سجناء يخرجون من جحيم سجن صيدنايا بعد سقوط بشار الأسد وبحث عن مفقودين
تتواصل في سورية، الإثنين، عمليات بحث مكثّفة عن معتقلين في زنزانات تحت الأرض في سجن صيدنايا، أكبر السجون السورية الذي تفيد منظمات غير حكومية بتعرّض المساجين فيه للتعذيب، بينما تستمرّ الاحتفالات في دمشق بسقوط حكم نظام بشار الأسد في أعقاب هجوم خاطف نفّذته فصائل المعارضة.
وغداة نقطة تحوّل تاريخية مع انتهاء حُكم عائلة الأسد، الذي امتدّ أكثر من نصف قرن في سورية، أرسلت منظمة “الخوذ البيضاء” فرق طوارئ إلى سجن صيدنايا، الواقع على بعد ثلاثين كيلومترا من دمشق، “للبحث عن أقبية سرية داخله يُتوقع وجود معتقلين فيها”.
وقالت المنظمة إنّ الوحدات التي أرسلتها، “تضمّ فريق بحث وإنقاذ، وفريقا لنقب الجدران، وفريقا لفتح الأبواب الحديدية، وفريق كلاب مدربة، وفريق إسعاف”.
وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، تداول سوريون صور سجناء أُطلق سراحهم خلال تقدّم المعارضة، من أجل التعرّف عليهم في إطار جهد جماعي للم شمل العائلات.
وأطلق آخرون، مثل فدوى محمود التي تبحث عن زوجها وابنها، نداءات للعثور على أقاربهم المفقودين. وفي منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كتبت محمود التي كانت معتقلة سابقة أيضا: “أين أنتما يا ماهر وعبدالعزيز، حان الوقت كي أسمع عنكما”.
وفي وسط دمشق، استمرّ السوريون في التدفّق إلى ساحة الأمويين، بعد رفع حظر التجوّل الليلي، الذي فرضته فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، بعد سيطرتها على العاصمة، الأحد.
وقالت ريم رمضان (49 عاما) وهي موظفة في وزارة المالية من ساحة الأمويين: “شعورنا لا يوصف لأننا لم نكن نتخيّل في يوم من الأيام أن نتخلّص من هذا الكابوس، نشعر أنّنا ولدنا من جديد”.
وعلى وقع إطلاق النار احتفالا، وأصوات أبواق السيارات، أضافت رمضان: “على مدى 55 عاما، كنّا نخاف أن نقول أي كلمة … حتى في البيت، كنّا نخفض صوتنا إذا أردنا التحدّث عنه (الأسد)، كنّا نقول إنّ الجدران لها أذنان. لا يمكن تصديق ما حصل، هل يا ترى هذا حلم؟”، بحسب ما نقلت عنها وكالة “فرانس برس” للأنباء.
خروج سجناء من جحيم صيدنايا…. “أخرجوا كل شيء انتهى!”
وبعد سقوط بشار الأسد، دخل مقاتلون من الفصائل المعارضة السجون لتحرير المساجين، وقد صوّر أحدهم تلك اللحظات بهاتفه: مسلّحون يكسرون أقفال زنزانات صيدنايا، أكبر السجون السورية، فيما تركض نساء وأطفال للخروج وهم لا يصدقون أن الرئيس السوري سقط.
وقال الرجل الذي سجّل مقطع الفيديو بعد ساعات من دخول الفصائل دمشق، وفرار الأسد إلى روسيا: “أنتم أحرار أخرجوا! كل شيء انتهى”.
ومن الباب، خرج عشرات الرجال بوجوه هزيلة وأجساد ضعيفة.
وفي الزنزانات، لا يوجد أي أثاث باستثناء بعض البطانيات الرقيقة الملقاة على الأرض. أما جدرانها فملؤها الرطوبة والأوساخ.
وفيما كان السجناء يخرجون من زنزاناتهم كانوا يتساءلون: “ماذا حصل؟”.
في سجن صيدنايا الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا من دمشق، يعد تحرير السجناء أمرا مضنيا.
ونبّه تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط إلى أن “هناك المئات، وربما الآلاف، من السجناء المحتجزين في طابقين أو ثلاثة تحت الأرض، خلف أقفال إلكترونية وأبواب محكمة”.
في جناح آخر، زنزانات النساء. وأمام باب إحداها، ينتظر طفل ضائع.
وكانت نساء يصرخن لدى رؤيتهن المسلّحين “أنا خائفة”، خشية الوقوع في فخّ، أو التعرض لاعتداء جنسي من الرجال المسلحين الذين يجوبون الممرات في إشارة إلى ما كنّ يتعرّضن له من جرائم ارتُكبت بحقّهن من قِبل نظام الأسد.
لكنّ “المنقذين” حاولوا طمأنتهن بالقول “لقد سقط، أخرجن”.
أمل بإيجاد مفقودين؛ “لو هزيلين ولكن أحياء”
ومنذ انطلاق الثورة عام 2011، لقي أكثر من 100 ألف شخص حتفهم في السجون، خصوصا بسبب التعذيب، بحسب تقديرات المرصد السوري لحقوق الإنسان عام 2022.
وفي الوقت نفسه، أفاد المرصد بأن نحو 30 ألف شخص سُجنوا في صيدنايا، أطلق سراح ستة آلاف منهم فقط.
من جهتها، سجّلت منظمة العفو الدولية آلاف عمليات الإعدام ونددت بـ”سياسة إبادة جماعية حقيقية” في صيدنايا، “المسلخ البشري”.
في شوارع العاصمة السورية، يمكن التعرف الى مساجين سابقين من وجوههم الهزيلة، أو آثار التعذيب الذي تعرضوا له، وفق ما يقول رفاقهم في المحنة.
وفي ظل هذه الفوضى، قلائل يعرفون أين يذهبون ومن ينتظرهم.
لا تزات عايدة طاهر (65 عاما) تبحث عن شقيقها الذي أوقف في العام 2012. وقالت إنها “ركضت في الشوارع كالمجنونة” في طريقها إلى صيدنايا، “لكنني اكتشفت أن بعض السجناء لا يزالون في الأقبية، وهناك ثلاثة أو أربعة أقبية”، و”قالوا إن الأبواب لا تُفتَح، لأنهم لا يملكون الرموز الصحيحة”.
ودعت منظمة الخوذ البيضاء “الأهالي وذوي الضحايا (…) إلى عدم الحفر في السجون، أو المساس بها، لأن ذلك يؤدي إلى تدمير أدلة فيزيائية، قد تكون أساسية للكشف عن الحقائق، ودعم جهود العدالة والمحاسبة”.
وفي طابور، تقف عائلات حاملة صورا بالأسود والأبيض لشبان مفعمين بالحياة، أو لمتظاهرين تحت أعلام ثورة العام 2011، ويسأل أفرادها عما إذا كان أحد رآهم، وما إذا كانوا في سجن صيدنايا… أو هل قضوا خلال سنوات الفوضى الـ14 في سورية، بدون أمل برؤيتهم مجددا في زاوية شارع “لو هزيلين ولكن أحياء”.
احتشاد الآلاف أمام سجن صيدنايا بانتظار معرفة مصير أقاربهم
واحتشد آلاف السوريين، الإثنين، أمام سجن صيدنايا في ريف دمشق، بانتظار معرفة مصير أقارب لهم معتقلين.
في الطريق المؤدي الى السجن، اصطف طابور من السيارات امتد على طول نحو سبعة كيلومترات، ما دفع المئات إلى المتابعة سيرا على الأقدام. ومع استمرار منظمات إنسانية في القيام بعمليات بحث داخل السجن، بقي كثر منهم حتى وقت متأخر ينتظرون معرفة معلومات عن أقارب لهم.
وبين هؤلاء يوسف مطر (25 عاما) الذي جلس على صخرة قرب السجن، ينتظر أكثر من عشرة أشخاص من أقاربه، يعتقد أن جميعهم يقبعون داخل السجن، الواقع على مسافة نحو 30 كيلومترا من دمشق.
وقال بينما كان ينتظر “جميعهم أخذهم الأمن بدون أي سبب، فقط لأننا من مدينة داريا” التي كانت من أولى المدن التي انتفضت على نظام الأسد مطالبة بإسقاطه عام 2011، وشهدت بعد ذلك معارك طاحنة بين الفصائل المعارضة والقوات الحكومية، بحسب ما أوردت “فرانس برس”.
ويُضيف بعدما اقترب مغيب الشمس: “أنا هنا منذ أمس (الأحد)، وسأنام هنا (في العراء) حتى نعثر على خبر ما، سواء كانوا أمواتا أو أحياء”.
وتقدّر رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن 30 ألف شخص دخلوا إلى السجن منذ اندلاع النزاع في العام 2011، وقد أفرج عن ستة آلاف منهم فقط، فيما يُعتبر معظم الباقين في حكم المفقودين، خصوصا أنه نادرا ما يُبلّغ الأهالي بوفاة أبنائهم، وإن تمكنوا من الحصول على شهادات وفاة لهم، فإنهم لا يتسلمون جثثهم.
“أصبح من السهل الآن الحصول على الخبز”!
وفي حلب في شمال سورية، استؤنفت الحياة تحت حكم “حكومة الإنقاذ” التي تمّ تشكيلها في إدلب، معقل الفصائل المعارضة في العام 2017.
وسيطرت الفصائل بداية على حلب، ثاني مدن البلاد، باستثناء أحياء ذات غالبية كردية يسيطر عليها مقاتلون أكراد، منذ أعوام.
وقالت ديسبينا بيدوري (61 عاما): “عادت المياه والكهرباء”، مضيفة “أصبح من السهل الآن الحصول على الخبز الذي يقوم شباب بتوزيعه”.
وفي دمشق، أُعيد، الإثنين، فتح عدد قليل من المتاجر، حيث أُغلقت المؤسسات العامة، بما في ذلك المدارس. وشاهد مراسل فرانس برس مقاتلي هيئة تحرير الشام ينتشرون حول البنك المركزي السوري.
وكان الدخان لا يزال يتصاعد من وسط المدينة، الذي يضم أجهزة الأمن، والذي أُضرمت فيه النيران، الأحد.
وفي اليوم السابق، اقتحم متظاهرون مواقع رمزية لحُكم الأسد، كما تعرّض مقر إقامته للنهب، وأتى حريق على جزء من القصر الرئاسي.
وفي مختلف أنحاء البلاد، أسقط متظاهرون تماثيل للرئيس المخلوع ووالده حافظ الأسد الذي حكم سورية من العام 1971، حتى وفاته في العام 2000.
وذكرت وكالات أنباء روسية، أن الأسد الذي حكم سورية، بيد من حديد طيلة 24 عاما، قد اتجه إلى موسكو مع عائلته، بعد فراره من البلاد في مواجهة الهجوم الخاطف الذي بدأته فصائل المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ غير أنّ الكرملين رفض تأكيد وجوده على الأراضي الروسية.
المصدر: عرب 48