Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

صدور الطبعة الثانية من “اللاهوت السياسي” عن المركز العربي

يناقش الكتاب علاقة السيادة والحكم باللاهوت، الذي قرنه شميت بالسياسة وأورده في الجزء الأول موصوفًا بها (اللاهوت السياسي)، وكذا الرد على مقولات إريك بيترسون (Erik Peterson)‎ الذي قال بنهاية اللاهوت السياسي وتفنيدها.

المركز العربي يصدر الطبعة الثانية من ترجمة كتاب “اللاهوت السياسي”

صدرت عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الطبعة الثانية من ترجمة كتاب اللاهوت السياسي (Politische Theologie)، وهو من تأليف الفيلسوف السياسي الألماني المثير للجدل كارل شميت (Carl Schmitt) وترجمة رانية الساحلي وياسر الصاروط.

تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”

وكان المركز قد أصدر في عام 2018 الطبعة الأولى لترجمة الكتاب الصادر بالألمانية من جزأين، صدر الأول عام 1922 بعنوان أربعة فصول عن مفهوم الحكم (Vier Kapitel zur Lehre von der Souveränität)، والثاني عام 1970، بعنوان أسطورة إنهاء كل لاهوت سياسي (Die Legende von der Erledigung jeder Politischen Theologie). يناقش الكتاب علاقة السيادة والحكم باللاهوت، الذي قرنه شميت بالسياسة وأورده في الجزء الأول موصوفًا بها (اللاهوت السياسي)، وكذا الرد على مقولات إريك بيترسون (Erik Peterson)‎ الذي قال بنهاية اللاهوت السياسي وتفنيدها. يقع الكتاب في 224 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.

شميت الفيلسوف المثير للجدل

أثّرت أفكار كارل شميت في نظريات السياسة والقانون والفلسفة واللاهوت السياسي. وباطِّلاع كاشف على هذه الأفكار تستوقف القارئ جدليتها وخروجها عن المألوف، فهو كان عضوًا غير عادي في الحزب النازي، حتى لُقِّب بـ”تاج رجال القانون في الرايخ الثالث”، وشارك في إحراق كتب اليهود ونادى بتطهير أوسع للمؤلَّفات المتأثرة بأفكار يهودية، وبرر في محاضراته بجامعة برلين دكتاتورية الفوهرر، ونشر في الجريدةالحقوقية النازية (Deutsche Juristen Zeitung) مقالة “القائد يحمي القانون” التي بررت الاغتيالات السياسية التي قام بها هتلر داخل حزبه، وكان يقدِّم نفسه دومًا “مُعاديًا جذريًّا للسامية”، ويطالب بتطهير القانون الألماني من “الروح اليهودية”.

الدائرة تدور على شميت

انقلبت قوة الصدم النازية على شميت بعد أن اتهمته بالوصولية، وبأنه هيغلي الفكر وكاثوليكي في العمق، وبأن لاساميته مجرد ادّعاء، مُبْرِزةً كتابات سابقة له ينتقد فيها عنصرية الفكر النازي، كما قبضت القوات الأميركية على شميت في نهاية الحرب العالمية الثانية، وكاد يُحاكم في نورنبرغ، لولا عدم ثبوت أي تهمة جرمية في حقه، فأُطلق سراحه بعد أن أمضى أكثر من سنة في معسكر اعتقال، لكنه جُرِّد من وظائفه بسبب ماضيه النازي ومعارضته الحلفاء في سياستهم اجتثاث النازية، فكانت ضارّةً نافعة؛ إذ تابع بحوثه المتعلقة بالقانون الدولي، فنشر الجزء الثاني من اللاهوت السياسي.

الجامع في فكر شميت

صُنف فكر شميت نازيًّا، قوميًّا، متعصبًا، عنصريًّا، مناهضًا للتعددية والليبرالية، محتقرًا للديمقراطية البرلمانية، خصمًا لدولة القانون، مؤيدًا للاستبداد، ديكتاتوريًّا، يسم مُعارضَه بـ “العدو الوجودي”، معجبًا بالفاشية الإيطالية، متشائمًا من الأفكار التقدمية والتطور التقني، رافضًا طرائق التفكير “المحايدة قِيَميًّا” و”سلبية الحركات المضادة للرأسمالية”، معجبًا بشدة بدونوسو كورتيس (Donoso Cortés) الذي يكنّ نوعًا من الاحتقار للبشرية، مفضِّلًا النظام السياسي الذي يضعه أصحاب عرق محدد على القانون (الأيديولوجيا التي استقتها النازية من أفكار إرنست موريتز أرنت Ernst Moritz Arndtوفيلهلم هنريش ريل Wilhelm Heinrich Riehl). وبرغم كل هذا يبقى مثيرًا للعجب أن فكر شميت السياسي والحقوقي لا يزال مهمًّا لمفكرين معاصرين كثيرين.

أهم ملامح “اللاهوت السياسي”

برزت في كتاب اللاهوت السياسي ملامح عدة لمنحى شميت الفكري السياسي، فهو يعتبر إعطاء الدستور الرئيسَ وليس البرلمان صلاحية إعلان حالة الطوارئ نقطة إيجابية، فالبرلمان في رأيه يعتمد الحلول الوسط بعد نقاشات عقيمة، والدستور لدى شميت شطران: حقوقي وسياسي، وتقع حقوق الإنسان الأساسية في الأول منهما، لكنه يعارض الفكرة التي تنادي بحقوق الإنسان العالمية التي يقول بها الليبراليون، أما الدولة الحديثة فيعرّف شميت ديمقراطيتها بأنها “هوية المسيطِر والمسيطَر عليهم، والحاكِم والمحكومين، والآمر والمطيعين”، ويعتبر جوهر الديمقراطية في مساواة مواطني الدولة واستثناء مواطني الدول الأخرى، مع وجوب التحول عند تهديد النظام العام نحو الديكتاتورية. أما أهم الملامح، فهو تنبؤ شميت في “نظرية الأنصار” (عام 1962) بالوضع الدولي اليوم عندما قال: “عصر الكيانات الدولتية قد انتهى”، ويرى هذا في انحلال الدول ونشوء كيانات جديدة على أنقاضها (الاتحاد الأوروبي مثالًا) يسميها “مجالات” (Groβrȁume)، فالولايات المتحدة مثلًا “مجال كبير”، والأرض سوف تنقسم إلى “مجالات كبرى” يفرضها التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والثقافة … وغير ذلك. وبمثل تحوُّل الكيانات إلى “مجالات”، سوف تتحول برأيه القدرة على احتكار شن الحرب من الدول إلى محاربين غير تابعين لدول، متماهين مع أهداف مجموعاتهم، ويضحّون بكل شيء لتحقيق أهدافهم، وسمّاهم “الأنصار” (Partisans) (ينطبق وصفهم على من يسميهم الإعلام اليوم “الإرهابيين”، “المقاومين”، “المجاهدين”، “الثوّار”… وغير ذلك).

اعتبر مراقبون كثر إثر صدور الجزء الأول من اللاهوت السياسي عام 1922، أن شميت أول من استعمل مصطلح “اللاهوت السياسي” في علم السياسة، وهو يشرحه في الكتاب (ص 53) قائلًا: إن “مفاهيم النظرية الحديثة للدولة (…) لاهوتيةٌ مُعلمَنة”.

يتضمن الجزء الأول من اللاهوت السياسي أربعة فصول عن مفهوم الحكم؛ أغفل شميت في الفصلين الأولين أيَّ ذكر للاهوت، وخصصهما للحديث عن سيادة الدولة ونقد آراء مفكرين سابقين أو معاصرين فيها. وفي الفصل الثالث يحاول شميت إثبات علاقة وثيقة بين علمَي اللاهوت والتشريع، ويستعرض تطور نظرة اللاهوت الحديث إلى السياسة والقانون والسوسيولوجيا، من خلال عرض مسهب ومركَّز ونقدي لطروحات مفكرين عالجوا هذه المسألة. أما الفصل الرابع، فيخصصه لنقد فلسفة الدولة عند مفكرين كاثوليك يمثلون تيارًا “مضادًّا للثورة” في اللاهوت السياسي، وهم: جوزف دو ميستر (Joseph De Maistre) ولويس دي بونالد (Louis de Bonald) ودونوسو كورتيس (Donoso Cortés).

أما الجزء الثاني من اللاهوت السياسي “أسطورة إنهاء كل لاهوت سياسي”، فكتبه شميت في عام 1969 ونشره في بداية عام 1970، وتخصَّص فصوله الثلاثة لتفنيد ما نعته بـ “الأسطورة”، وهي مقولة إريك بيترسون ‎”إنهاء اللاهوت السياسي” التي نصَّ عليها في كتابه التوحيد باعتباره مشكلةسياسية:مساهمة في تاريخ اللاهوت السياسي في الإمبراطوريةالرومانية (Der Monotheismus als politisches Problem – Ein Beitrag zur Geschichte der politischen Theologie im Imperium Romanum) )1935(.

يعرض شميت في الفصل الأول من الجزء الثاني محتويات مقولة بيترسون، اللاهوتيّ البروتستانتيّ الذي اعتنق الكاثوليكية، وينفذ من نقاط ضعفها ليقضي عليها قضاءً مبرمًا، بعد أن يهاجم بشدة من يأخذ بها. في الفصل الثاني يستعرض شميت تطورَ نظريات اللاهوت السياسي منذ عشرينيات القرن العشرين إلى ستينياته؛ أي في الفترة الفاصلة بين جزأي كتابه الأول والثاني، معتبرًا أن إنهاء أي لاهوت سياسي لا يرتبط قطعًا بإنهاءات ملحدة وفوضوية ووضعية، وبالأخص مع بيترسون، الذي لا يعتبره شميت وضعيًّا ككونت، ولا فوضويّا كبرودون وباكونين. أما الفصل الثالث، فيعتبر أن كتاب بيترسون السالف الذكر أطروحة تاريخية فيلولوجية تقتصر مصادرها موضوعيًّا على القرون الأولى للمسيحية، وتعالج ملاحظاتها هذه الحقبة فحسب، كما أنها تشير إلى إدخال “أطروحة” كتبها شميت مصطلح “اللاهوت السياسي” (أي كتابنا هذا)، ليخلص لامنطقيًّا إلى الاستحالة اللاهوتية للاهوت السياسي.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *