رَدْم آبار المياه
أي النذالات لم يرتكبها الاحتلال الصهيوني في فلسطين بعد؟ ما من جريمة عرفها الإنسان منذ العصر الحجري إلى يومنا هذا، إلاّ ومارسها هذا الاحتلال الهَمجي.
إضافة إلى جرائمه التي باتت كلاسيكية في القتل، والتشريد، والطرد السكاني وهدم البيوت، والسّجن الإداري وغير الإداري، ومنع إسعاف الجرحى والإجهاز عليهم، والحصار، وجرائم الحرب على مختلف صورها، يقوم الاحتلال بين فينة وأخرى بردم آبار مياه الشُّرب وتلويثها.
في الأيام الأخيرة ردم الاحتلال ثلاثة آبار جنوب الخليل بالباطون، وذلك بأمر من الإدارة المدنية وبحراسة جيش الاحتلال.
ردم آبار المياه وتلويثها أصبح سمة ملاصقة للاحتلال الصهيوني، فهو لا يكتفي بسرقة الموارد الطبيعية، وبما فيها المائية، بل يعرقل ويمنع إمكانية استفادة الفلسطينيين من موارد وطنهم في كل فلسطين التاريخية، ويلقي بنفاياته في ينابيع ومجاري المياه العذبة. في العام 2019 تسمّم مئات من أهالي قرية مردة في منطقة سلفيت، نتيجة تدفق المياه العادمة من مستوطنات أريئيل إلى مياههم العذبة وتسمُّمها.
غني عن القول إنَّ ما يمارسه الاحتلال هو خرق للقانون الدولي، ويأتي فوق الخروقات الأساسية الأخرى، فهو لا يعترف بالقانون الدولي أصلا، ويعتبر كل قرار ضد ممارسات الاحتلال، عداءً للسّامية بدعمٍ أميركي.
يسعى الاحتلال من خلال سرقة المياه وسدِّ الآبار وتلويث مياه الينابيع ومجاري المياه العذبة في الضفة الغربية إلى تشديد الخناق على حيِّز المناورة المعيشية للفلسطينيين المتمثلة بالاستفادة من ماشيتهم ومزروعاتهم وحرمانهم منها، ومن ثم جَعْل حياتهم أكثر صعوبة وتعميق معاناتهم، على أمل أن يحقّق عدة أهداف، أوَّلا ضرب مصادر المعيشة المستقلة للفلسطينيين، من خلال ضرب الزراعة بكل فروعها، وتوكيد تذيّل الاقتصاد الفلسطيني إلى الاحتلال وارتباطه به، حتى في أدق تفاصيل الحياة، الأمر الذي يحول دون تطوِّره الطبيعي، وإبقائه كسيحًا.
أما الهدف الآخر فهو دفع الناس والجيل الشاب بشكل خاص إلى الاعتقاد بأن الأرض غير مزجية، ومن ثم تسهيل عمليات مصادرتها والتنازل عنها.
كل هذه المضايقات في التالي، تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها، ودفع الشبّان إلى اليأس والهجرة.
في الوقت ذاته فإن ما يفعله المحتلون في آبار الفلسطينيين ومياههم ومزروعاتهم وحلالهم، لا يقول سوى أمرٍ واحد، هو أنّهم ليسوا أبناء هذه الأرض، لأنّ من يحرق أشجارها ويفسد ثمارها يستحيل أن يكون ابنها، هذا لا يفعله هذا إلاّ محتلٌ غريب عابر، لن يكون يومًا ابنًا لهذه الأرض، مهما حاول أن يخدع نفسه والآخرين.
وفي الوقت الذي يردم الاحتلال آبار المياه ويلوِّثها في الضفة الغربية، يتحدّث بنيامين نتنياهو في جلسة الأحد مع حكومته عن مشروع لإقامة سكّة حديد تربط دولة الاحتلال والأبارتهايد بالسّعودية والجزيرة العربية.
توقيت إعلان نتنياهو عن سكّة حديد مع السّعودية، يهدف إلى الحَدّ من المخاوف المتراكمة والتنبؤات المتشائمة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، نتيجة ما يسمى الإصلاحات القضائية، التي زعزعت الثقة به، وبدأت تنعكس على الاستثمارات وهروبها من البلاد.
التطبيع جريمة تضاف إلى جرائم الاحتلال، وهو دعم مباشر للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
المُطبِّعون لم ولن يعملوا شيئًا، ولن يستطيعوا وقف وحشية الاحتلال. كِذبة التأثير على الاحتلال من خلال إقامة علاقات معه تافهة ومفضوحة، بالعكس فمنذ مسيرات التطبيع المتهافتة ازدادت شراسة الاحتلال، وازدادت الخارطة السياسية يمينية وتطرّفًا.
من يقيم علاقات من دول عربية بالذات مع الاحتلال، يقدّم للاحتلال وجرائمه دعمًا ماديًا وعسكريًا ومعنويًا لا يقلُّ عن جريمة أميركا المستمرة في دعم الاحتلال بلا شروط.
الاحتلال الفاشي أعلنها ويعلنها بأنّ العلاقات مع الدول العربية المطبّعة بلا ثمن، أي أنَّه بدون مراجعة حسابات أو ممارسات أو شروط.
احتلال غير مسبوق في وساخته عبر التاريخ البشري الحديث، وأنظمة غير مسبوقة في نذالتها في التاريخ العربي.
المصدر: عرب 48