حيفا مقابل بيروت، وتل أبيب مقابل طهران!
مرّت أربعة أيّام على وقف الغارات الإسرائيليّة على مدينة بيروت، ويقال إنّ هذا بعد توجّه الرئيس جو بايدن إلى نتنياهو بهذا الطلب، وهناك من يقول إنّ السبب هو القبول الضمنيّ بمعادلة حيفا مقابل بيروت، أي وقف قصف بيروت مقابل التوقّف عن قصف حيفا.
في إسرائيل يقولون إنّهم سيستأنفون تدمير بيروت في الأيّام القادمة بحسب الضرورات العمليّاتيّة، ولا يوجد أيّ اتّفاق ضمنيّ وتفاهمات على معادلة “حيفا مقابل بيروت”.
أميل إلى أنّ إسرائيل وافقت على طلب جو بايدين مؤقّتًا، كما يبدو هناك من طلب من بايدن التدخّل لدى نتنياهو مثل فرنسا ودول أوروبّيّة وعربيّة شعرت بالحرج من إحراق بيروت بالبثّ المباشر، كذلك فإنّ هناك من سيحكم بيروت بعد الحرب، ويفترض أن يجد ما يحكمه، وسيكون حليف أميركا كما هو مخطّط، ولا يجوز أن يحكم عاصمة مدمّرة، ولا ننسى أنّها عاصمة دولة عضو في ما يسمّى جامعة الدول العربيّة، وإحراق بيروت لا يخدم في النهاية التحالف الأميركيّ العربيّ الغربيّ الصهيونيّ، ولهذا فإنّ الغارات يجب أن تجري وفق الضرورة ولتحقيق هدف بعينه وليس عشوائيًّا.
في الوقت ذاته، فإنّ إسرائيل تدمّر قرى الجنوب، وأمرت المواطنين في خمس وعشرين قرية على هجرها وعدم العودة إليها، ويقول يوآف غالانت إنّه سوف يسوّيها في الأرض، ولن يتيح لسكّانها العودة إليها، حتّى ولو توقّف القتال الآن.
صواريخ حزب اللّه تحاول أن تفرض معادلة حيفا-بيروت خطيرة، ولكنّها لا تقارن بقنابل أميركا العملاقة وقوّتها التدميريّة على بيروت وغيرها، ورغم ذلك فإنّ مجرّد تشغيل صافرات الإنذار في حيفا وضواحيها أكثر من مرّة في اليوم، يؤدّي إلى أن تتحوّل حيفا إلى مكان خطر مثل كريات شمونة، وهذا يعني شلّ الحياة الاقتصاديّة فيها، حتّى من دون وقوع ضحايا، أو مع وقوع عدد قليل من الضحايا.
بعد تلقّي الضربة الإيرانيّة الأخيرة الّتي يقال إنّها سبّبت خسائر بحوالي 200 مليون شيكل خلال بضع دقائق، هدّد نتنياهو بالردّ في اليوم نفسه، ولكنّه والطغمة الحاكمة معه وقفوا وقفة تأمّل، وضربوا أخماسًا بأسداس في كيفيّة الردّ!
حتّى أميركا، الراعي الأوّل لإسرائيل، راحت تنصح برد معقول وعدم التهوّر بما يمكن أن يتحوّل إلى كارثة في المنطقة، خصوصًا إذا ما تعرّضت المنشآت النفطيّة إلى الشلل.
بلا شكّ أنّ نتنياهو يتحرّق للردّ على إيران لاستعادة وتثبيت صورة العملاق الّتي بلغها أيّامًا قليلة قبل الصفعة الفارسيّة الّتي أنزلته من السماء إلى الأرض، وجعلته يقرأ بيانًا عن الورق بيدين مرتجفتين، ممّا اضطرّ مصوّره على نقل بؤرة الصورة إلى أعلى ذراعيه ووجهه، كي لا يظهر مرتجفًا من شدّة الغضب والانفعال.
كافأه جو بايدن بنصب وحدات دفاعيّة متقدّمة جدًّا تشمل طاقم التشغيل، أي الدخول المباشر بعد تظاهر بعدم التدخّل المباشر، ورغم ذلك، فهو ما زال متردّدًا.
لماذا؟
لأنّ إيران ليست خيام نازحين في محيط مستشفى في قطاع غزّة، وليست مجموعات عزلاء تقف في طوابير للحصول على الماء والخبز، إيران ليست مساحة صغيرة محاصرة من الجهات الأربع! إيران رغم العقوبات والعقبات الغربيّة، دولة إقليميّة قويّة جدًّا، ومساحاتها وقدراتها البشريّة هائلة، وتستطيع أن تردّ الصاع صاعين، ولهذا يحسبون ألف مرّة كيفيّة الردّ ونوعيّته.
صحيح أنّ ضربة حزب اللّه كانت مؤلمة في بنيامينا، فقد حصلت رغم الدفاعات الجوّيّة المتقدّمة، ووقعت في الموقع الّذي أرسلت إليه، وأكّدت على قدرات حزب اللّه الاستخباراتيّة والتنفيذيّة، ولكنّها لا تشكّل رادعًا لإسرائيل في سياسة التدمير والانتقام من المدنيّين، واستخدام دمائهم وأجسادهم للضغط على الحاضنة الشعبيّة لحزب اللّه في لبنان والمقاومة في قطاع غزّة.
يحتاج وقف الحرب والالتزام بعدم الاعتداء على المدنيّين، والمحافظة على القوانين الدوليّة إلى ردع متبادل، إلى قوّتين متعادلتين، أو أنّهما قريبتان من هذا التعادل، وليس بين طرفين غير متعادلين ولا يقتربان من التكافؤ في السلاح والقوّة.
أحد أهداف الحرب هو نزع سلاح حزب اللّه، لضمان عدم تهديده مستقبلًا، ولتمكين لبنان من إقامة حكومة على النهج الّذي رسمه نتنياهو.
طبعًا لا يستطيع حزب اللّه أن يتخلّى عن سلاحه مهما بلغت تضحياته والثمن الّذي يدفعه ومعه لبنان، وسوف يقاوم حتّى النهاية، بكلّ ما يستطيع مهما كانت النتيجة.
هذا ينطبق على إيران الّتي لن تقبل بإخلاء الساحة للعربدة الأميركيّة الإسرائيليّة، وترفض أن تعامل مثل الدول اللقيطة في المنطقة العربيّة مهما كانت النتيجة والثمن.
المصدر: عرب 48