حرب التجويع؛ استهداف الزراعة والمزارعين في قطاع غزة
“كمية الصواريخ والقنابل التي ألقاها الاحتلال على البلدة أثرت بشكل سلبي على التربة التي فقدت جزءًا من خصوبتها وهذا بدا واضحًا في كمية الإنتاج للموسم الحالي”
(منصات التواصل)
تكشف تحليلات صور الأقمار الاصطناعية أن الاحتلال الإسرائيلي جرّف نطاقًا واسعًا من الأراضي الزراعية، ومنازل ومبانٍ عامة على عمق يصل إلى كيلومتر على الأقل على طول حدود القطاع، بهدف إنشاء “منطقة عازلة وتوسيع مناطق أخرى لم يسمح الوصول اليها” قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
حتى نيسان/ أبريل 2024 دمرت القوات الإسرائيلية نحو %45 من حقول المحاصيل الدائمة والأراضي الصالحة للزراعة في قطاع غزة، وذلك بعد مقارنة صور الأقمار الاصطناعية لسنة 2024 بمتوسط صور السنوات السبع السابقة من نيسان/ أبريل 2017 حتى 2024.
وتقدر المساحة الزراعية في قطاع غزة بـ178 كيلومترًا مربعًا، وهو ما يمثل نحو %49 من إجمالي مساحة القطاع، وتظهر الصور الجوية أن ما يقارب من 81 كيلومترًا مربعًا من حقول المحاصيل الدائمة والأراضي الصالحة للزراعة، قد انخفضت من ناحية صحتها وكثافتها في الأشهر القليلة الماضية بصورة كبيرة.
نائب مدير وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ياسر عبد الغفور، يفيد في تقرير نشرته “وفا”، مؤخرًا، بأن الاحتلال عمل ويعمل بشكل ممنهج على تدمير السلة الغذائية في القطاع، ويشمل ذلك تجريف الأراضي الزراعية وقصفها، وتدمير مزارع الدواجن، ومصادر المياه، لافتًا إلى أن “الاحتلال يسيطر فعليًا على مساحات واسعة من أراضي القطاع في عدة مناطق، بداية من شمال القطاع وشرقه وجنوبه، إلى جانب مفترق الشهداء أو ما يسميه الاحتلال (محور نتساريم) الذي تضخم حتى استقطع 56 كيلومترًا مربعًا من أراضي القطاع”.
كما وأوضح أن أغلب الأراضي التي سيطرت عليها قوات الاحتلال خاصة في بيت لاهيا شمال القطاع وشرق رفح وخانيونس، “تشكل سلة الغذاء والخضراوات لتلك المناطق”، وأن “مساحات أخرى من الأراضي الزراعية تعرضت للقصف الجوي، أو تحولت إلى “مكان لجوء” حيث أضطر النازحون لإقامة خيام الإيواء عليها”.
“ظروف معيشية تجبر على النزوح”
وفي ذات السياق اعتبرت تقارير وبيانات صدرت، مؤخرًا، عن مؤسسات حقوقية محلية ودولية، أن تدمير إسرائيل مئات الدونمات المزروعة بالخضراوات شمالي قطاع غزة “يبين إصرارها على إبادة الفلسطينيين جماعيًا هناك، من خلال فرض ظروف معيشية تؤدي بهم إلى الهلاك الجسدي والتجويع وتدمير الموارد التي لا غنى عنها للبقاء، وحرمانهم من الإنتاج الزراعي في وقت تواصل فيه حصار القطاع وتقيد بشدة دخول الإمدادات الغذائية منذ أكثر من عام”.
وتلفت التقارير إلى أن هذا التدمير “يأتي في إطار خطة ممنهجة إسرائيلية منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث عملت قوات الاحتلال على إخراج قرابة 80% من مساحة الأراضي الزراعية عن الخدمة، إما بعزلها تمهيدًا لضمها للمنطقة العازلة بالقوة على نحو يخالف القواعد الآمرة بالقانون الدولي، أو من خلال تدميرها وتجريفها”.
كما وتوثق التقارير “تعمد الاحتلال الإسرائيلي قتل العديد من المزارعين خلال عملهم أو محاولتهم الوصول إلى أراضيهم ومزارعهم، فضلاً عن تدمير آلاف المزارع والدفيئات الزراعية وآبار المياه وخزاناتها ومخازن المعدات الزراعية، إلى جانب قتل عدد من الصيادين وتدمير مرافئ الصيد وغالبية قوارب الصيد منذ بداية العدوان؛ ما يدلل على أنه عمل عن عمد لتدمير مقومات الحياة والبقاء دون أي ضرورة، وهو ما سيكون له أثر على توفير الغذاء الصحي المناسب لأكثر من 2.2 مليون مواطن في قطاع غزة”.
شهادات الأهالي
يذكر تقرير “وفا” مجموعة من الشهادات للأهالي في قطاع غزة حيث “حلت الخيام بديلاً عن الزراعة في مواصي رفح وخانيونس للموسم الزراعي الثاني على التوالي بسبب حرب الإبادة المتواصلة منذ 14 شهرًا”.
ويشير إلى أن الخيام التي لجأ إليها النازحون، “تكسو معظم الأراضي الزراعية في المحافظتين، الأمر الذي أدى إلى تفاقم معاناة المواطنين ومربي الأغنام والمواشي جراء انعدام الأمن الغذائي للإنسان والحيوان على حد سواء بسبب النقص الحاد في الخضراوات ومحصولي القمح والشعير”.
المزارع أبو ماهر اللحام (70 عامًا) من بلدة القرارة شمال مدينة خانيونس، يعزو ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية والخضراوات إلى السياسة العسكرية التي انتهجها الاحتلال الإسرائيلي ضد القطاع منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
ويقول، بحسب تقرير “وفا”، إن عمليات النزوح التي فرضها الاحتلال على سكان محافظة خانيونس، خاصة المناطق الشرقية منها، “أجبرت المواطنين على ترك منازلهم ومزروعاتهم منذ اليوم الأول للحرب”.
وأوضح أنه يمتلك أكثر من عشرة دونمات مقام عليها خمس دفيئات مزروعة بالبندورة والفلفل، وخضراوات أرضية متنوعة، إضافة إلى مزرعتي أبقار وأغنام اضطر إلى تركها والنزوح إلى منطقة المواصي بناء على “أوامر الإخلاء” التي أصدرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
“أسعار جنونية: 45 شيكل كيلو البندورة”
برنامج الأغذية العالمي، يشير في بيان بالسياق، إلى أن أسعار المواد الغذائية الأساسية في قطاع غزة، ارتفعت بنسبة تزيد على 1000 بالمئة مقارنة بمستويات ما قبل الحرب، متسببة بتعمق أزمة الجوع وتفاقمها في أنحاء قطاع غزة”.
النازح من منطقة الفراحين شرق خانيونس إلى منطقة المواصي غربًا، عبد الله أبو دقة، يوضح، بحسب تقرير “وفا” أن الخسائر التي لحقت بالمزارعين جراء العدوان الإسرائيلي انعكست بشكل مباشر على النازحين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى دفع فاتورة هذا العدوان رغم إمكانياتهم المحدودة في ظل ارتفاع أسعار الخضراوات، والمواد الغذائية بشكل جنوني.
وتساءل النازح أبو دقة: هل يعقل أن نشتري كيلو البندورة بـ45 شيكل في ظل انعدام الدخل وتآكل رواتب الموظفين بسبب قلة السيولة التي أعطت التجار الفرصة لرفع عمولة الصرف إلى أكثر من 37%؟! مشددًا على أن “ما يصرح به قادة الاحتلال لوسائل الإعلام بفتح معبري ما يسمى “كسوفيم” و”كرم أبو سالم” لزيادة الكميات المسموح بها ما هو إلا ذر للرماد في العيون والواقع على الأرض مخالف تمامًا”.
“ثلاث فئات”
بدوره، أوضح مصعب عرفات، صاحب بسطة لبيع الخضراوات في مواصي رفح أنه “يجلب من السوق صندوقًا واحدًا لكل صنف من الخضراوات، يبقى منها كمية إلى اليوم التالي”، عازيًا ذلك إلى أن الأسعار أصبحت أكبر من قدرة النازح على الشراء واعتماده على ما تقدمه التكايا.
وتابع عرفات أن معظم النازحين يلقون النظرات ويكتفون فقط بالسؤال عن الأسعار، مشيرًا إلى أنه منذ افتتاح بسطته قبل شهرين صُنّف النازحون إلى ثلاث فئات: الأولى هم من يكتفون بالسؤال لأنهم لا يمتلكون ثمن الشراء، والثانية من يمتلكون النقود ولكنهم غير قادرين على دفع الثمن بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ويتركز البيع على الفئة الثالثة، ويبدو أنهم من ذوي الأسر محدودة الدخل حيث يكتفون بشراء حبة من كل صنف.
أما المزارع محمد قديح (65 عامًا) من بلدة خزاعة شرق محافظة خانيونس، قال إنه عاد بعد نزوح دام نحو سبعة أشهر إلى بلدته، وقام باستصلاح ما استطاع من منزله وأرضه متحديًا كافة الإجراءات والقصف الإسرائيلي المستمر ليقيم فيه من جديد.
ونوه قديح إلى أنه كان غادر بلدته الحدودية منذ اليوم الأول تاركًا خلفه منزله المكون من أربع طبقات ودفيئاته المزروعة بالبندورة المثمرة.
“حتى التربة تضررت من كثافة القصف”
ولفت قديح الى أنه تم تجريف أكثر من 200 دونم من الدفيئات في بلدة خزاعة وحدها، كانت تشكل رقمًا لا يستهان به من الأمن الغذائي لمحافظات القطاع، ولم يتبقَ فيها إلا القليل، وتحتاج إلى صيانة.
وشدد على أن كمية الصواريخ والقنابل التي ألقاها الاحتلال على البلدة أثرت بشكل سلبي على التربة التي فقدت جزءًا من خصوبتها، وهذا بدا واضحًا في كمية الإنتاج للموسم الحالي مقارنة بمحصول العام الماضي.
المصدر: عرب 48