Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

شريان التجارة العالميّة تحت الضغط

بحسب عملاق النقل والدعم اللوجستيّ شركة “مولر ميرسك” الدنماركيّة، بعد أكثر من سبعة أشهر من بدء الأزمة في البحر الأحمر، لا يزال التأثير على الشحن البحريّ وسلاسل التوريد العالميّة يتزايد بشكل كبير…

الممرّات البحريّة: شريان التجارة العالميّة تحت الضغط

سفينة غارقة في البحر الأحمر قصفها الحوثيّون سابقًا (Getty)

مع تزايد التوتّرات في الشرق الأوسط، شهدت التجارة في البحر الأحمر، الّتي كانت تشكّل في السابق 10% من إجماليّ التجارة البحريّة العالميّة، تراجعًا تاريخيًّا مع تصاعد حرب الإبادة الجماعيّة التي تشنّها إسرائيل على غزّة.

ويعود انخفاض التجارة البحريّة إلى الهجمات الّتي تشنّها جماعة الحوثي في اليمن، وحسب الحوثيّين فإنّ تلك الهجمات تعدّ هجمات ضدّ السفن التجاريّة المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، إسنادًا لغزّة.

تكثّفت هذه الهجمات في كانون الأوّل/ديسمبر من العام الماضي، وجرّاء ذلك، قامت الغالبيّة من شركات الشحن التجاريّة الّتي كانت تستخدم البحر الأحمر ومضيق باب المندب سابقًا بتغيير مسارها، لتبحر حول رأس الرجاء الصالح، أقصى نقطة في جنوب إفريقيا. ومع ارتفاع أسعار التأمين على السفن والحمولة التجاريّة، انخفض إجماليّ عدد السفن العابرة للبحر الأحمر بنسبة 56% على أساس سنويّ حتّى سبتمبر/أيلول، وفقًا لبيانات شركة “مارين ترافيك” لتتبّع السفن وتحليلاتها البحريّة.

وتلقّى قطاع النقل البحريّ بالحاويات الضربة الأكبر بانخفاض بلغ 73% خلال نفس الفترة، بينما انخفضت حركة سفن الغاز الطبيعيّ المسال بنسبة 87%، والبضائع الجافّة بنسبة 54%، والبضائع الجافّة المختلطة بنسبة 37%. وفي الوقت نفسه، انخفضت حركة سفن الغاز البتروليّ المسال بنسبة 74%، وسفن الدحرجة بنسبة 78%، والبضائع السائبة الرطبة بنسبة 41%.

في فبراير/شباط ومارس/آذار من هذا العام، لم تمرّ أيّ سفن غاز طبيعيّ مسال عبر البحر الأحمر بسبب تصاعد الهجمات، وفي منطقة رأس الرجاء الصالح، ارتفعت حركة السفن بنسبة 76% في عام واحد، وارتفعت حركة سفن الحاويات بنسبة 420% كما ارتفعت حركة سفن البضائع الجافّة المختلطة بنسبة 157%، في حين ارتفعت حركة سفن البضائع السائبة الجافّة بنسبة 38%، وقفزت حركة سفن الغاز الطبيعيّ المسال بنسبة 400%، وزادت حركة سفن الغاز البتروليّ المسال بنسبة 138%، في حين ارتفعت حركة سفن الدحرجة بنسبة 350%، وسفن البضائع السائبة الرطبة بنسبة 77.5%.

وفي تصريح لوكالة الأناضول، قال يان هوفمان، رئيس الخدمات اللوجستيّة التجاريّة في منظّمة التجارة والتنمية التابعة للأمم المتّحدة، إنّ الهجمات على السفن التجاريّة في البحر الأحمر كشفت عن الأهمّيّة الحاسمة للتجارة البحريّة، الّتي تمثّل 80% من حجم التجارة العالميّة. وأضاف أنّ قناة السويس، الشريان الحيويّ للتجارة العالميّة، شهدت تحويل السفن حول رأس الرجاء الصالح بعد الهجمات في البحر الأحمر، وهو ما يزيد بشكل كبير من مسافات السفر والتكاليف المرتبطة بها.

وحسب هوفمان، فإنّ ناقلة النفط المتّجهة من ميناء رأس تنورة في السعوديّة إلى روتردام يجب أن تقطع مسافة أطول بنسبة 74% من المعتاد، في حين أنّ الحاوية الّتي يتمّ شحنها من سنغافورة إلى نفس الميناء الهولنديّ تتطلّب رحلة أطول بنسبة 42%، مشدّدًا على أهمّيّة قناة السويس للتجارة البحريّة والتجارة الخارجيّة لبعض الدول، إذ تعتمد الكثير من الدول على قناة السويس مثل جيبوتي بنسبة 31% من تجارتها و15% بالنسبة لكينيا و 7% بالنسبة لألمانيا مثلًا.

يأتي التوتّر في البحر الأحمر مع وانخفاض التجارة؛ بسبب الأزمة الأوكرانيّة الروسيّة وانخفاض قدرة قناة بنما لعدّة أسباب منها الجفاف ونقص المياه وارتفاع تكاليف المرور من القناة وتأخير وتكدّس السفن بسبب نقص المياه، ليتسبّب ذلك برفع أسعار الشحن والتأمين بشكل كبير خصوصًا بالنسبة للسلع الأساسيّة مثل النفط والحبوب، والّتي تتطلّب قطع مسافات شحن أطول.

وحسب تصريح يوانيس باباديميتريو، كبير محلّلي الشحن في فورتيكسا “مشغّلي الناقلات اختاروا السفر لمسافات أطول من المحيط الهادئ إلى حوض الأطلسيّ عبر رأس الرجاء الصالح بدلًا من قناة السويس، خوفًا من الضربات الصاروخيّة الّتي بدورها زادت من متطلّبات الشحن؛ ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار شحن الناقلات بشكل كبير”. مشيرًا إلى أنّ أسعار شحن الناقلات الّتي تحمل الديزل من الشرق الأوسط إلى أوروبا ارتفعت بنسبة 60% في المتوسّط ​​بين العام الماضي وهذا العام.

المضائق البحريّة الرئيسيّة

المضائق والقنوات البحريّة تعدّ من أهمّ طرق التجارة البحريّة، وعلى رأس تلك القنوات تأتي قناة السويس. تعدّ القناة من أهمّ طرق التجارة العالميّة، إذ تربط قناة السويس بين البحر الأبيض المتوسّط والبحر الأحمر تسمح للسفن باختصار رحلة طويلة جدًّا حول أفريقيا. حسب الإحصاءات، يمرّ حوالي 19,000 سفينة عبّر قناة السويس سنويًّا، حاملة ما يقارب 12% من إجماليّ التجارة العالميّة، وتحقّق مصر حوالي 7 مليارات دولار سنويًّا من رسوم عبور السفن. القناة المائيّة الثانية هي قناة بنما، وتعدّ من القنوات المائيّة الرئيسيّة، وتمثّل حوالي 5% من إجماليّ التجارة البحريّة العالميّة، ويمرّ عبر قناة بنما حوالي 14,000 إلى 15,000 سفينة سنويًّا لتحقّق اإيراداتتقدّر بـ 2.5 مليار دولار أميركيّ.

المضائق البحريّة على الجانب الآخر تمثّل جزءًا أساسيًّا في التجارة البحريّة العالميّة. مضيق هرمز، الّذي يربط الخليج العربيّ ببحر العرب والمحيط الهنديّ يعتبر ممرًّا حيويًّا ومهمًّا لنقل البضائع، والنفط خاصّة، من أكبر منتجي النفط في الخليج إلى الأسواق العالميّة. ويمرّ حوالي 20-30% من إمدادات النفط العالميّة المنقولة بحريًّا عبر مضيق هرمز، بما يعادل 17-18 مليون برميل يوميًّا، وتمرّ حوالي 20 إلى 30 ناقلة نفط وسفينة شحن بشكل يوميّ من المضيق. مضيق ملقا الّذي يقع بين ماليزيا وإندونيسيا، ويربط بحر الصين الجنوبيّ بالمحيط الهنديّ، يعدّ طريقًا رئيسيًّا أيضًا لحركة التجارة بين شرق آسيا وأوروبا. ويعدّ المضيق من أكثر الممرّات ازدحامًا، إذ يمرّ عبره ما يزيد عن 100,000 سفينة سنويًّا. وتمرّ حوالي 25% من التجارة العالميّة عبر المضيق مثل النفط والغاز والبضائع. مضيق جبل طارق يربط البحر الأبيض المتوسّط بالمحيط الأطلسيّ، ويعتبر أيضًا ممرًّا حيويًّا لحركة التجارة بين أوروبا وأفريقيا والأمريكتين، يمرّ عبر المضيق أكثر من 60,000 سفينة سنويًّا، ويمثّل المضيق ممرًّا رئيسيًّا للتجارة بين أوروبا مع أفريقيا والأميركيّتين.

طرق التجارة الأخرى تتمّ من خلال البحار والمحيطات مثل المحيط الأطلسيّ الّذي تمرّ خلاله التجارة بين أوروبا والأميركيّتين. ويعتبر المحيط الأطلسيّ من أهمّ طرق التجارة البحريّة حيث يتمّ نقل العديد من البضائع مثل النفط والحبوب. يمرّ من المحيط الأطلسيّ حوالي 30% من التجارة البحريّة العالميّة مثل النفط والحبوب والبضائع بين أمريكا الشماليّة وأوروبا. في المرتبة الثانية يأتي المحيط الهادئ الّذي تمرّ من خلاله التجارة بين آسيا وأمريكا الشماليّة، ويشهد المحيط الهادئ حركة كثيفة للتجارة بين الصين واليابان وكوريا الجنوبيّة مع الولايات المتّحدة وكندا. وأخيرًا يمرّ عبر البحر الأحمر ما يقرب من 7% من التجارة البحريّة العالميّة، وينقل عبره نحو 6.2 مليون برميل من النفط يوميًّا.

التحدّيات الحاليّة

بحسب عملاق النقل والدعم اللوجستيّ شركة “مولر ميرسك” الدنماركيّة، بعد أكثر من سبعة أشهر من بدء الأزمة في البحر الأحمر، لا يزال التأثير على الشحن البحريّ وسلاسل التوريد العالميّة يتزايد بشكل كبير. وفي بيان للشركة قالت ميرسك إنّ “السفن ستضطرّ إلى إكمال رحلاتها حول رأس الرجاء الصالح”. ويشير المدير التنفيذيّ السابق للشركة، أنّ ميرسك لن تعود إلى الإبحار عبر البحر الأحمر وخليج عدن إلّا عند ضمان سلامة البحّارة والسفن والبضائع. وقال إنّه بمجرّد التوصّل إلى حلّ، يمكن للسفن العودة إلى الإبحار في مساراتها المعتادة عبر قناة السويس. وحذّر كليرك من أنّه ستكون هناك فترة تصل فيها السفن الّتي تسلك هذه المسارات المختلفة إلى الموانئ في أوقات مماثلة، وتوقّع أن يتسبّب هذا في ازدحام في الموانئ، قبل العودة إلى سيناريو أكثر استقرارًا.

وبحسب منظّمة الموانئ الأوروبّيّة، فإنّ موانئ أوروبا تؤكّد مخاوفها القويّة بشأن هذا الوضع المتصاعد، والّذي يتسبّب أيضًا في حدوث اضطرابات مهمّة في سلسلة التوريد ومخاطر تعيق عمليّات التسليم في الوقت المناسب لبعض الصناعات في الأمد القريب.

يقول زينو داجوستينو، رئيس منظّمة الموانئ الأوروبّيّة “في حالة السفينة إيفر جيفن، واجهنا حادثًا مؤسفًا، وكان الحلّ يعتمد على الخبرة الفنّيّة والتشغيليّة. ولكن الآن نحن نواجه عائقًا جيوسياسيًّا لطريق تجاريّ رئيسيّ؛ ممّا يجعل حلّ المشكلة أكثر صعوبة، ولا يمكن التنبّؤ بها.

أبعاد الأزمة ألقت بظلالها على عدّة دول، فبحسب وكالة رويترز، أوقفت شركتا “تسلا” و “فولفو كار” الإنتاج مؤقّتًا في أوروبا؛ بسبب نقص المكوّنات الناتج عن الهجمات على الشحن في البحر الأحمر. يأتي هذا في الوقت الّذي تعمل فيه الشركات على إعادة توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح لمنع الاعتداءات على كلّ من السفينة وطاقمها، وهو ما يخشاه المشغلون. ولكنّ إعادة التوجيه قد تؤدّي إلى تمديد الرحلة من آسيا إلى أوروبا لمدّة تتراوح بين 8 و15 يومًا، وإضافة 3000 إلى 3500 ميل بحريّ (6000 كيلومتر) إضافيّة إلى المسار الحاليّ.

من جهتها، أصدرت هيئة الملاحة البحريّة في جزر البهاماس إشعارًا جديدًا للأمن البحريّ لإبلاغه عن عمليّات عبور البحر الأحمر بأنّها تعتبر حاليًّا “عالية الخطورة”. وتوصي هيئة الملاحة البحريّة السفن باستخدام ممرّ العبور الأمنيّ ​​البحريّ MSTC، وهو ممرّ عسكريّ تمّ إنشاؤه لتركّز القوّات البحريّة جهودها فيه لحماية الملاحة.

ردود الفعل الدوليّة على الأزمة في البحر الأحمر أتت على شكل تعزيز الوجود العسكريّ عن طريق نقل قطع بحريّة أميركيّة وفرنسيّة وبريطانيّة لمحاولة التصدّي للهجمات الحوثيّة. ويتمّ التنسيق بين تلك الدول استخباراتيًا للعمل بشكل مشترك. وقامت دول مثل الولايات المتّحدة بفرض عقوبات على القادة الحوثيّين المسؤولين عن هذه الهجمات. من جهة أخرى وبسبب ارتفاع أسعار التأمين بشكل قياسيّ قامت شركات التأمين بالتعاون مع الحكومات لتعزيز تغطية تأمين السفن البحريّة وناقلات النفط وتوفير ضمانات ماليّة للشركات الناقلة في محاولة للضغط باتّجاه استمرار الملاحة البحريّة.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *