حكّام تحت الصدمة… ربّ ضارّة نافعة
![](https://khaleejeyes.com/wp-content/uploads/2025/02/20250214115253.jpg)
يظهر أنّ الصدمة الّتي أوقعها الرئيس الأميركيّ المارق، دونالد ترامب، الّتي لا نستطيع استشراف نتائجها النهائيّة، في دوائر الأنظمة العربيّة، خاصّة مصر والأردنّ، بإعلانه عن خطّته الشيطانيّة لتهجير فلسطينيّي غزّة إلى هذين البلدين، أدخلت الأدرنالين إلى شرايينهما، وأثارت الرعب لديهما، ممّا دفعهما للتحرّك للدفاع عن استقرار أنظمتهما. كما أنّ النظام السعوديّ، الّذي فرمل طوفان الأقصى اندفاعه إلى التطبيع مع إسرائيل، استفزّ بعد تصريح بنيامين نتنياهو عن إقامة الدولة الفلسطينيّة في المملكة السعوديّة، ممّا دفعه إلى إعادة التشديد على ضرورة ربط التطبيع بإقامة دولة فلسطينيّة في فلسطين، أو بالاتّفاق على طريق تؤدّي إلى ذلك.
لم يصغ حكّام هذه الأنظمة إلى نصائح الكثير من المثقّفين العرب، والمحلّلين، وقادة المقاومة الفلسطينيّة واللبنانيّة، إلى ضرورة الوقوف بشجاعة ومروءة ضدّ حرب الإبادة، لأنّ هذا الموقف الانتهازيّ لن يسعفهما أمام التحالف الأميركيّ – الصهيونيّ، ولن ينجيهم من شهيّة التوسّع والتوحّش. وتأكّد الآن، مرّة أخرى، أنّ الضعف والتردّد، والشعور بالعجز أو التظاهر بالعجز، لا يجلبوا سوى الهوان والذلّ ومزيد من الاستتباع والإخضاع.
وفي حالة الأنظمة المذكورة، فإنّ الخطط التهجيريّة المطروحة ليست ذات أبعاد أخلاقيّة وجريمة بحقّ الشعب الفلسطينيّ والإنسانيّة فحسب، بل هي أيضًا خطر حقيقيّ على استقرار مصالح هذه الأنظمة. إنّ سلوك ترامب البلطجيّ خلال لقاء ملك الأردنّ في البيت الأبيض، يدلّل على الحالة العربيّة الرثّة بعد التواطؤ مع مذبحة العصر ضدّ شعب عربيّ يتعرّض للكولونياليّة المتوحّشة منذ أكثر من قرن. وإنّه لأمر مفارق أنه لا حاكم عربيًّا واحدًا، امتلك جرأة رؤساء دول غير عربيّة، مثل كولومبيا والمكسيك، وجنوب أفريقيا وإيرلندا، في تحدّي ترامب والتصدّي لبلطجيّته، بمواقف حقيقيّة ولغة قويّة ولاذعة. إنّ الفارق أنّ هؤلاء الحكّام الأجانب هم مستقلّون، منتخبون بطريقة ديمقراطيّة، ولم يأتوا بالوراثة أو بانقلابات عسكريّة، أي أنّ وجودهم في الحكم، هو بفضل كفاءاتهم، وقدراتهم، ومواقفهم التقدّميّة، وبتأييد من شعوبهم.
يقول البعض ربّ ضارّة نافعة، إذ قد تؤدّي مخطّطات ترامب الاستعماريّة التوسّعيّة، والإباديّة، والّتي لا تعمل حسابًا لا لصديق أو لحليف، إلى يقظة لدى حكّام هذه الأنظمة والطبقة الداعمة لهم، تدفعهم إلى تغيير بعض سلوكيّاتهم أو طريقة تعاملهم مع سيادة بلدانهم. وقد يشجّعهم على ذلك ما نشهده من تبلور جبهة عالميّة رسميّة وغير رسميّة، ضدّ خطّة التهجير.
نحن ندرك أنّ أزمة هذه الأنظمة وتبعيّتها بنيويّة، ولكن حتّى بوجود هذه التبعيّة، يمكن أن تعترض هذه الأنظمة على إملاءات جديدة وقحة، تحاول فرضها الإمبراطوريّة الأميركيّة، بنسختها الأكثر فجاجة، على الحكّام العرب. بل أن يمضوا حتّى النهاية بتشكيل مجموعة عربيّة حقيقيّة ضاغطة، تقدّم خطّة وتصوّرًا لمستقبل غزّة بالعلاقة مع المشروع السياسيّ الفلسطينيّ الشامل.
في حالة مخطّط التهجير الترامبيّ، يجب ألّا يكتفي الحكّام بتبرير رفضهم للتهجير كونه يهدّد بلادهم واستقرارًاها، بل أنّ ذلك جريمة ضدّ الإنسانيّة، وأن تكون هذه اللغة هي المعتمدة، والّتي من شأنها أن تساند الجبهة العالميّة الشعبيّة، بما فيها منظّمات الأمم المتّحدة، في تصدّيها للمذبحة وتغوّل الإمبراطوريّة الأميركيّة من منطلق القانون الدوليّ وحقوق الإنسان.
يكتسب الحراك العربيّ الرسميّ الراهن أهمّيّة وجوديّة لأهالي غزّة تحديدًا، وكذلك الضفّة الغربيّة، لأن لا نيّة لدى إسرائيل بقيادة الائتلاف الحاكم الحاليّ بالتخلّي عن استئناف حرب الإبادة، خاصّة بعد الإعلان عن خطّة ترامب. وما يساعد على منع تحقّق هذا الخطر الوجوديّ هو موقف عربيّ رسميّ صارم، والسماح للشعوب العربيّة بالتحرّك على نطاق واسع ضدّ التهجير والمذبحة، وذلك استنادًا إلى الصمود الأسطوريّ لأهالي غزّة، وعموم الشعب الفلسطينيّ في وطنه المغتصب. هذا الشعب العربيّ الّذي وقع تحت نير مشروع استعماريّ إحلاليّ، غربيّ – صهيونيّ، وقدّر له أن يكون رأس حربة مقاومة هذه المشروع الّذي يعيق تحرّر وتطوّر المنطقة العربيّة بأسرها، ويتحمّل القسط الأكبر من العذاب والخسارات، في سبيل حرّيّته وحرّيّة الشعوب العربيّة.
المصدر: عرب 48