Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

حوار مع الباحثة لميس فراج

“ليس من المعقول أن نستمر متمسكين ببروتوكول باريس في وقت لا توليه إسرائيل أي اهتمام. لقد حان الوقت لبدء التفكير والعمل على تنظيم مقاطعة البضائع الإسرائيلية. وقد أشرت في الورقة إلى مجموعة كبيرة من البضائع الإسرائيلية التي يمكن الاستغناء…”

في ورقة سياسات نُشرت على موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية بعنوان “مقاطعة المنتجات الإسرائيلية خلال الحرب وأثرها على المنتج الفلسطيني”، تشير الباحثة لميس فراج إلى أن الاحتلال الإسرائيلي دأب على السيطرة على جميع مقومات الاقتصاد الفلسطيني وتكبيلها، وأن بروتوكول باريس الاقتصادي وضع أطرًا للتحكم في المعابر والحدود، وتحديد كمية ونوعية السلع المستوردة، كما ساهم في التحكم بالنظام الضريبي مع إعطاء هامش بسيط للسلطة الفلسطينية لفرض بعض الضرائب المحدودة (ضريبة الدخل، وضريبة الأملاك).

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

هذا أدى إلى تحويل الاقتصاد الفلسطيني إلى اقتصاد خدماتي هش غير قادر على استيعاب العمالة الفلسطينية، مما زاد الاعتماد على سوق العمل الإسرائيلية، حيث وصلت نسبة العمالة في الداخل المحتل والمستوطنات – قبل بدء حرب الإبادة (تشرين الأول/ أكتوبر 2023) – إلى نحو 20% من القوى العاملة في فلسطين.

وتفيد الورقة بأنه على الرغم من المحاولات العديدة للسلطة لبناء دولة واقتصاد وطني، واستثمار نحو 44 مليار دولار من المعونات الدولية في بناء الدولة والتخطيط التنموي الشامل، فإن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي زادت، وازدادت الأصفاد التي تعيق تطوره وتضعفه.

وتشير الباحثة إلى هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي على التجارة الخارجية الفلسطينية عبر علاقة “الاتحاد الجمركي”. وفي ضوء ذلك، بلغ حجم الاستيراد الفلسطيني من إسرائيل في عام 2022 نحو 4 مليارات دولار، وهو ما يمثل 56% من إجمالي الواردات التي بلغت 8 مليارات دولار، بينما بلغت الصادرات إلى إسرائيل 1.3 مليار دولار، أي 88% من إجمالي الصادرات الفلسطينية.

بالمقابل، تكشف الورقة أن حجم الصادرات الإسرائيلية إلى العالم بلغ 76.9 مليار دولار في عام 2022، منها 4.6 مليارات دولار فقط إلى السوق الفلسطينية، أي ما نسبته 5.9% من حجم الصادرات الإسرائيلية للعالم، مما يشير إلى أن أثر مقاطعة السوق الفلسطينية للمنتجات الإسرائيلية ضئيل جدًا على الاقتصاد الإسرائيلي، مقارنةً بأثرها الكبير على الاقتصاد الفلسطيني.

وتشير الورقة إلى أن أكثر من نصف الواردات إلى السوق الفلسطينية تأتي من إسرائيل، ولكن فعليًا، بعد الحرب، تراجعت قيمة الواردات من إسرائيل، حيث بلغت 891.7 مليون دولار في الربع الرابع من عام 2023، مقارنةً بـ1.2 مليار دولار في الربع الرابع من عام 2022، وأيضًا مقارنةً بالأرباع التي سبقت الحرب.

ومن خلال دراسة الواردات الإسرائيلية إلى السوق الفلسطينية، يتضح أنه بالإمكان الاستغناء عن ثلث ما يتم استيراده من إسرائيل، وفقًا للورقة، وهو ما يعادل 1.6 مليار دولار يمكن ضخها في السوق الفلسطينية، مما يوفر أكثر من 100 ألف فرصة عمل، أي نحو 10% من العمالة الفلسطينية. فهناك 36 منتجًا يمكن استبدالها بمنتجات محلية، منها المياه المعدنية والغازية، ومنتجات الألبان، والسلع الزراعية، والبيض، والخضار والفواكه، والأعلاف والأسمدة، والحيوانات الحية، والأسمنت، وأجهزة الهاتف، والشوكولاتة والحلويات، والقمح وغيرها.

الباحثة لميس فراج

وبهذا الصدد، حاور “عرب 48” الباحثة لميس فراج لإلقاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع.

“عرب 48”: نعلم أن مقاطعة المنتجات الإسرائيلية فكرة قديمة لها جذورها، ويُعاد طرحها في كل مرحلة. لكن ما الفرق بين المقاطعة العفوية والدعوات والحملات الشعبية المتجددة؟

فراج: هناك توجه عام وواضح لدى المواطنين نحو المقاطعة، وظهر أثره ليس فقط في دعم المنتج المحلي، بل في انخفاض إيرادات بعض المنتجات الإسرائيلية بشكل ملحوظ. إذا قارنا الأشهر الستة الأولى من عام 2024 مع الأشهر الستة الأولى من عام 2023، نجد أن هذا الانخفاض ظاهر. ناهيك عن أن المقاطعة تشمل منتجات الشركات الداعمة للاحتلال وليس فقط المنتجات الإسرائيلية.

وأنا لا أقول إن مقاطعة منتجات الاحتلال سيكون لها أثر كبير على اقتصاد إسرائيل، لكنها تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي الفلسطيني، حيث تدعم بشكل غير مباشر المنتج المحلي وتتيح له تطوير كفاءته. ويتعزز هذا التأثير إذا ما اندرجت المقاطعة ضمن إطار اقتصاد مقاوم ومشروع شامل للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني.

“عرب 48”: بدأت حملات المقاطعة بشكل منظم منذ الانتفاضة الأولى، وحققت نجاحات كبيرة أحيانًا، لكنها واجهت أيضًا إشكالات عديدة، مثل توفر بدائل للمنتجات الإسرائيلية وتبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي، وهو واقع لم يتغير كثيرًا بعد إقامة السلطة الفلسطينية التي تقيّدها اتفاقيات اقتصادية تمنع نشوء اقتصاد وطني.

فراج: المقاطعة تحولت إلى ظاهرة شعبية دخلت كل بيت فلسطيني، حتى أن الأطفال أصبحوا يلفتون أنظار أمهاتهم وآبائهم إلى المنتجات الإسرائيلية. كما أن هناك حركة مقاطعة عاملة محليًا ودوليًا، مثل حركة “BDS”، لكن المطلوب هو تنظيم هذه المقاطعة في إطار أنظمة وقوانين رسمية.

صحيح أن هناك قانونًا صدر في عام 2010 يمنع دخول أي بضائع من المستوطنات، وهناك أيضًا قرار من وزارة الاقتصاد يشجع على مقاطعة البضائع الإسرائيلية، لكن ذلك غير كافٍ. المطلوب من السلطة الفلسطينية هو منع دخول البضائع الإسرائيلية بشكل عام، وليس فقط من المستوطنات، ودعم المنتج المحلي الفلسطيني.

ليس من المعقول أن نستمر متمسكين ببروتوكول باريس في وقت لا توليه إسرائيل أي اهتمام. لقد حان الوقت لبدء التفكير والعمل على تنظيم مقاطعة البضائع الإسرائيلية. وقد أشرت في الورقة إلى مجموعة كبيرة من البضائع الإسرائيلية التي يمكن الاستغناء عنها لوجود بدائل وطنية لها.

“عرب 48”: هذا يعني أن هناك بضائع إسرائيلية لا يمكن الاستغناء عنها؟

فراج: صحيح، المقاطعة هي بداية تعبير عن الرفض. وعندما نتحدث عن الانفكاك عن الاحتلال، نتحدث عن عملية تدريجية. ندرك أن هناك بعض المنتجات الأساسية، مثل البترول بجميع مشتقاته، الذي يتم استيراده من إسرائيل. وحتى عندما تم التفكير في استيراده من دول أخرى، تبين أن تكلفة تخزينه ستكون مرتفعة جدًا، مما يزيد من سعره حتى لو تم استيراده بسعر أرخص من السعر الإسرائيلي.

صورة توضيحية حملة لدعم المنتج الوطني (Getty images)

ولكن هناك الكثير من البضائع، خاصة في نطاق المنتجات الغذائية والمنزلية والاستهلاكية اليومية، التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة بوجود بدائل محلية ذات جودة عالية وربما بأسعار أقل. كما أن هناك منتجات ذات طابع ترفيهي يمكن الاستغناء عنها. الحديث هنا ليس عن تقشف، بل عن التخفيف من أنماط الاستهلاك في إطار بناء اقتصاد مقاوم. فالمقاطعة في هذا السياق هي نهج ينتهجه كل فلسطيني، تعبيرًا عن رفض الاحتلال وكل ما ينتج عنه، مما ينعكس إيجابيًا على دعم الاقتصاد المحلي وتشغيل العمالة.

“عرب 48”: لا شك أن الحالة الأمنية السائدة بعد السابع من أكتوبر أدت إلى وقف أو إبطاء حركة التبادل الاقتصادي مع إسرائيل؟

فراج: منذ السابع من أكتوبر، حظرت إسرائيل دخول العمال الفلسطينيين الذين يشكلون 20% من القوى العاملة الفلسطينية، مما أدخلهم في دائرة البطالة. ومع ذلك، هناك مستوطنات لم توقف عمل العمال الفلسطينيين، لكن نسبتهم قليلة.

في المقابل، حركة التجارة ودخول البضائع الإسرائيلية إلى الضفة الغربية لم تتأثر، ومنتجات الاحتلال لا تزال موجودة في الأسواق الفلسطينية. وعندما أتحدث عن انخفاض استهلاك منتجات الاحتلال، فإن ذلك بسبب استنكاف المستهلك الفلسطيني عن شرائها، فحالة الحرب لم تمنع دخول البضائع الإسرائيلية. بالمقابل، هناك بضائع فلسطينية تدخل إسرائيل، إذ يتم إعادة تغليف بعض المنتجات لتدخل وكأنها منتجات إسرائيلية، إضافة إلى المنتجات الزراعية وغيرها.

بالطبع، هناك بعض التعقيدات التي تسببت فيها حالة الحرب، لكن مسار حركة التجارة ودخول البضائع لم يتضرر بشكل كبير، على عكس مسار العمال الفلسطينيين الذين تأثروا، ليس فقط بسبب تقييد الدخول إلى إسرائيل، بل أيضًا بسبب تشديد الإجراءات على الحواجز التي تفصل المدن الفلسطينية عن بعضها.

كما تضررت بعض مدن شمال الضفة، بسبب منع دخول فلسطينيي الداخل الذين كانوا ينعشون الحركة التجارية في جنين وطولكرم ونابلس وغيرها، بسبب العدوان على هذه المدن.

“عرب 48”: حالة الحرب والعدوان وما ينتج عنها من تداعيات تضع تحديات كبيرة أمام الاقتصاد الفلسطيني؟

فراج: وقف دخول العمال إلى إسرائيل يدفع 20% من القوى العاملة إلى سوق البطالة، وهذا وحده كافٍ لإبطاء الحركة الاقتصادية وخفض الإنتاج. مما يضعنا أمام تحدي مواجهة هذا الوضع من خلال خلق اقتصاد مقاوم واتخاذ إجراءات رادعة لمنع دخول المنتجات الإسرائيلية ودعم المنتج المحلي. وهذا يفتح خطوط إنتاج جديدة ويقلل من البطالة.

صورة توضيحية حملة لدعم المنتج الوطني (Getty images)

“عرب 48”: مع ذلك، يبقى هناك فرق كبير بين السلوك العفوي وبين وجود حركة أو حملة مقاطعة منظمة ذات برنامج واضح وأهداف محددة؟

فراج: المقاطعة لها عنوان وتراث وتاريخ، وقد تحولت إلى سلوك عفوي، كما ذكرت، وتعزز هذا السلوك مع بداية الحرب. فالفلسطيني، بغض النظر عن وعيه السياسي أو الجيل أو الجنس أو الانتماء الحزبي، ينفر من المنتجات الإسرائيلية ويفتش عن بدائلها.

لكن مقاطعة منتجات الاحتلال لن يكون لها أثر كبير إذا لم تكن جزءًا من خطوات مقاطعة الاحتلال بجميع أشكاله، نحو خلق اقتصاد مقاوم. وهذا، كما ذكرت سابقًا، يتطلب إرادة سياسية قادرة على خلق اقتصاد تضامني، يعمل على توفير مزيد من أماكن العمل التي تكون بديلًا للعمل في المستوطنات أو داخل إسرائيل، ويسير نحو الانفكاك التدريجي عن الاقتصاد الإسرائيلي.


لميس فراج: باحثة في القضايا الاقتصادية والتنموية.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *