حملة ممنهجة لمحاصرة العمل الطلابي
ترى المحاضرة الكبيرة في قسم علم الاجتماع وعلم الإنسان في جامعة “بن غوريون”، في النقب، د. مها كركبي – صبّاح، ومسؤول الطلاب والشباب في التجمع الوطني الديمقراطي، يوسف طه، أن هذه القوانين تستهدف الأصوات المناهضة للحرب على غزة.
وقفة احتجاجية أمام جامعة تل أبيب (أرشيف “عرب 48”)
ناقشت لجنة التربية والتعليم في الكنيست يوم الثلاثاء الأخير، مشروعي قانون يهدفان إلى قمع حرية التعبير في الجامعات والمعاهد العليا الإسرائيلية، قدمهما أعضاء كنيست من الائتلاف وتمت المصادقة عليهما بالقراءة التمهيدية.
يجيز مشروع القانون الأول لمجلس التعليم العالي الإيعاز لمؤسسة أكاديمية بفصل محاضرين من العمل في أعقاب تعبيرهم عن رأيهم وفي حال اعتبر المجلس أن موقف المحاضر يشكل “تحريضا على الإرهاب” أو دعم “منظمة إرهابية”، وتقليص ميزانية المؤسسة الأكاديمية إذا لم تفصل المحاضر من العمل.
قدم مشروع القانون عضو الكنيست من حزب الليكود، أوفير كاتس، ويدعمه أعضاء كنيست من المعارضة والائتلاف.
أما مشروع القانون الثاني فيستهدف اللجان الطلابية، وبحسبه بالإمكان تفكيك لجنة طلاب “تؤيد الإرهاب أو الكفاح المسلح ضد دولة إسرائيل”. وتصف إسرائيل، كدولة احتلال، وقدمت مشروع القانون هذا عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ، من حزب “عوتسما يهوديت” الفاشي.
وقالت المحاضرة الكبيرة في قسم علم الاجتماع وعلم الإنسان في جامعة “بن غوريون”، في النقب، د. مها كركبي – صبّاح، لـ”عرب 48” إنها ترى في مشاريع القوانين هذه وغيرها، امتدادا لسلسلة منهجية ليست بجديدة على الأقلية الفلسطينية في إسرائيل، من مسلسل الملاحقة وكم الأفواه.
وأضافت أن “إسرائيل لم تكن في أي وقت منبرا للحريات والتعبير عن الآراء المغايرة للنسق اليهودي الصهيوني، ولكن ما تقوم به الحكومة الحالية وخاصة بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 والحرب على غزة، هو تصعيد واضح جاء في سياق وكأنه منحَ الحكومة نوعا من الشرعنة لما تقوم به من ملاحقة بذريعة أن الدولة تحاول أن تدافع عن وجودها وتحمي كيانها. لذلك فإن واحدة من الأمور التي برزت هي تصعيد وتعزيز التعامل مع الأقلية الفلسطينية وكأنها أقلية معادية للدولة، على الرغم من أن ذلك غير صحيح على الإطلاق، فعلى مدار عشرات السنين أثبتت الأقلية الفلسطينية بأنها ملتزمة بقوانين الدولة باستثناء بعض الحالات القليلة والتي تكاد لا تذكر من الخروج على القانون، ولكن بشكل عام الأقلية الفلسطينية على عكس ما تحاول مؤسسات الدولة تصويره”.
وأشارت كركبي – صبّاح إلى أن “الأقلية العربية الفلسطينية تتجه في مسار كونها أقلية إثنية تحاول أن تندمج في السياق العام للدولة ومؤسساتها والالتزام بالقانون بينما مؤسسات الدولة تلفظها وترفضها وتظهرها بصورة نمطية على أنها أقلية عدائية، وهذا يجيء من أجل خدمة أجندة سياسية كانت موجودة دائما، ولكنها باتت أعمق وأخطر في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة وخاصة منذ بداية الحرب الأخيرة”.
وبالنسبة لما يحدث في الجامعات والمعاهد العليا ترى المحاضرة بأن “ما يحدث من تكميم للأفواه وقمع الحريات يجيء بسبب الخشية من أن تشكّل الجامعات قاعدة انطلاق للأصوات المغايرة والمخالفة التي لديها مطالب عادلة بإنهاء الحرب ووقف المجازر وإنهاء الاحتلال، لذلك فإن هذه القوانين تجيء بالأساس لنسف إمكانيات التحرك داخل الحيز الجامعي، وحتى يكون هناك نوع من التناغم داخل الحيز الجامعي يتلاءم أيضا مع السياسة العامة للجامعات وتحويل الجامعة إلى منبر يدعم مشروع الحرب واللغة والرواية والإيديولوجية السائدة منذ بداية الحرب”.
وتابعت أن “مشروع القانون هذا جاء ليضمن بأن يستمر هذا التناغم وهو بالأساس موجه ضد الأقلية الفلسطينية والطلاب من أبناء هذه الأقلية. ونحن نعرف على مدار التاريخ بأن القيادات السياسية والنخب الاجتماعية غالبتها تخرجت من الحيز الجامعي، لذلك فإن تهديد الأطر الفاعلة داخل الجامعات للطلاب الفلسطينيين من أن تكون هذه الأطر فاعلة وناشطة ولديها خطابها الخاص والمختلف والمساحة التي تسمح لها بالنضال بطرق شرعية، لكن الدولة ترى بأنه من الأفضل لها طمس هذا الحيز لمنع تبلور قيادات سياسية مستقبلية تجيء بخطاب مناهض للحرب والاحتلال، أي تريد السلطات مواطنا متعلما لدعم العجلة الاقتصادية للدولة، ولكنه مقموع فكريا وسياسيا”.
وعن سياسة الترهيب والاعتقال لكل من خرج للتظاهر ضد الحرب بشكل لا يستثني حتى القيادات العربية، قالت المحاضرة الكبيرة في قسم علم الاجتماع وعلم الإنسان في جامعة “بن غوريون” إن “هذه سياسة وهي ليست ردة فعل لعمل معين، أؤكد إنها سياسة لمنظومة شاملة، وجزء من المبنى العام للدولة، فالترهيب هو آلية تستخدمها الدولة كلما رأت بأن هناك حاجة لتفعيلها.. وسياسة الترهيب مورست قبل الحرب أيضا، في عدة محطات على مر التاريخ بداية من فترة الحكم العسكري، ويوم الأرض عام 1976 وأحداث هبة الأقصى/ أكتوبر 2000 وفي هبة الكرامة أيار 2021، ومنذ بداية الحرب الدائرة. فهذه الممارسات موجودة دائما وباستمرار، لكن الدولة تستخدمها بحالات معينة عندما ترى بأن المواطن العربي والفلسطيني يمكن أن يستدعي هذا الصوت المناهض لسياسة الدولة. نحن نمَونا وكبرنا على سياسة الترهيب، والخوف أصبح جزءا من شخصيتنا السياسية ومن تفاعلنا الاجتماعي والسياسي مع ما يدور فهو موجود، ولكنه تفاقم وتصاعد، وظهرت ممارسات غير قانونية من قبل مؤسسات الدولة كان الهدف منها الاضطهاد الشخصي للفرد فضلا عن الترهيب العام من خلال مثول الطلاب الجامعيين أمام لجان الطاعة وإبعاد البعض منهم وإنذار آخرين، ومنها حالة بروفيسور نادرة شلهوب – كفوركيان”.
وختمت كركبي – صبّاح حديثها بالقول إن “هذه القوانين لا تمس فقط بالطالب العربي، فنحن نعرف أن هناك تواجدا متزايدا للباحثين والباحثات والمحاضرين داخل الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، جزء كبير منهم نجحنا في السنوات الأخيرة في أن نطوّر المعرفة العلمية من منظورنا نحن كأقلية فلسطينية بأدوات علمية نقدية تشرح الواقع الذي نعيش فيه وتفسر واقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي كجزء من المنظومة العامة للاحتلال وسلب الأرض والحقوق، وقد نجحنا في تطوير منظومة علمية جديدة، وأعتقد بأن هذا القانون يهدف أيضا إلى طمس إنتاج هذه المعرفة التي تتحدث عن الصراع والمسار التاريخي لهذا الصراع، لذلك فإن هذه القوانين تؤثر على إنتاجنا العلمي والفكري وإنتاج المنظومات التي نحتاجها بخلاف ما تنتجه لنا الدولة، وهو لا يقتصر فقط على تكميم الأفواه”.
وقال مسؤول الطلاب والشباب في التجمع الوطني الديمقراطي، يوسف طه، لـ”عرب 48” إن “مشروع القانون هذا قديم – جديد، فقد كانت حركة (إم ترتسو) العنصرية قد أعدته قبل حوالي عامين وطرح للنقاش في الكنيست من قبل أحد أعضاء الكنيست من حزب الليكود، واليوم عادت عضو الكنيست ليمور سون هار ميلخ، من حزب (عوتسما يهوديت) لطرحه مجددا”.
وأضاف طه أن “مشروع القانون هذا ينبع بالأساس من ملاحقة الحركة الطلابية التي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة، ومشاريع القوانين هذه هي استمرار لتصعيد خطير ضد الحركة الطلابية ومحاصرة العمل الطلابي في الجامعات، واستهداف المحاضرين العرب وبعض المحاضرين اليهود الذين يحاولون التعبير عن موقف مغاير للإجماع الصهيوني وتمت ملاحقة البعض منهم بعد حرب الإبادة، وهي جزء من حملة ممنهجة تستهدف المعلمين في جهاز التعليم والمحاضرين في الجامعات والحركات الطلابية، ومحاصرة حرية التعبير عن الرأي في الحيز الأكاديمي”.
وردا على سؤال “عرب 48” حول نجاح المؤسسة في قمع الحركات الطلابية، وذلك ما يظهر من خلال تراجع النشاط الطلابي في الأكاديميا، وردع الطلاب من المشاركة في هذه النشاطات، قال إنه “أعتقد أن السنة التعليمية الماضية (التي بدأت مع بداية الحرب على غزة) كانت واحدة من أصعب السنوات على الحراك الطلابي في الجامعات، وقد أدى فتح ملفات ضد عدد كبير من الطلاب إلى حالة من التراجع والخوف في صفوف الطلاب، والحركة الطلابية تأثرت بدون شك”.
وعن العام الدراسي الجديد، قال طه إن “الأجواء بدأت تختلف وبدأت الحركات الطلابية تجتمع وتعيد تنظيم نفسها في محاولة لإعادة الزخم الطلابي بعد المدة القاسية التي عاشها الطلاب منذ بدء الحرب، وهذه القوانين تجيء لمنع الحركات الطلابية من استنهاض الهمم من جديد ما بعد الحملة التي استهدفت الطلاب الجامعيين، وتهدف هذه القوانين إلى كسر الحركة الطلابية بشكل خاص”.
وقال مسؤول الطلاب والشباب في التجمع الوطني الديمقراطي حديثه بالقول إن “هناك سياسة تضييق غير مسبوقة تمارس على النشاط الطلابي، وصلت حد الحاجة للنضال من أجل تنظيم نشاط ثقافي متواضع جدا، كما حدث في جامعة تل أبيب قبل أيام حيث اضطر مركز عدالة القانوني للتدخل من أجل السماح للطلاب بتنظيم نشاط ثقافي بسيط! وسياسة التضييق هذه تسري على كافة الجامعات. لذلك فإن هذه القوانين تجيء لتقييد الجامعات أيضا، والتي أبدت تساهلا في بعض الأحيان مع تنظيم نشاطات معينة، فهذه القوانين تخضع الجامعات للأذرع الأمنية التي تحاصر الطلاب”.
المصدر: عرب 48