ضدّ المساعي لحظر لجنة المتابعة العليا
ناقشت لجنة الكنيست للأمن القوميّ، يوم أمس الأحد، اقتراحًا عنصريًّا قدّم من قبل أعضاء متطرّفين جدًّا من بين مركبات الائتلاف الحكوميّ، يدعو إلى إخراج لجنة المتابعة العليا للجماهير العربيّة خارج القانون والتحقيق مع قادتها بشبهة “دعم الإرهاب” بحسب تعبيرهم. ووفقًا للاقتراح الّذي قدّم من قبل أعضاء الكنيست من أحزاب عوتسماه يهوديت والليكود، فإنّ لجنة المتابعة تشكّل “غطاء لنشاط منظّمات إرهابيّة”، مدّعين أنّها شجّعت النشاطات والاحتجاجات إبّان هبة الكرامة في أيّار/ مايو ٢٠٢١، وقدّمت المساعدة القانونيّة للمعتقلين؛ ولذلك ينبغي على “الدولة ومؤسّساتها فرض القانون وعدم التسليم مع هذه النشاطات وإخراجها خارج القانون”. كما أشار مقدّمو الطلب إلى المظاهرات الّتي دعت إليها لجنة المتابعة إبّان العدوان على غزّة، وإلى دعوة لجنة المتابعة إطلاق سراح الأسير وليد دقّة، والّذي يعاني من أمراض خطيرة وحالة صحّيّة صعبة جدًّا كأدلّة وبيّنات ضدّ لجنة المتابعة.
إنّ اقتراح أعضاء الائتلاف هو عنصريّ بامتياز، ولا يوجد له أيّ أساس قانونيّ لا في إطار القوانين الإسرائيليّة نفسها (الشيء الّذي جعل ممثّل النائب العامّ للدولة معارضًا للاقتراح)، فكم بالحرّيّ منافاته للقوانين والمواثيق الدوليّة الّتي تضمن وتحمي حقوق الأقلّيّات القوميّة والأصلانيّة بالتنظيم والتعبير، وتتيح لها طرح قضاياها الجماعيّة القوميّة والمدينة والنضال من أجل تحقيقها. إنّ مساعي الائتلاف الحكوميّ تهدف إلى نزع الشرعيّة عن المؤسّسات الجماعيّة العربيّة وشيطنة نشاطاتها وفعاليّاتها العادلة وتوجيه التهديدات للمجتمع العربيّ وممثّليه وتقليص وتقييد إمكانيّات الحراك السياسيّ المحدودة أصلًا ومواصلة الملاحقات السياسيّة.
من الجدير ذكره أنّ جزءًا من مقدّمي الاقتراح يمثّلون حزبًا أدين رئيسه وعددًا من نوّابه وأعضائه بتنفيذ نشاطات إرهابيّة، ومنعوا عدّة مرّات من المشاركة بالانتخابات، كما تمّ التحقيق واعتقال جزء منهم. العديد من أعضاء هذا الحزب وأحزاب أخرى يقومون بتجاوز القوانين والاعتداء على أبناء الشعب الفلسطينيّ القابعين تحت الاحتلال في إطار نشاطهم الاستيطانيّ اليوميّ، ولذلك، فمن الأولى إخراجهم هم خارج القانون. ولو كان نظام الحكم في إسرائيل ديموقراطيًّا لمنعت هذه القوى اليمينيّة المسيانية المتطرّفة من التداخل في العمل السياسيّ، وخصوصًا كلّ أولئك الّذين أسّسوا ذواتهم على الكراهية والتحريض ومعاداة الشعب الفلسطينيّ بشكل عامّ والمجتمع العربيّ في الداخل على نحو خاصّ، ويمارسون نظام الفصل العنصريّ.
إنّ طموح هذه القوى اليمينيّة ليس مقصورًا على إخراج العرب من العمل السياسيّ وتجريمهم، وإنّما العمل على محو وجودهم وذاكرتهم وتاريخهم.
طبعًا هذه ليست المرّة الأولى الّتي تعمل وتجتهد فيها قوى سياسيّة إسرائيليّة من أجل إخراج حركات ومؤسّسات سياسيّة عربيّة فلسطينيّة في الداخل خارج القانون، فهناك تاريخ طويل ممتدّ منذ إخراج حركة الأرض في سنوات الستّينات، وحتّى إخراج الحركة الإسلاميّة الشماليّة عام ٢٠١٥، ومحاولة منع بعض الأحزاب السياسيّة من المشاركة بالانتخابات البرلمانيّة، وملاحقة واعتقال عدد من الشخصيّات والناشطين السياسيّين.
من الجدير بالذكر، أنّه في بداية شهر نيسان/ أبريل الماضي ٢٠٢٣ نشر تقرير موسّع في صحيفة مكور ريشون اليمينيّة، حرّض على لجنة المتابعة ورئيسها السيّد محمّد بركة، وكان الصحافيّ معدّ التقرير قد اعتمد على معلومات كانت قد جمعتها جمعيّة إسرائيليّة عنصريّة تدعى (عاري_يسرائيل) وعلى تقرير أعدّته عقب هبة الكرامة ٢٠٢١، طالبت من خلاله بحظر لجنة المتابعة.
لجنة المتابعة كانت دائمًا محطّ تحريض من قبل المؤسّسة والأحزاب الصهيونيّة، وقد ازدادت هذه الممارسات أكثر في السنوات الأخيرة على خلفيّة صعود قوى اليمين المتطرّف واستيلائه على مراكز قوى وتأثير متعدّدة.
أُسّست لجنة المتابعة قبل أربعة عقود ونيف، وذلك في سياق سياسيّ اجتماعيّ معيّن، إذ بدأت كلجنة متابعة تصوغ موقف الجماهير العربيّة حيال القضايا الطارئة، واقتصر دورها على ردود الفعل والمبادرة لإحياء ذكرى المناسبات الوطنيّة، وبالرغم من الإنجازات المتعدّدة الّتي قامت بها على مدار سنوات من مواقف ومبادرات وتأسيس لجان فرعيّة، لم تطرأ – خلال هذه الفترة الطويلة – تطوّرات وتغيّرات جوهريّة، سواء في غاياتها أو صورة تنظيمها، كما أنّها لم تنجح في وضع رؤى وبرامج جماعيّة تتعاطى مع تطلّعات المجتمع الثابتة والمتغيّرة، (بالرغم من وجود برامج سياسيّة لكلّ واحد من مركباتها).
إنّ اللجنة ومركّباتها طوّرت أنساق عمل وثقافة سياسيّة اتّسمت بالتكرار لا بالنموّ والتغيير (باستثناء بعض المبادرات مثل متابعة قضيّة شهداء انتفاضة الأقصى والقدس ٢٠٠٠، التصوّر المستقبليّ، اليوم العالميّ للتضامن مع الشعب الفلسطينيّ، مؤتمر القدرات البشريّة، كتاب طاقم مواجهة العنف…الخ) ووضعت جلّ جهدها في إستراتيجيّة الاحتجاج كإستراتيجيّة مركزيّة، كما أنّ النزاعات الحزبيّة والخلافات الشخصيّة مسّت هيبتها، وأثّرت في مدى شرعيّتها. من الضروريّ، على ضوء تغيير السياق، على الصعيد المحليّ، الإقليميّ والدوليّ، أن تجري عمليّة مراجعة جديّة لدور اللجنة، مكانتها وبنيتها، وإجراء عمليّة تخطيط إستراتيجيّ شاملة، تفضي إلى الاتّفاق على مشروع سياسيّ فلسطينيّ موحّد ومركزيّ، مع احترام الشرعيّة التعدّديّة، وإلى مبنى وشكل تنظيميّين جديدين قادرين على حمل هذا المشروع. ليس ثمّة خلاف على ضرورة وجود جسم تمثيليّ وحدويّ وقياديّ وطنيّ، يعكس التوجّهات كافّة، إلّا أنّ الوضع القائم يتميّز بعدم وجود ميثاق ونظام واضحين يشملان المبادئ الأساسيّة والسيرورات الإجرائيّة الّتي تنظّم أداء اللجنة، وعمليّة اتّخاذ القرارات وطرق تنفيذها، وبالتالي تقييمها، كما أنّ المجتمع لم يشارك في كيفيّة تركيب اللجنة وصلاحيّاتها)، بالرغم من أنّ جزءًا من أعضائها منتخبون سواء أكانوا رؤساء سلطات محلّيّة أو أعضاء كنيست، وكنّا قد تطرّقنا في مقال سابق إلى ضرورة تأسيس المجلس الأعلى للجماهير العربيّة (لجنة المتابعة) وضرورة أن يكون منتخبًا بشكل مباشر، واستباق ذلك بمرحلة تؤسّس من خلالها نقابات مهنيّة عربيّة وطنيّة منتخبة ترفد وتعزّز هذا المجلس.
إنّ وجود لجنة متابعة قويّة ومتماسكة، قادرة على التحدّي والمواجهة، تقودها قيادة جماعيّة وطنيّة وازنة واعتباريّة، تستند إلى قاعدة تنظيميّة جديّة ومرجعيّة فكريّة تؤسّس لمشروع سياسيّ جماعيّ متّفق عليه، ومدعوم من قبل القواعد الشعبيّة والجماهيريّة، هي الخطوة الّتي من الممكن أن تساهم في خروجنا من الكثير من الأزمات والتحدّيات الّتي تواجهنا، وتجعلنا قادرين على تشكيل مركز سياسيّ مبادر وناجع بمقدوره التصدّي لكلّ مساعي ومخطّطات اليمين العنصريّ الفاشيّ. علاوة على ذلك، فإنّ تمتين العلاقة بين لجنة المتابعة والجماهير واستحداث استراتيجيّات نضال جديدة ومؤثّرة ستساهم في درء المفاسد والمظالم وجلب المصالح.
المصدر: عرب 48