حوار مع د. محارب | 25 عاما على جمعية الثقافة العربية
انطلقت الرؤية والأهداف من الواقع الذي كنا نعيشه والمستقبل الذي كنا نتطلع إليه. فنحن مواطنون في دولة تأسست على أنقاضنا وأنقاض شعبنا، وما انفكت تتبع منذ تأسيسها سياسة معادية لنا.
طلاب منحة روضة بشار عطالله في جمعية الثقافة العربية (عرب 48)
بمناسبة احتفال جمعية الثقافة العربية بمرور 25 عاما على تأسيسها أجرينا حوارا مع د. محمود محارب، عضو الهيئة الإدارية للجمعية ورئيس الهيئة الإدارية للجمعية سابقا والذي رافق مسيرة الجمعية منذ تأسيسها وحتى اليوم، وواكب سيرورة طويلة من العطاء والوفاء لجمعية انطلقت من واقع مظلم في دولة تأسست على أنقاض شعب متأصل، وتتطلع إلى مستقبل مشرق يعتز فيه هذا الشعب بهويته الوطنية ولغته وموروثه الثقافي رغم كل محاولات طمسها.
س: تحتفل جمعية الثقافة العربية بيوبيلها الفضي في هذه الأيام، هل تحدثنا دكتور محمود محارب عن المبادرة لتأسيس جمعية الثقافة العربية وعن الظروف التي نشأت فيها؟
ج: بادر إلى تأسيس جمعية الثقافة العربية المفكر والقائد الوطني الدكتور عزمي بشارة، كنا في تلك الفترة مجموعة من المثقفين الوطنيين والناشطين السياسيين الذين نفكر في كيفية تعزيز مقاومة سياسة الأسرلة ومحاولات الدولة الإسرائيلية فرض العدمية القومية على شعبنا العربي الفلسطيني في داخل الخط الأخضر، التي اشتدت وطأتها بعد توقيع اتفاقية أوسلو. بعد تأسيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي في سنة 1995، الذي أحدث تغييرا نوعيا في النضال السياسي في صفوف الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر، كانت هناك حالة من الغليان الفكري وكانت هناك العديد من المبادرات المهمة التي قادها عزمي بشارة.
فقد كنا نفكر سوية في كيفية حماية الهوية الوطنية العربية الفلسطينية في داخل الخط الأخضر وفي كيفية تطويرها، وكنا نفكر في ماهية المضامين والبرامج والمؤسسات الضرورية لتحقيق ذلك. وانسجم ذلك مع رؤيتنا بشأن تحقيق الاستقلالية الثقافية للفلسطينيين في داخل الخط الأخضر، وهو ما يستدعي إنشاء المؤسسات.
وفي هذا السياق جاء تأسيس جمعية الثقافة العربية في سنة 1998 والعديد من المؤسسات الأخرى، التي كان عزمي بشارة المبادر والروح الحية في إنشائها مثل جريدة فصل المقال ومدى الكرمل – المركز العربي للدراسات التطبيقية.
س: ماذا كانت الرؤية والأهداف؟
ج: انطلقت الرؤية والأهداف من الواقع الذي كنا نعيشه والمستقبل الذي كنا نتطلع إليه. فنحن مواطنون في دولة تأسست على أنقاضنا وأنقاض شعبنا، وما انفكت تتبع منذ تأسيسها سياسة معادية لنا. لذلك تمحورت رؤيتنا وأهدافنا حول المساهمة في بناء مجتمع عربي فلسطيني حديث معتز بهويته العربية الفلسطينية ومتمسك بلغته وثقافته والواثق بنفسه والواعي لموروثه الحضاري والقادر على تطوير ذاته ومواجهة التحديات؛ مجتمع منتج ومبدع الذي يستند إلى قيمه الوطنية وإلى القيم الإنسانية العليا والمنفتح على ثقافات الشعوب الأخرى، مجتمع متمسك بروايته التاريخية الفلسطينية وحقوقه الفردية والجماعية القومية والذي يتعامل مع مواطنته بجدية ولا يقبل بأقل من المواطنة المتساوية ويقف ضد جميع أشكال القمع القومي والتمييز العنصري التي يتعرض لها.
س: ما هي أهم المشاريع والبرامج التي تبنتها وتتبناها الجمعية وما مدى تأثيرها على المشهد الثقافي الفلسطيني في داخل الخط الأخضر؟
ج: قامت الجمعية منذ تأسيسها بالكثير جدا من النشاطات المتنوعة المتعلقة بالثقافة بمفهومها الشامل المرتبطة باللغة والأدب والانتاج الأدبي والفن المسرح، وعقدت الكثير جدا من الندوات وورش العمل التي عالجت قضايا ثقافية فكرية وأقامت على مدار السنوات الكثير من الدورات التدريبية المختصة في اللغة العربية والأدب والانتاج الأدبي نثرا وشعرا والانتاج الفني إلى جانب دورات كثيرة مختصة في التمكين وفي القيادة، ونفذت الكثير من البرامج التي لها علاقة بالرواية التاريخية الفلسطينية مثل برامج العودة إلى الجذور وهذه بلادي التي شارك فيها في كل سنة المئات من طلاب الثانويات والجامعات.
وقائمة المشاريع طويلة، ولكن هناك عدة مشاريع مهمة التي تقوم بها الجمعية التي ينبغي الإشارة إليها وهي: صندوق المنح للطلاب الجامعيين على اسم روضة بشارة عطا الله، ومعرض الكتاب السنوي ومسابقة القصة القصيرة وصندوق منح الطلاب الجامعيين “سماك” الذي أسسته مؤخرا الجمعية.
س: ممكن أن تعطينا فكرة عنها ولنبدأ بصندوق المنح على اسم روضة بشارة عطا الله وما دوره في تعزيز الثقافة والهوية الوطنية؟
ج: انطلق برنامج المنح الدراسية للطلاب الجامعيين في سنة 2007 بدعم من مؤسسة الجليل في لندن. والمنحة تغطي الرسوم الجامعية للطالب لمدة ثلاث سنوات. واستفاد منها حتى الآن نحو 1200 طالبة وطالب. وتتم عملية اختيار الطلاب الذين يحصلون على المنحة بنزاهة وشفافية ووفق معايير واضحة تستند إلى تحصيل الطالب العلمي ووضعه الاجتماعي والاقتصادي.
وتتميز هذه المنحة بوجود مسؤولية متبادلة بين الطالب والجمعية. بطبيعة الحال أهم شيء بالنسبة لنا في الجمعية هو نجاح الطالب في تحصيله العلمي، ولكن في الوقت نفسه يوجد التزام من الطالب بالمشاركة في النشاطات التي تنظمها جمعية الثقافة خصيصا لطلاب المنح التي تهدف إلى صقل شخصية الطالب وتطوير التفكير النقدي لديه وتعميق معرفته بالقضية الفلسطينية وبالرواية التاريخية الفلسطينية بما في ذلك واقع الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر من خلال جملة من الفعاليات تشمل المحاضرات وقراءة الكتب والرحلات إلى القرى والبلدات المهجرة وزيارة العديد من المدن والبلدات الفلسطينية في داخل الخط الأخضر للاطلاع على واقعها.
س: أعلنت جمعية الثقافة مؤخرا عن تأسيس صندوق المنح “سِماك” فما هي أهميته وفرص نجاحه؟
ج: صندوق “سماك” ضروري وهناك حاجة ماسة إليه كي تتمكن جمعية الثقافة من تقديم المزيد من المنح للطلاب الجامعيين الفلسطينيين المحتاجين في داخل الخط الأخضر.
فرص نجاحه عالية لأن جمعية الثقافة العربية لها تجربة طويلة في تقديم المنح وتتمتع بصدقية عالية للغاية وبنظافة الكف في كل مشاريعها ولوجود طبقة وسطى عربية واسعة المستعدة للتبرع عندما تثق بأن تبرعها يصل إلى الطلاب المحتاجين بشكل شفاف ومنصف.
ولا يقل أهمية عن كل ذلك أن القسم الأعظم من خريجي منحة روضة بشارة عطا الله حافظ على علاقته القوية بجمعية الثقافة بعد تخرجه وشروعه في العمل، وأعرب عن استعداده للتبرع لصندوق المنح سماك.
س: ماذا عن معرض الكتاب وأهميته؟
ج: بدأت جمعية الثقافة العربية في تنظيم معرض الكتاب العربي في سنة 2019 بشكل سنوي استجابة لحاجة القارئ العربي الفلسطيني في داخل الخط الأخضر إلى الاطلاع على الكتب العربية التي تصدر في فلسطين وفي الدول العربية.
وقد لاقى معرض الكتاب نجاحا كبيرا للغاية منذ بداية تنظيمه وازداد هذا النجاح من خلال الإقبال عليه وشراء الكتب وحضور الندوات التي تجرى في كل أمسية من أمسيات المعرض حول كتب صدرت حديثا يشارك فيها كتاب وباحثون.
وبات معرض الكتاب الذي تنظمه الجمعية من أهم المهرجانات الثقافية في داخل الخط الأخضر وهو يشمل أكثر من 8000 كتاب الكثير منها يصل إلى الداخل للمرة الأولى. وتشمل الكتب مجالات كثيرة مثل العلوم السياسية والتاريخ والفلسفة والقضية الفلسطينية والرواية والشعر والقصص القصيرة إلخ.
أما في ما يخص مسابقة القصة القصيرة باللغة العربية، فقد بدأت الجمعية في تنظيمها منذ 2016 لطلاب المدارس الإعدادية والثانوية في داخل الأخضر. وهدف الجمعية واضح وهو تشجيع الطلاب وهم في مقتبل العمر على الإقبال على اللغة العربية والاهتمام بها وبالأدب العربي من خلال كتابة القصة القصيرة وتطوير مواهبهم.
ومنذ انطلاق مسابقة كتابة القصة القصيرة كان الاقبال مرتفعا. وتقدم الجمعية سنويا ست جوائز للفائزين تختارهم لجنة مهنية مختصة بالأدب. وتقدم الجمعية دورة تدريبية للستة الفائزين من قبل مختصين في كتابة القصة القصيرة لتطوير موهبتهم.
س: ساهمت الدكتورة روضة بشارة عطا الله مساهمة مهمة في تطوير جمعية الثقافة العربية فكيف أثر فقدان الراحلة روضة على مسيرة الجمعية؟
ج: فقدان الدكتورة روضة كان صعبا للغاية علينا جميعا، على العائلة والأهل وعلى الحركة الوطنية وعلى الجمعية. أثر فقدان الراحلة روضة على الجمعية تأثيرا كبيرا لأنه كان من الصعب ملء الفراغ الكبير الذي تركته. فقد خطفها القدر وهي في قمة عطائها في جمعية الثقافة العربية التي قادتها لأكثر من 11 سنة. فقد تمتعت الدكتورة روضة بشخصية قوية وبإرادة صلبة وتفانت في العمل في قيادة الجمعية، فوضعت المفاهيم والكثير من المشاريع والبرامج التي جرى البناء عليها لاحقا.
واهتمت في تطوير المشاريع التي تعزز اللغة العربية، فرفعت شعار “لغتي هويتي”، والهوية الوطنية والرواية التاريخية الفلسطينية المرتبطة بمعرفة الوطن من خلال العديد من المشاريع كان من بينها “رحلات إلى الجذور”. وتقديرا لدور الدكتورة روضة بشارة عطا الله المهم في بناء وتطوير الجمعية، وتخليدا لذكراها، أطلقت الهيئة الإدارية لجمعية الثقافة العربية في حينه اسم الراحلة الدكتورة روضة بشارة عطا الله على مشروع المنح للطلاب الجامعيين الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر.
س: ما هي الرؤية البعيدة المدى للجمعية؟
ج: تطمح الجمعية أن تعزز من دورها في كل ما يتعلق بالثقافة العربية في داخل الخط الأخضر، وأن تتمكن من القيام بمختلف المشاريع الثقافية التي نحن بأمس الحاجة إليها والتي تعوض ولو جزئيا عن عدم وجود وزارة في هذه الدولة التي ترعى الثقافة العربية، ووجود في الوقت نفسه سياسة في هذه الدولة المعادية للعرب وثقافتهم العربية.
المصدر: عرب 48