شهادات مروعة من داخل معازل الموت والتعذيب
على مدار الأشهر الماضية، تنتشر عشرات الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي التي توثق الأوضاع الصعبة التي يخرج بها المعتقلون من سجون الاحتلال الإسرائيلي. جميعهم يخرجون في هيئات متشابهة، بشعور رؤوسهم ولحاهم الكثيفة، وبأجساد ضئيلة، ووجوه شاحبة، ويعانون أمراضا وظروفا صحية صعبة.
مرشد الشوامرة من بلدة الرام شمال القدس المحتلة، أحد المعتقلين الذين أفرج عنهم مؤخرا من سجون الاحتلال في ظروف صعبة كغيره من المعتقلين.
يروي الشوامرة في حديثه لوكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” تفاصيل مروعة عن الفترة الأخيرة التي قضاها في سجون الاحتلال، حيث أمضى 16 شهرا بين سجني “النقب” و”ريمون”، كان أصعبها الأشهر التي أعقبت بدء العدوان على قطاع غزة قبل عام.
انتهاكات غير مسبوقة
يقول الشوامرة الذي تعرض لتجربة السجن والاعتقال خمس مرات سابقة إنه لم يشهد ظروفا أخطر مما شهده في تجربته الاعتقالية الأخيرة، حيث انتهجت إدارة سجون الاحتلال فيها سياسات تعسفية غير مسبوقة، وتعرض خلالها المعتقلون لأعمال تنكيل هي الأصعب لدرجة استشهاد العديد منهم جراء ذلك.
ويؤكد أن تصاعد الممارسات العنصرية بحق المعتقلين بدأ قبل بداية العدوان على قطاع غزة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث كان الوزير المتطرف إيتمار بن غفير يقتحم السجون بشكل دوري ويهدد المعتقلين، لكنه استغل ظروف العدوان وحرب الإبادة لتنفيذ مخططاته العنصرية والفظائع بحق المعتقلين.
يشير الشوامرة إلى أنه في اليوم التالي لاندلاع العدوان على قطاع غزة تم اقتحام الأقسام وغرف المعتقلين بشكل وحشي، وتم الاستيلاء على كل متعلقاتهم الشخصية من ملابس وغيرها، بالإضافة إلى مصادرة أجهزة التلفاز والمذياع وغيرها من الأدوات داخل السجون، كما أوقفت سلطات الاحتلال زيارات الأهالي والصليب الأحمر بشكل كامل، فضلا عن تقييد زيارات المحامين.
يضيف: بعد ذلك اليوم لم نكن نعلم أي شيء عن العالم الخارجي ولا عن عائلاتنا وأهالينا، كما أننا تعرضنا لعمليات تعذيب وحشية لم يسبق لها مثيل، معتبرا أن إدارة السجون تسعى من خلال ذلك لقتل المعتقلين تماشيا مع مخططات بن غفير.
ويتابع: لم تترك إدارة السجون أي نوع من الجرائم إلا وارتكبته بحق المعتقلين ابتداء من الضرب، والتعذيب، والتجويع، كما أنها ذهبت إلى أبعد حدود الانتهاكات عندما مارس الضباط عمليات تدريب بالذخائر الحية داخل الأقسام وبين المعتقلين.
كما يشير الشوامرة إلى أنهم تعرضوا للتجويع الشديد، فإدارة السجون كانت تقدم لهم كميات ضئيلة جدا من الطعام لا تتعدى في مجموعها نصف كوب من الأرز على مدار اليوم.
الضرب بهدف القتل
وعن عمليات الضرب والتنكيل، أكد أن السجانين كانوا يضربون المعتقلين بشكل وحشي بالهراوات الحديدية بقصد القتل، مشيرا إلى أنه تعرض في أحد الأيام لعمليات ضرب شديدة بالهراوات الحديدية من ثمانية سجانين مجتمعين، وهو ما أدى إلى إصابته بكسور شديدة في قفصه الصدري، مؤكدا أنه لم يقدم له أي علاج بعد تعرضه للإصابة البليغة وبقي لا يقوى على الحركة لفترة طويلة.
يستذكر الشوامرة واحدة من أصعب الحالات التي حدثت في القسم الذي كان محتجزا فيه في سجن “النقب”، وهي حادثة استشهاد الأسير ثائر أبو عصب في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 والذي تعرض للضرب حتى الموت من السجانين لمجرد أنه سأل أحد السجانين إن كانت هناك هدنة مرتقبة في غزة، وبعد استشهاده أبقاه السجانون ملقى على الأرض لساعتين قبل نقله.
روايات كثيرة وتفاصيل مرعبة عن الانتهاكات بحق المعتقلين التي ليس لها نهاية، وفقا للشوامرة، مشيرا إلى أن من أقسى ما عاناه المعتقلون داخل السجون خلال العام الأخير هو انعدام النظافة الشخصية وما تبعها من تفشي لأمراض جلدية بين المعتقلين ومنها مرض السكابيوس (الجرب)، وذلك بسبب قطع المياه عن الحمامات في السجون، وعدم إدخال أدوات النظافة الشخصية والمنظفات، فضلا عن عدم قدرة المعتقلين على تنظيف ملابسهم وغسلها كما يجب، فكل أسير بعد مصادرة ملابسه بقي لديه غيار واحد أو اثنان كأقصى حد، يعمل على غسلها يدويا دون منظفات وارتدائها وهي رطبة دون تجفيف.
يؤكد الشوامرة أنه وجميع المعتقلين في قسمه لم يستحموا على مدار شهر كامل مع بداية العدوان على غزة، حيث عملت إدارة السجون على قطع المياه عن الحمامات في السجون، وبعد شهر بدأت مصلحة السجون بتشغيل المياه لمدة قصيرة جدا في اليوم، كما أن المعتقلين كانوا يؤجلون قضاء الحاجة لحين توافر المياه، وهو ما أدى لمضاعفات صحية لديهم، عدا عن أنهم لا يتمكنون من الاستحمام سوى مرة كل تسعة أيام لمدة لا تتجاوز ثلاث دقائق بالماء فقط دون مواد تنظيف وعناية.
يقول الشوامرة: في القسم الذي كنت فيه في سجن “ريمون” تفشى مرض الجرب وغيره من الأمراض الجلدية، ووصلنا إلى مراحل خطيرة، كما أننا أمضينا الفترة الأخيرة لا يتحرك فينا سوى أعيننا أنا وجميع المعتقلين معي في الغرفة بسب حالة الإعياء الشديد الناتجة عن سوء التغذية ومضاعفات المرض التي أدت إلى نحول شديد وظهور طفح وتسلخات وتقيحات شديدة أشبه بالحروق على أجسادنا.
خرج الشوامرة في نهاية المطاف من السجن محملا بمضاعفات صحية صعبة قد يطول علاجها، حيث فقد أكثر من 20 كيلوغراما من وزنه، كما أن نسبة دمه انخفضت بشكل كبير، فضلا عن الالتهابات الشديدة التي يعاني منها، والمشاكل في الكلى.
وفي واحدة من أفظع الحالات التي تجسّد حجم الإجرام والتنكيل الذي تعرض له المعتقلون داخل السجون قصة الشهيد فاروق الخطيب من قرية أبو شخيدم شمال غرب رام الله، والذي استشهد في شهر أيار/ مايو الماضي بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال بعدة أشهر أمضاها في المستشفيات.
يؤكد حسام الخطيب شقيق الشهيد فاروق لـ”وفا” أن شقيقه اعتقل في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي قبل شهرين من العدوان على غزة، وفي حينها كان ذا بنية قوية وبصحة جيدة ولم يكن يعاني من أي أمراض.
يضيف أنه مع بدء إجراءات التنكيل بحق المعتقلين في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأثناء تواجده في قسم “المعبار” داخل سجن “الرملة” خلال نقله من سجن “عوفر” إلى سجن “نفحة”، تعرض للضرب المبرح من قوات القمع “النحشون” على معدته وأمعائه، ما أدى لإصابته بآلام مزمنة وأعراض خطيرة.
خلال شهرين كاملين منذ إصابته ظل الخطيب يعاني تدهورا متزايدا في وضعه الصحي تمثل بانسداد الأمعاء، ما أدى إلى انتفاخات شديدة في أمعائه، وفي المقابل نزل وزنه بشكل كبير من 75 إلى 22 كيلوغراما في فترة قياسية، بعد ذلك تم نقله إلى عيادة سجن “الرملة” ومن هناك إلى مستشفى “سوروكا” في بئر السبع.
يؤكد شقيقه أنه تعرض لمعاملة قاسية في عيادة سجن “الرملة” وكذلك في مستشفى “سوروكا”، حيث شخّص هناك بأنه مصاب بالسرطان، ورغم ذلك كان مكبل اليدين، كما تعرض للاعتداء والمعاملة القاسية حتى من الأطباء والممرضين، وفقا لما رواه لهم بعد خروجه.
ويرى الخطيب أن شقيقه فاروق تعرض للقتل الطبي، حيث أجريت له عملية جراحية فتح خلالها جسده من صدره حتى أسفل البطن، معتبرا أن هذه العملية كانت أشبه بالسلخ وهي أبعد ما تكون عن كونها إجراء طبيا، حيث عانى على إثرها من مضاعفات أكبر وتدهورت حالته الصحية وبقي يعاني لحين استشهاده.
العام الأصعب الذي مر على المعتقلين لم يقل صعوبة على ذويهم، الذين انقطعت عنهم أخبار أبنائهم نهائيا. تظهر صعوبة هذا الوضع من منشور على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” كتبته مواطنة من محافظة جنين بعد انتشار فيديو مسرّب لعمليات التنكيل بالمعتقلين داخل سجن “مجدو” مطلع شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أشارت فيه إلى أنها منذ اعتقال شقيقها منذ عام لم تعرف شيئا هي وعائلتها عن أحواله لحين رؤيته في حالة مزرية من خلال الفيديو المسرّب لعمليات التنكيل بالمعتقلين.
في هذا السياق، يؤكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس أن واقع المعتقلين بعد العدوان على غزة تحول من واقع صعب إلى واقع أصعب وأخطر، لدرجة أن استمرار هذا الوضع يهدد حياة المئات بل الآلاف من المعتقلين.
ويشير إلى أن سلسلة الانتهاكات والعقوبات التي اتخذتها إدارة السجون بحق المعتقلين منذ عام لها انعكاساتها وتأثيراتها الكبيرة جدا على حياتهم داخل السجون، كما تمتد تبعاتها عليهم حتى بعد خروجهم من السجن بمضاعفات وأمراض خطيرة.
ومن أبرز الانتهاكات التي تم توثيقها بهذا الصدد: التجويع، والإهمال الطبي، والتعذيب، والاعتداءات بمختلف أشكالها، ويضاف إلى كل هذه الانتهاكات، انقطاع كامل للأسرى عن العالم الخارجي، ومنع زيارات الأهالي والصليب الأحمر لهم، وتقييد كبير على زيارات المحامين وعرقلتها.
وأوضح فارس أنه نتيجة لكل هذه الإجراءات ازدادت أعداد المعتقلين الذين يتعرضون لمخاطر كبيرة على حياتهم، كما ازدادت أعداد الشهداء المعتقلين بشكل غير مسبوق وغالبيتهم بسبب التعذيب الشديد والضرب فضلا عن الإهمال الطبي الممنهج، حيث تم توثيق استشهاد 25 أسيرا داخل السجون، من المعتقلين المعروفة أسماؤهم وأماكن اعتقالهم.
جريمة الإخفاء القسري
في حين هناك أعداد كبيرة غير معلومة من معتقلي قطاع غزة الذين يتعرضون لجريمة الإخفاء القسري في السجون والمعسكرات، وحتى الآن لا معلومات دقيقة عن أعدادهم أو عدد الشهداء منهم الذي قد يكون بالمئات بسبب جرائم الإعدامات الميدانية والتعذيب بعد الاعتقال.
وحول خطورة جريمة الإخفاء القسري التي يرتكبها الاحتلال بحق آلاف المعتقلين من قطاع غزة، أوضح فارس أن الخطورة تكمن في عدم وجود أي معلومات عن أعداد هؤلاء المعتقلين أو هوياتهم أو مصيرهم، فالإخفاء القسري والذي يصنف في الشرائع والقوانين الدولية على أنه جريمة ضد الإنسانية، يتيح للاحتلال ارتكاب جرائم بحق المعتقلين دون رقيب أو حسيب.
وحول ازدياد أعداد المعتقلين الشهداء، أكد فارس أن ذلك يحمل مؤشرات في منتهى الخطورة، بسبب الاستخدام الممنهج للتعذيب داخل السجون، بالإضافة إلى التنكيل والإهمال الطبي بقصد القتل.
كما أن مخاطر التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي تمتد لتشمل حياة المئات من المعتقلين الذين قد يرتقون شهداء نتيجة استمرار هذه الإجراءات داخل السجون، أو نتيجة مضاعفاتها وتبعاتها حتى بعد خروجهم.
وحمّل فارس المسؤولية للمؤسسات الدولية والمجتمع الدولي الذي أثبت عجزه عن كبح جماح الاحتلال وإلزامه بتطبيق الشرائع والقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الأسرى، كما أن هذه المؤسسات والدول لم تتخذ أي إجراءات أو قرارات من شأنها وضع حد لذلك، وهذا عمليا شجّع الاحتلال على الاستمرار في جرائمه.
امتداد لجرائم الإبادة الجماعية
بدوره، يشير رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبد الله الزغاري إلى أن وتيرة الاعتقالات في ظل العدوان والإبادة الجماعية ارتفعت بشكل غير مسبوق، وشملت مختلف فئات المجتمع من مختلف الفئات العمرية، لدرجة أن عدد المعتقلين داخل السجون وصل إلى الضعف خلال عام واحد فقط.
ويؤكد أن ما يجري من انتهاكات خطيرة وغير مسبوقة بحق المعتقلين داخل السجون هو امتداد للإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال بحق شعبنا، حيث تحولت السجون إلى معازل تفتقد لمقومات الحياة الإنسانية بعد تجريد المعتقلين من كامل حقوقهم الإنسانية، بالإضافة إلى عزلهم بشكل كامل عن العالم الخارجي وحرمانهم من زيارات الأهالي، وتزامنا مع ذلك ممارسة الإهمال الطبي والتعذيب والتنكيل الممنهج المؤدي إلى القتل، وهذا ما يفسر ارتفاع عدد الشهداء في صفوف المعتقلين.
واعتبر أن هذا العام هو الأقسى على الحركة الأسيرة منذ عقود، وأصبحت ظروف الاحتجاز والاعتقال خلاله في منتهى الخطورة، تمثلت بتحويل السجون والمعتقلات إلى مراكز لعمليات الانتقام والعقاب الجماعي التي تنفذها إدارة السجون بتعليمات من القيادات السياسية وعلى رأسهم الوزير المتطرف بن غفير، مع العلم أن هذه الاعتداءات ترقى لكونها جرائم بحق الإنسانة.
وأكد الزغاري أن بن غفير قبل الحرب كان يسعى للانقضاض على حقوق المعتقلين، واستغل ظروف العدوان وحرب الإبادة لتنفيذ مخططاته القمعية، بالإضافة إلى الانقضاض على كافة الحقوق التي حققها المعتقلون خلال سنوات بتضحيات عظيمة.
وأوضح أن بن غفير يعمل ويسعى لتمرير العديد من القوانين والتشريعات العنصرية مستغلا الظروف الراهنة، معتبرا أن قانون إعدام المعتقلين واحد من القوانين التي يسعى بن غفير لإنفاذها، مؤكدا أنه يعمل على سن وعرض مثل هذه التشريعات في إطار التنافس الحزبي داخل إسرائيل.
وأضاف: بكل حال الاحتلال يمارس الإعدام بحق المعتقلين خارج نطاق القانون، من خلال عمليات التعذيب والتنكيل والإهمال الطبي الممنهج.
ويعتبر الزغاري أن من أخطر الملفات فيما يتعلق بالمعتقلين حاليا هو ملف معتقلي غزة الذين يمارس الاحتلال جريمة الإخفاء القسري بحقهم ولا معلومات كافية عنهم وعن ظروف احتجازهم.
وأكد أن كل ما وصل حتى الآن من معلومات شحيحة يشير إلى واقع سوداوي وجرائم ضد الإنسانية تنفّذ بحقهم، وهذا يتضح من الشهادات التي خرجت من معسكر “سدي تيمان” من خلال أحد المحامين الذي تمكن من زيارته ونقل شهادات مروعة عن عمليات تعذيب وحشية وأعمال اغتصاب فردي وجماعي بأساليب مروعة، فضلا عن عمليات بتر الأطراف وغيرها من الممارسات التي تعتبر جرائم ضد الإنسانية وفقا للقانون الدولي.
جرائم بحق المعتقلين والجرحى
كما أوضحت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، في بيان مشترك نشر مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري أن “سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومنذ بدء حرب الإبادة صعدت من عمليات اعتقال الجرحى، سواء من أُصيب قبل اعتقاله بمدة أو من أُطلق عليه النار خلال عملية اعتقاله، كما وصعدت من عمليات الإعدام الميداني خلال حملات الاعتقال المستمرة والمتصاعدة بشكل غير مسبوق”.
وأضافت الهيئة والنادي أن “الاحتلال يحتجز العشرات من الجرحى داخل السجون في ظروف قاسية جدا ومأساوية، حيث تمارس إدارة السجون جملة من الجرائم بحقهم، أبرزها الجرائم الطبية، عدا عن أنها حولت إصابات المعتقلين إلى أداة للتنكيل بهم، وتعذيبهم”.
كما وثقت مؤسسات الأسرى مؤخرا جرائم ارتكبتها سلطات الاحتلال بحق المصابين المعتقلين، ومنها جريمة إعدام الشهيد عبد الحكيم مأمون شاهين (33 عاما) من مدينة نابلس، مطلع شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري بعد إطلاق النار عليه، ومنع الطواقم الطبية من علاجه واعتقاله بوضع صحي خطير، ثم أبلغ الاحتلال عن استشهاده لاحقا، واحتجاز جثمانه.
كما استشهد المعتقل وليد أحمد خليفة (30 عاما) من مخيم العين في نابلس خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي بعد ساعات على اقتحام منزل عائلته، وإطلاق النار عليه واعتقاله.
انتهاكات خلال زيارات المحامين
فيما تطرق مدير الدائرة القانونية في هيئة شؤون الأسرى والمحررين المحامي جميل سعادة إلى ظروف زياراتهم كمحامين للأسرى مؤخرا، التي تشهد جملة من الانتهاكات والمخالفات للقوانين الدولية التي تكفل للأسير الحق بلقاء المحامين بشكل دوري وبسرية تامة.
وأضاف أن زياراتهم كمحامين للأسرى في بداية العدوان انقطعت شهرين كاملين، ولاحقا تم السماح بها لكن بقيود شديدة، ويحدث خلالها انتهاكات عديدة بحق المحامين والمعتقلين، وفي كثير من الأحيان بعد وصول المحامين لأبواب السجون يتم إلغاء الزيارات وإعادتهم دون تمكينهم من لقاء المعتقلين.
وعن ظروف التقاء الأسير مع المحامي، يؤكد سعادة أن الكثير من المعتقلين يتعرضون للضرب خلال توجههم للزيارة، كما أنهم يتعرضون لتهديدات شديدة حتى لا يخبروا المحامي بما يتعرضون له من انتهاكات وأعمال تنكيل وتعذيب.
ويضيف: “نلتقي مع الأسير من خلف الزجاج ونكلمه عبر خط هاتفي. عدد كبير من المعتقلين كانت تظهر عليهم علامات ضرب وتعذيب حديثة، وعند سؤالهم يمتنعون عن الحديث نهائيا بسبب التهديدات من السجانين الذين يقفون إلى جوار الأسير خلال الزيارة”.
أرقام مقلقة
ووفقا لآخر الإحصائيات الصادرة عن مؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، نادي الأسير الفلسطيني، مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان) حول حملات الاعتقال من الضفة الغربية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فإن حصيلة الاعتقالات بلغت أكثر من 11 ألف حالة اعتقال في الضفة بما فيها القدس المحتلة، وهذه الإحصائية تشمل من أفرج عنهم لاحقا ومن تم الإبقاء على اعتقالهم.
وأكدت أن “هذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزة، علما أنّ الاحتلال اعترف أنه اعتقل أكثر من 4500 مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أن الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا متواجدين في الضفة بهدف العلاج”.
كما بلغت حصيلة حالات الاعتقال من النساء نحو حالة 420 (تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من أراضي الـ48، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء من غزة وجرى اعتقالهن من الضفة)، ولا يشمل هذا المعطى أعداد النساء اللواتي اعتقلن من داخل غزة، ويقدّر عددهن بالعشرات.
فيما بلغ عدد المعتقلين الأطفال من الضفة 740 معتقلا طفلا، فضلا عن اعتقال 108 صحفيين تبقى منهم رهن الاعتقال 59 صحافيا، ومن بينهم 7 صحافيات.
كما بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة، أكثر من 8872 أمرا ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد.
وتشير مؤسسات الأسرى إلى أن “ما لا يقل عن 25 أسيرا استشهدوا في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا لعمليات إعدام ميداني”.
وبلغ إجمالي أعداد المعتقلين في سجون الاحتلال حتى بداية أيلول/ سبتمبر 2024 أكثر من 9900 أسير، فيما يبلغ عدد المعتقلين الإداريين منهم 3323 معتقلا، كما ويبلغ عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة بـ(المقاتلين غير الشرعيين) الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال 1612، علما أن هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة، وتحديدا من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
كما يبلغ عدد الأسيرات المعلومة هوياتهن 98 أسيرة، وهذا العدد لا يشمل كافة الأسيرات من غزة، فقد تكون هناك أسيرات في المعسكرات التابعة للاحتلال، فيما يبلغ عدد الأطفال داخل السجون حوالي 250 طفلا.
وأوضح التقرير أن إجمالي عدد المعتقلين في السجون قبل السابع من أكتوبر كان 5250 أسيرا، منهم 40 أسيرة، و170 طفلا، ونحو 1320 معتقلا إداريا.
سياسة ممنهجة
كما نشر مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم) في شهر تموز/ يوليو الماضي تقريرا بعنوان (أهلا بكم في جهنم) وجمع خلاله شهادات مروعة عن أوضاع المعتقلين داخل سجون الاحتلال.
يوضح التقرير أن “السياسة الجديدة يجري تطبيقها في جميع مرافق الحبس وتسري على جميع المعتقلين الفلسطينيين وترتكز أساسا على التعنيف الجسدي والنفسي الشديد والمتواصل، ومنع العلاج الطبي، والتجويع، والحرمان من الماء، والحرمان من النوم، ومصادرة جميع المتعلقات الشخصية وغير ذلك”.
ويضيف التقرير: “أحد المقاييس التي تدل بوضوح على خطورة الوضع وعمق الانحطاط الأخلاقي في مرافق الحبس هو عدد المعتقلين الفلسطينيين الذين لاقوا حتفهم أثناء احتجازهم لدى إسرائيل”.
ويؤكد التقرير: “منذ السابع من أكتوبر طرأ ارتفاع ملحوظ في وتيرة وشدة العنف المنظم الذي استخدمته سلطات السجون ضد المعتقلين الفلسطينيين. تكشف إفادات الشهود عن عنف جسدي وجنسي ونفسي وكلامي كان يستخدم بتعسف وعشوائية جعلت المعتقلين طوال الوقت تحت التهديد”.
كما تعتبر (بتسيلم) أن “حجم العنف الذي كشفته إفادات الشهود يوضح أن التنكيل لم يكن عشوائيا ولا حدثا موضعيا وإنما ترجمة لسياسة هيكلية اتبعت مع المعتقلين وكان العنف جزءا لا يتجزأ منها”.
وتنوه (بتسيلم): “لم تبدأ قصة مشروع السجن الإسرائيلي في 7 أكتوبر أو بتعيين إيتمار بن غفير وزيرا للأمن القومي، بل إن جذوره أعمق بكثير… يشكل نظام السجن الإسرائيلي إحدى آليات التحكم والقمع التي يستخدمها نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ضمن مسعاه لحفظ التفوق اليهودي في المنطقة… طوال عشرات السنين لجأت إسرائيل إلى سجن مئات آلاف الفلسطينيين بشتى طبقاتهم وشرائحهم السكانية لكي تضعف وتمزق النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني… ووفقا لتقديرات مختلفة، سجنت إسرائيل منذ عام 1967 أكثر من 800 ألف فلسطيني وفلسطينية من الضفة الغربية (بما في ذلك شرقي القدس) وقطاع غزة، أي نحو 20% من مجمل السكان، ونحو 40% من الرجال الفلسطينيين”.
المصدر: عرب 48