتفعت أسعار الفلفل الأخضر لتصل إلى 85 دولارًا للكيلو الواحد في محافظة الشمال و10 دولارات جنوبًا ووسطًا بعد أن كانت دولاران فقط، بينما وصل سعر كيلو الليمون إلى 13 دولار في الشمال و9.23 في الجنوب والوسط بعد أن كان أقل من دولار واحد فقط.
أما سعر البيض، وهو من السلع الأساسية لغذاء العائلات، فقد بلغ أرقامًا صادمة، حيث وصل سعر طبق البيض (يحتوي 30 بيضة) إلى 95 دولارًا في الشمال ونحو 50 دولارًا في الجنوب والوسط، مقارنة بسعره السابق 4 دولارات فقط، وهو مستوى مرتفع جدًا بالمقاييس الدولية، وفق تقييم اقتصاديين.
وأدى الإغلاق شبه الكامل للمعابر إلى نقص حاد في العديد من المواد الغذائية الأساسية مثل الدجاج واللحوم الحمراء، حيث أصبحت غير متوفرة في شمال القطاع ، بينما تبلغ أسعارها في وسط وجنوب القطاع حال توفرت 20 دولارا لكيلو غرام من اللحوم الحمراء و10 دولارات للدواجن، مما يحرم المواطنين من شرائها.
وبالمثل، ارتفعت أسعار المواد الأساسية الأخرى كالأرز والسكر، إذ بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من السكر 29 دولارًا، بينما وصل سعر زيت الطهي إلى 20 دولارًا للتر الواحد في شمال غزة.
ما سعر الطحين، فقد سجل 6.61 دولار للكيس الواحد بوزن 25 كيلوغراما في المناطق الشمالية، في حين وصل إلى 18.52 دولار في جنوب القطاع.
يسمح جيش الاحتلال فقط بوصول دقيق القمح بكميات مناسبة إلى مناطق شمالي القطاع، فيما يمنع دخول بقية الأصناف من المواد الغذائية وهو ما يجعل سعره منخفض.
ولكنه منذ أكثر من 3 أسابيع يمنع وصول أي كميات من الدقيق إلى المناطق التي ينفذ فيها عملية إبادة جماعية بمحافظة الشمال وتحديدا بلدة ومخيم جباليا وبلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، وفق بيانات رسمية فلسطينية وأممية.
كما شمل ارتفاع الأسعار الوقود ومستلزمات الطهي، حيث قفز سعر لتر البنزين جنوب القطاع من 1.7 دولار إلى نحو 40 دولارًا، فيما وصل سعر لتر السولار إلى 18.5 دولار.
أما سعر كيلو غاز الطهي، فقد بلغ 13.5 دولارًا في جنوب القطاع، بينما لا يتوفر في غزة مما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للفلسطينيين الذين يعتمدون على الحطب والأخشاب في طهي الطعام.
تضخم قياسي
الخبير الاقتصادي الفلسطيني محمد أبو جياب، يعزو السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى استمرار الحرب الإسرائيلية المدمرة والحصار المطبق على قطاع غزة، والذي تسبب بنقص حاد في توفر المواد الأساسية وتضخم أسعارها بشكل قياسي.
ويقول أبو جياب: “إن ما نشهده من ارتفاعات جنونية في الأسعار هو نتيجة مباشرة للحصار المطبق والتحكم الإسرائيلي في معبر رفح، ومنع دخول السلع الأساسية والبضائع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع “.
ويبين أن القيود الإسرائيلية الصارمة على حركة السلع والتجارة ساهمت في تراجع الإمدادات بشكل كبير، بينما “يحتاج أكثر من مليون مواطن في مخيمات النزوح إلى السلع الأساسية، ما زاد من الطلب على السلع المتوفرة بشكل محدود”.
ويوضح أن معاناة السكان تتزايد بسبب الارتفاع المستمر في معدلات غلاء المعيشة التي وصلت إلى 283 بالمئة، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، مما أدى إلى أزمة معيشية خانقة، في ظل انتشار البطالة وعدم توفر دخل منتظم للأسر الفلسطينية.
ويؤكد أبو جياب أن الوضع الاقتصادي اليوم يختلف جذريًا عما كان عليه قبل الحرب، حيث كانت السيولة النقدية مقبولة وكانت التدفقات النقدية تسمح للمواطنين بتلبية احتياجاتهم اليومية.
ويضيف: “أما الآن، فأزمة السيولة أصبحت معقدة، وأدت إلى عجز المواطنين عن شراء الأساسيات في ظل غياب النقد المتداول وتعطل النشاط الاقتصادي”.
ووجهت منظمات إنسانية عدة نداءات إلى المجتمع الدولي للضغط من أجل فتح المعابر والسماح بدخول المواد الغذائية الأساسية والمستلزمات الطبية والوقود، محذرة من أن الوضع الغذائي والصحي في قطاع غزة ينذر بكارثة إنسانية إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.
ومنذ منتصف 2006، يفرض جيش الاحتلال حصارا على قطاع غزة شدده مع بداية الحرب حيث أغلق كافة المعابر ومنع دخول إمدادات المياه والطعام والأدوية، باستثناء كميات شحيحة من المساعدات الإنسانية والإغاثية.
ويعاني سكان غزة والشمال من مجاعة حقيقية في ظل شح الغذاء والماء والدواء والوقود، جراء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على المحافظتين منذ بدء عمليتها البرية في 27 تسرين الأول/ أكتوبر 2023، ما تسبب في وفاة عدد من الأطفال وكبار السن.
وفي الأيام القليلة الماضية، بدأت أزمة حقيقة تلوح في وسط وجنوب قطاع غزة، بسبب نفاد الدقيق والمواد الأساسية من الأسواق ومنازل الفلسطينيين، واضطرارهم لاستخدام الدقيق الفاسد لإطعام عائلاتهم، والبحث عن بدائل غير صحية.
المصدر: عرب 48