خسائر إسرائيل جراء الحرب على غزة تلقي بظلالها على الواقع المعيشي
الخبير الاقتصادي والمحاضر الجامعي د. نايف خالدي: “الواقع الاقتصادي في إسرائيل سَيِّئ جدا، فقد عانت البلاد في السنوات الماضية من وضع اقتصادي رديء جدا، ويمكن وصف الحالة الاقتصادية من سيئة لأسوأ. نتحدث عن اقتصاد حرب”.
الأمطار تفاقم معاناة نازحي الحرب على غزة (الأناضول)
يواجه الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحرب على غزة تحديات جديدة، إذ أن تكلفة الحرب تقدر بمليار شيكل يوميا، ما يستوجب إجراءات فورية لمنع وقوع مزيد من الضرر.
ويوضح الخبير الاقتصادي والمحاضر الجامعي، د. نايف خالدي، في حديثه لـ”عرب 48” تأثير خوض إسرائيل الحرب على غزة، على الجانب الاقتصادي الإسرائيلي، وامتداد الأزمة الاقتصادية وتفاقمها في إسرائيل، وانعكاس هذه الأزمة على المواطنين والسلطات المحلية في البلاد.
“عرب 48”: كيف تقيّم الوضع الاقتصادي في البلاد في ظل الحرب على غزة؟
د. خالدي: الواقع الاقتصادي في إسرائيل سيئ جدا، فقد عانت البلاد في السنوات الماضية من وضع اقتصادي سيئ جدا أيضا، ويمكن وصف الحالة الاقتصادية من سيئة لأسوأ. نحن نتحدث عن اقتصاد حرب من جميع الجهات في البلاد، فحتما ستكون أبعاد سلبية على مستوى المؤشرات الاقتصادية.
أما عن النتائج السلبية على الاقتصادي الإسرائيلي فهي: انخفاض سعر الصرف لعملة الشيكل، بالمقابل ارتفاع سعر الصرف لعملة الدولار حتى وصل إلى 4.10 شيكل. المؤشر الثاني، انخفاض حاد في البورصة الإسرائيلية كنتيجة مباشرة لإعلان الحرب. وقد تعطلت مناطق واسعة عن النشاط الاقتصادي من شمال ومركز وجنوب الدولة بسبب رشقات الصواريخ على هذه المناطق، وخاصة في الأسبوع الأول من الحرب. واقتصر النشاط الاقتصادي فقط على منطقة حيفا، والتي تعد منطقة صغيرة.
“عرب 48”: ما هي قيمة الخسائر للاقتصاد الإسرائيلي بسبب الحرب على غزة؟
د. خالدي: يتعرض الاقتصادي الإسرائيلي لخسائر يومية تقدر بين 4 – 5 مليارات شيكل، وهي خسائر مباشرة لتعطيل الاقتصاد في البلاد، ونتيجة لأبعاد المصروفات الجديدة على مستوى وزارة الأمن، وللمصروفات التي يتم تخصيصها من ميزانيات خلال الحرب، خاصة مع وجود قرابة 400 ألف جندي إسرائيلي على جبهات الحرب، والذين يحتاجون لاستهلاك يومي، بيد أن غالبية الجنود تعطلت أعمالهم، ومنهم من تعطلت مصالحهم التجارية.
“عرب 48”: ما هي أبعاد الحرب على غزة على إمكانية الشفاء الاقتصادي؟
د. خالدي: الأمر يتعلق باستمرارية وقوة وتأثير الحرب، فكلما احتدمت الحرب ساء الوضع الاقتصادي، خاصة في ظل التلويح بتصعيد الحرب على الجبهة الشمالية للبلاد. وقد تعطلت النشاطات التجارية على بعد 7 كم من شمال البلاد. كذلك فإن المخلفات للحرب انعكست على الجانب النفسي لدى أصحاب المصالح التجارية. وغياب العمالة بسبب هروب العمال الأجانب، وعدم إدخال عمال من الضفة وغزة للبلاد. وقد تعطل الكثير من العمال من البلاد عن أماكن العمل التي بالتالي توقفت عن العمل، عدا عن تجميد مخططات لتأسيس وبناء مشاريع تجارية بسبب حالة الترقب الناجمة عن خوض إسرائيل الحرب.
“عرب 48”: من هي الشرائح الأكثر تضررا اقتصاديا بسبب الحرب؟
د. خالدي: الشركات هي أكثر الفروع الاقتصادية التي تضررت، ذلك أن لديها مصروفات ثابتة، وتحتاج لمزودين وزبائن. وبحسب المؤشرات الأخيرة عن الأضرار الاقتصادية على الشركات والمصالح التجارية فإن 50% من الشركات تأثرت بشكل مباشر، و50% من الشركات التي تأثرت قد انخفضت نسبة المبيعات لديها حوالي 50%. الضرر الثاني الذي تتعرض له هذه الشركات يتعلق بأجور العمال، وقد خرج الكثير من العمال لإجازات، ولم يحدد بعد إذا كانت عطلة مدفوعة الأجر أم غير مدفوعة خاصة مع وجود تخبطات على مستوى الوزارات المسؤولة عن ذلك. أما الضرر الثالث فهو يتعلق بالمدخولات الاقتصادية للحكومة التي تعتمد على الضرائب، بالتالي تقوم الحكومة بصرف ميزانياتها، إلا أن هذه الميزانيات تضررت، إذ أنه مع مرور 41 يوما على الحرب لا يوجد دخل للحكومة، بهذا ستقتص الحكومة من ميزانيات لمشاريع ثقافية وبنى تحتية. وقد تأثرت السلطات المحلية العربية قبل الحرب من اقتصاص وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، من الميزانيات المخصصة للمجتمع العربي. يمكن التلخيص بأن حكومة إسرائيل أثبتت أنها غير مسؤولة، ما قبل الحرب وخلالها وبعدها، فهي حكومة عديمة القيادة سياسيا واقتصاديا، لهذا المجتمع الإسرائيلي الذي يعيش حالة تخبط.
“عرب 48”: هل سيستمر ارتفاع الاسعار والتضخم المالي من جراء الحرب؟
د. خالدي: عانت الدولة من التضخم المالي قبل الحرب على غزة، وذلك في ظل ارتفاع سعر الدولار جراء الحرب في أوكرانيا، وبسبب نسبة الفائدة التي كانت مرتفعة على القروض، واستمر ازدياد التضخم المالي في فترة الحرب، حيث وصل سعر صرف الدولار بشكل رهيب إلى 4.10 شيكل، وتشير المؤشرات إلى أنه مستمر في حالة الارتفاع، حيث إنه يترنح في هذه الأيام بين 3.80 -3.90 شيكل. ومع عدم استقرار سعر صرف الدولار وارتفاع سعره فإن ذلك سيؤثر على الاستيراد، فالمستورد يضطر لدفع شواكل أكثر لأن الدولار ارتفع سعره، وبالتالي سيرفع المستورد من أسعار البضائع، الأمر الذي سيؤثر بشكل خاص على المستهلك صاحب الدخل المحدود، والمجتمع العربي سيتأثر اقتصاديا بشكل أكبر جراء الحرب، خاصة وأن غالبية المواطنين العرب هم من أصحاب الدخل المحدود.
“عرب 48”: كيف يؤثر الوضع الاقتصادي السيئ في البلاد اقتصاديا على شرائح الأطفال والنساء خصوصا؟
د. خالدي: بما أن غالبية النساء يعملن في قطاعات العمل التي لا تمتلك أرباحا كافية، فسيعانين من مشكلة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة في ظل معدل دخلهن المنخفض. أما بالنسبة للأطفال فإن الضرر الأكبر بسبب الوضع الاقتصادي سيكون على المستوى النفسي لديهم، خاصة لدى العائلات اليهودية، ذلك أن غالبية العائلات قد توجه رجالهم للمشاركة في الحرب، وما تبقى من رجال مع العائلات، قد تم إجلاؤهم مع عائلاتهم من المناطق التي تمثل بالنسبة لهم مصادر رزق.
“عرب 48”: ما هي التوصيات في ظل عدم استقرار أسعار العملات وانخفاض سعر الذهب؟
د. خالدي: دون أدنى شك فإن المجتمع العربي مستهلك وغير منتج، بهذا أوصي باتباع ثقافة استهلاك ملائمة للوضع الراهن، من حيث التوقف عن المصروفات لأمور غير أساسية، والتي تعد من الكماليات بالحياة من مصروفات على مناسبات ورحلات، والانتظار لما سيحدث بعد انتهاء الحرب، ذلك أن الأمن هو السلعة الأساسية لكل مجتمع، وللأسف فإن المجتمع العربي لم يكن آمنا قبل الحرب وقبل الأوضاع الاقتصادية الحالية، من سيطرة سوق الإجرام على المجتمع العربي. أوصي بالانشغال الأكبر بالأمور الأساسية التي يحتاجها المواطن العربي، من تأهيل مهني، فنحن نعيش في دولة منذ تأسيسها غير مستقرة على مستويات عدة، في ظل الحروب الكثيرة، والانتخابات التي تحدث خلال أوقات متقاربة لأسباب سياسية. وتأثير سياسة حكومات اليمين المتتالية منذ 25 عاما، إذ تؤثر سلبا على الميزانيات في المجتمع العربي. بالتالي ستعاني السلطات المحلية من شح بالميزانيات، والتي ستنعكس سلبا على العاملين في المشاريع المرتبطة بهذه الميزانيات. من الأولى تجنيد طاقتنا وصرف أموالنا في الأمور التي تسمن وتغني من جوع.
“عرب 48”: ما هي أهم أسس الإدارة المالية السليمة التي قد تساعد على تخطي الأزمة الاقتصادية؟
د خالدي: بناء خطة مالية على جميع المستويات، الفردية، والعائلية، والمؤسسات. الخطة المالية إن لم تنج من الهلاك بسبب الأزمة الاقتصادية فحتما ستكون وقاية من الأضرار. فالاتفاق بين الأبناء والوالدين على بناء خطة مالية للعائلة من تفصيل المصروفات الثابتة والمدخولات، والتغيير في السلة الشرائية الشهرية يُولد ثقافة استهلاك لدى الأبناء والأفراد مما يساهم في تعزيز الاقتصاد داخل الأسرة. الأمر الآخر عدم الاتكالية على مساعدات الدولة من مخصصات تأمين ومنح مالية، بل يجب الاعتماد على النفس، والتفكير بوضع مدخرات نقدية يمكن الاعتماد عليها لسنوات مقبلة عند العائلة العربية، وجميعا نشهد التوتر في أماكن العمال بين اليهود والعرب، الذي قد يؤثر كذلك على المجتمع العربي. وألخص بأنه يجب إعادة التفكير بتحديد الأهداف الاقتصادية للسنوات المقبلة.
المصدر: عرب 48