ظهور بايدن العلني لعرض المبادرة الإسرائيلية يكبّل نتنياهو
أجرى “التلفزيون العربي” مساء الجمعة، لقاء خاصا مع مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، د. عزمي بشارة، تطرق خلاله إلى عدة محاور بينها خطاب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بشأن إنهاء الحرب على غزة وحقيقة العودة الإسرائيلية إلى التفاوض بعد اجتياح رفح، والمشهد داخل إسرائيل، بالإضافة إلى ملاحظات على الحراك القانوني والشعبي دوليا.
تغطية متواصلة على قناة موقع “عرب 48” في “تليغرام”
ورأى بشارة أن هناك قناعة أميركية بضرورة إنهاء الحرب، متوقفا عند دلالات خروج بايدن للحديث عن ضرورة وقف الحرب، لافتا إلى أن أهمية الخطاب أن الرئيس الأميركي هو الذي ألقى كلمة لعرض المبادرة الإٍسرائيلية على العرب وعلى الإسرائيليين أنفسهم.
وقال “نحن نعرف أن هناك مبادرة إسرائيلية وأن حركة حماس لن تتعاطى معها بجدية لأنها رأت أن هناك نفس تكتيك نتنياهو بطرح الأفكار ثم التنصل منها خلال المفاوضات لكسب الوقف واستمرار الحرب، وهذا النهج امتد طيلة الأشهر الماضية وكل أفكار المفاوضات حتى الآن كانت على هذا النحو، يرسل فريق أمني ليفاوض ثم يتنصل من الاتفاقات التي يصل إليها الفريق الأمني أو يضع عليها ملاحظات. لكن هذه المرة، وبعد إلقاء بايدن كلمته، لا يستطيع نتنياهو أن يتنصل من الأفكار”.
وبرأي بشارة، فإن الأهم أن بايدن استغل أن من يطرح الفكرة/المبادرة هم الإسرائيليون لكي يضفي عليها تفسيرات أميركية قد لا تعجب نتنياهو. وفسر بعض ما ورد، من قبل قول بايدن أنه آن الأوان لوقف الحرب، وهذا أمر لن يقوله نتنياهو، خصوصا أن هذه الكلمات ليست مكتوبة في المبادرة.
كما تطرق بشارة إلى نقطة أخرى تتعلق بتشديده على أن المراحل الانتقالية هي شبه حتمية، لن تكون خاضعة للتفسيرات الإسرائيلية بنجاح مرحلة أو أخرى. وبرأيه فإنه عمليا سيكون الانتقال شبه فوري، وإذا لم يكن فوري أو يحدث اتفاق ليكون الانتقال فوري، يبقى وقف إطلاق النار مستمرا. ووفقا لبشارة، بايدن أخذ المبادرة الإٍسرائيلية وأضفى عليها لمساته في طريقة عرضها، من ضمنها أنّ الانتقال من مرحلة إلى مرحلة يكون بوقف إطلاق نار شامل. ومن ضمنها، إذا نجحت المرحلة الثانية وأوفت حماس بالتزاماتها فننتقل إلى وقف إطلاق شامل.
وبرأيه فإن حماس ليس لديها أي سبب لعدم المضي بالتزاماتها ولم يحصل حتى الآن أن تنصلت من التزاماتها.
وأوضح بشارة أن المقاومة الفلسطينية رفضت التعاطي مع المبادرة الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين، أولا لأن نتنياهو دخل إلى رفح وجباليا وثانيا لأنه رفض المبادرة التي وافقت عليها حماس في المرة السابقة وتنصل مما وافق عليه وفده الأمني. وأشار بشارة إلى أن المقاومة تشك في نوايا نتنياهو بأنه يستخدم المفاوضات حتى الآن فقط استمرار الحرب ولا يتعهد بوقف إطلاق النار. ولفت إلى أن حماس تطالب بوقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، إلى جانب إعادة الإعمار. وأوضح أن هذه المبادئ لم تتوفر في الخطاب أو المبادرة الإسرائيلية، لكن المختلف هذه المرة، من وجهة نظره، أن بايدن جاء وقال هكذا أفهم المبادرة الإسرائيلية أنها تقود إلى وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيلي وبداية الإعمار.
وأعرب بشارة عن اعتقاده بأن المقاومة سوف تتعامل مع هذه اللهجة بإيجابية. وقدّر أنها ستقول إن كلام بايدن نتعاطى معه بإيجابية ونريد أن نسمعه من إسرائيل، أي أن تؤكد الأخيرة موافقتها، لكنه لفت إلى أن ما تم سماعه من إسرائيل هو تحفظات. وبينما لفت إلى أنه لم يعلن الإسرائيليون التحفظ على كلام بايدن، أوضح أنهم قالوا إن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة سيكون بالحفاظ على المبادئ الإسرائيلية.
وتوقف عند نقطة أخرى، لجهة أن بايدن، استغل أنه هو الذي يقوم بعرض المبادرة الإسرائيلية، وهذه خدمة كبيرة لإسرائيل وفي تأمين التفاف الشارع الإسرائيلي حولها، للقول عكس ما أدلى به نتنياهو قبل أسبوع، عند حديثه عن الاستمرار في الحرب حتى لا يتكرر 7 أكتوبر.
ومن وجهة نظر بشارة، فإن خطاب بايدن تضمن ما مغزاه أن نتنياهو ضمِن ذلك من الآن، لأن وضع حماس لا يسمح لها بتكرار 7 أكتوبر، بمعنى أنه لا يوجد سبب لاستمرار الحرب لأنه إذا كان الهدف القضاء على قدرات حماس فقد تحقق ذلك بمعنى أنها لن تكون قادرة على تنفيذ 7 أكتوبر جديد. ولفت بشارة إلى أن بايدن عرض المبادرة بشكل تكون مقبولة لدى العرب ولدى المعارضة الإسرائيلية.
تفاصيل مراحل المبادرة بين الفهم الأميركي والإسرائيلي
وبشأن بنود المبادرة التي عرضها بايدن والتي تتضمن جزءا رئيسيا مما كانت تطالب به المقاومة، لفت المدير العام لـ”المركز العربي” للأبحاث ودراسة السياسات إلى أنه بموجب الاقتراح الإسرائيلي، والذي وصل إلى مصر وقطر ولم تستلمه المقاومة، طُرِح الانسحاب من محاور رشيد وصلاح الدين على أن يتم ذلك بين اليوم الثالث والسابع على أن تبقى القوات الإسرائيلية في نتساريم ويتم الانسحاب من هذا المحور في المرحلة الأخيرة. وتوقف عند حقيقة أن الإسرائيليين الآن لا يبقون في أي منطقة مأهولة أكثر من المدة اللازمة لإجراء العملية العسكرية، إذ ينفذون العملية وينسحبون، ما عدا نتساريم ورفح.
وذكّر بأن مطلب المقاومة، ربما ليس بالمرحلة الأولى، أن تنحسب إسرائيل من غزة. وفي ما يتعلق بالمرحلة الثانية، التي قال بايدن إنها تشمل إطلاق سراح جميع المحتجزين وانسحاب القوات الإسرائيلية، وإذا احترمت حماس التزاماتها، عندها يصبح وقف النار المؤقت هو وقف دائم للأعمال العدائية، قال بشارة إن ما تطرق إليه بايدن، وبحسب تقديره، غير موجود في الورقة الإسرائيلية، لكنها تفسيراته. وأوضح أن بايدن، ومنذ فترة طويلة كان يقول للقادة العرب إنه بعد المراحل الثلاث هو يضمن أنه لن تعود الحرب، لكنه انتقل من قول ذلك في أحاديث خاصة إلى قولها علنا على شاشات التلفزة.
وفيما قدّر أن المقاومة لن تسلم جميع الجنود والمحتجزين قبل وقف النار الدائم والشامل وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، اعتبر أن كلام بايدن يعزز موقف المقاومة، لكن يحتاج أن توافق عليه إسرائيل.
كما اعتبر أن الأميركيين اغتنموا وجود مبادرة إسرائيلية، جاءت بضغط أميركي، على قاعدة أن هناك فرصة ذهبية لا تريد الإدارة الأميركية تفويتها لتحصل ما تريد، خصوصا في ما يتعلق ببدء تطبيع سعودي إسرائيلي علني قبل الانتخابات يشكل إنجازا لإدارة بايدن من دون أن ينجز بالكامل بالضرورة. وبرأيه فإن بايدن يعتقد أنه ربما إذا حدث وقف إطلاق النار، قد يخف ضغط التظاهرات خلال فترة الانتخابات.
وشدد على أن ظهور بايدن العلني يكبّل نتنياهو لجهة عدم قدرته على الخروج والانسحاب مما وافق عليه، وإضافة تفسيرات تقود هذا الاتفاق لوقف النار إذا التزم به الجميع.
وفيما اعتبر بشارة أن تعامل المقاومة مع ما صدر من بايدن في خطابه هو تعامل حكيم بعد إعلانها أنها تنظر بإيجابية لدعوته لوقف النار، لفت إلى أنه المهم كيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية مع تفسيرات بايدن. وأعرب عن اعتقاده بأن المسؤولين الإسرائيليين سيحاولون أن يخرجوا للرأي العام مقولات تهدئ روع اليمين على وجه الخصوص، ولذلك من المبكر الحديث عن اتفاق.
وتطرق إلى العملية العسكرية في رفح، لافتا إلى أن أي من الأهداف التي أعلنها نتنياهو من العثور على محتجزين أحياء والقضاء على قادة المقاومة لم تتحقق، وهو ما يدفع لبدء العد التنازلي بالنسبة إليه. وفيما شدد على أن الإسرائيليين لم يضمنوا وقف إطلاق النار في مبادرتهم، إلا أنه خلص إلى أنه لا يمكن تجاهل تفسير الرئيس الأميركي للمبادرة الإسرائيلية. وأعرب بشارة عن اعتقاده بأن نتنياهو لا يزال مصرا على الاستمرار في الحرب، وهو ما دفع مستشاره للأمن القومي للحديث عن الحاجة إلى 7 أشهر إضافية للحرب.
نتنياهو لا يملك أي تصور لليوم التالي
النقطة الثانية، التي رأى بشارة، أنها رئيسية وتشكل معضلة في العلاقة بينه وبين الأميركيين ويمكن أن يعمدوا إلى تأجيلها حتى الانتهاء من الانتخابات، أنه ليس في جعبة نتنياهو أي تصور لليوم التالي للحرب، وهذا أمر كارثي بالنسبة له، لأنه إذا انسحبت إسرائيل الآن أو خلال 90 يوما لا يوجد قوة منظمة تسيطر على غزة الآن غير حماس، وهو يعتقد أنه إذا انسحب من دون ترتيب قوى عربية أو دولية أو حتى فلسطينية، بما في ذلك السلطة، لتستلم غزة، سيبقى هناك حكم عسكري في غزة، وبالتالي يفقد الانسحاب معناه. وتوقف بشارة عند سؤال من سيدير حياة السكان في قطاع غزة، في ما يتعلق بالخدمات الضرورية، مشيرا إلى أن الاضطرار لحكم غزة عسكريا سيناريو يخشاه الجيش الإسرائيلي لأنه ليس جاهزا لهذا ولا يريده.
وأشار بشارة إلى أنه لأول مرة، يقف الأميركيون، تحديدا أنتوني بلينكن بما يحمله من أفكار صهيونية، للحديث عن ضرورة تقديم إسرائيل تصور لليوم التالي للحرب، ولذلك يريد الأميركيون أن يفرضوا على نتنياهو القبول بتصورهم.
وأعرب عن اعتقاده أن الأميركيين يريدون تغيير الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لأنهم هم يريدون سلطة فلسطينية متجددة لتدير الضفة والقطاع مرتكزة بشكل أساسي على أجهزة الأمن الفلسطينية، لكنه رجح أن هذا الأمر لن يمر، خصوصا أن حماس لن تقبل به وفي ظل غياب حكومة وفاق وطني.
الحسابات الداخلية الإسرائيلية
وإذا كان هم بايدن، من وجهة نظر بشارة، أن تبدأ مراحل الاتفاق للتفرغ للانتخابات الرئاسية خصوصا في ظل المقاطعة الواسعة من أوساط عربية وإسلامية وتقدمية للتصويت له، لكن تبقى المعضلة في غياب أي ضمانات لتحقيق ذلك، بسبب عناد رئيس الحكومة الإسرائيلية وائتلاف نتنياهو الذي يمكن أن ينحل. ولفت إلى خطاب بايدن سيدعم المعارضة المحتملة الإسرائيلية، في إشارة إلى الوزيرين في مجلس الحرب غادي آيزنكوت وبيني غانتس. لكنه توقف أيضا عند الاستطلاعات التي لا تزال تمنح نتنياهو بشخصه تقدما، مفسرا ذلك بأن من يقود الحرب في ظل هستيريا شعبية ترتفع شعبيته ويلتف اليمين حوله، لكن برأيه فإن ذلك لا يكفي لتشكيل حكومة، إذ إن ائتلاف نتنياهو سيكون أقل من 60 مقعدا ولن يشكل حكومة. وبشأن ظهور نتنياهو بمظهر الصارم في مقابل تردد غانتس، اعتبر أن هذه المعضلة قد تحل إذا اتخذ غانتس موقفا حازما مع الدعم الأميركي.
انتقام وحشي من قطاع غزة
كما توقف بشارة عند حقيقة أن الحرب طالت، ونتائجها انعكست معاناة هائلة لأهالي غزة وجعل القطاع غير صالح للحياة البشرية بعد الانتقام الوحشي والهمجي من الشعب الفلسطيني. لكنه لفت إلى بالنسبة لغانتس ونتنياهو، يوجد في المجتمع الإسرائيلي الآن، وبحسب جميع الاستطلاعات، تعب، وهو ما يظهر في تأييد أكثر من 60% من المجتمع الإسرائيلي وقف الحرب مقابل إطلاق جميع الرهان.
لا ثقة بكلام واشنطن
وردا على سؤال بشأن الحديث الأميركي عن خط أحمر لعملية رفح وضرورة وجود خطة ثم الدخول الإسرائيلي إلهيا وتهجير نحو مليون فلسطيني من المدينة من دون أي رد فعل من واشنطن، قال بشارة إنه على المقاومة والشعب الفلسطيني أن لا يثقوا بكلام واشنطن، رغم أنها تريد العودة للمفاوضات. وبرأيه ثبت أن الولايات المتحدة لا تتخذ خطوات عملية للضغط على إٍسرائيل، وما زالت تتحدث عن القضاء على إمكانيات حماس ومعاقبة من يقفون وراء 7 أكتوبر. ولفت إلى أن بعض ما قاله بايدن يترك مخارج لإسرائيل في بعض الأمور، وهذه يجب أن ترفضه المقاومة ويتم التفاوض عليها.
ولفت إلى أنه في المرة السابقة ظهرت إسرائيل أنها هي من رفضت ورقة مقترح الاتفاق وأن حماس هي من وافقت، وهذا كان سببا في تحقيق الحركة إنجازا دبلوماسيا كبيرا، وكان له نتائجه بالنسبة للأجواء الدولية في ما يتعلق بغزة، خصوصا أن ما جرى في حينه ترافق مع الغضب العالمي وقرارات محكمة العدل الدولية والجنائية الدولية، لكن هذه المرة حدث العكس، إذ قدمت إسرائيل ورقة ورفضت حركة حماس استلامها لأنها تندرج ضمن إستراتيجية نتنياهو والتي تشكل فيها المفاوضات جزءا من الإستراتيجية العسكرية وتشكل غطاء للحرب. لكنه اعتبر أنه الآن نشأت فرصة، لتظهر المقاومة من جديد أنها ليست فقط عبارة مقاومين أشداء بل أنهم يفهمون بالسياسة ويستطيعوا أن يتعاملوا مع الكلام الجديد بإيجابية.
وخلص بشارة إلى أن نتنياهو لم يجرؤ على طرح المبادرة وهو ما سمح لبايدن بالخروج وطرحها. وثمن خروج بايدن أنه طرحها بأسلوبه وبالشكل الذي يريده، والذي هو غير مرض لجزء كبير من اليمين الإسرائيلي وحتى نتنياهو.
الهجمات في الصفة تفوق الانتفاضة الثانية
وردا على سؤال بشأن تهديدات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لأهل الضفة بتكرار تجربة غزة وهل هو قادر على فعل ذلك، قال بشارة إن سموتريتش عمليا غير قادر على تنفيذ تهديداته، لكنه مع عصابات المستوطنين يفعلون الكثير الآن، اذ استغلوا الحرب بعد 7 أكتوبر والأجواء الهستيرية التي سادت، ووجود حليفه إيتمار بن غفير في وزارة الأمن، التي أصبحت مسؤولة عن حرس الحدود الناشط في الضفة لتعزيز التحالف القائم بين قوى الأمن والمستوطنين، بحيث لا يمكن التفريق بينهم، للإغارة بشكل مشترك على القرى والمدن الفلسطينية إلى درجة أكبر من الانتفاضة الثانية، ويوجد تصفية حسابات مع مناطق وقرى بعينها. كما لفت إلى أنه يوجد توسيع للاستيطان وإعادة للمستوطنات التي تم تفكيكها بعد قرار فك الارتباط/الانسحاب من غزة.
ولفت إلى الشراسة في القتل والاعتقالات وعودة سياسات التعذيب، وصولا إلى استخدام الطيران في جنين. ورأى أن بن غفير يتمنى فتح حرب في الضفة لكنه ليس صاحب قرار بهذا الشأن.
عقلية الغيتو الإسرائيلية
وعن مجزرة رفح وقتل الناس حرقا في خيمهم، والغضب الذي أثارته في عدد من الدول وأثرها على تغير صورة إسرائيل، قال بشارة، إن الإسرائيليين يرون ما يحدث من ردود أفعال حول العالم لكنهم يعودون إلى عقلية الغيتو، ولأزمة العالم ضدنا ونحن محاصرون، لكن برأيه فإن هذا مؤقت لأنه سيسقط. وما يجري له أثر سياسي وثقافي واقتصادي على إسرائيل، لأنها كانت تعيش ضمن علاقة لها امتيازات مع الغرب، بصفتها الطفل المدلل، وإذا ما فقد الإٍسرائيليون كل ذلك على المدى البعيد خصوصا مع طلب مذكرات التوقيف بحق نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت فستكون له تداعيات. وتوقع أن تكون التظاهرات عارمة في إسرائيل بعد خطاب بايدن، لأن ما قاله سيعزز الموقف المطالب بإطلاق الرهائن حتى لو كان ثمن ذلك وقف الحرب.
ولفت إلى أن إسرائيل لم تكن بحاجة في الماضي بأن تقوم دول ديمقراطية بقمع رأيها العام لأجلها، بما في ذلك قمع الإعلام وتفريق التظاهرات بالقوة وتهديد صحافيين بالطرد إذا أخذوا موقف ضد إسرائيل، لأن خطابها كان مهيمنا، لكن ما يجري أمر لا يمكن أن يستمر في المدى البعيد، إذ سيدرك الإسرائيليون أنهم تحولوا إلى عبء.
واعتبر أن الوضع المركب الذي دخلت فيه قضية فلسطين نتيجة لتداخلها مع قضيتين كبيرتين، الأولى المسألة اليهودية في الغرب عموما بما في ذلك أوروبا، التي يسقطها الغرب علينا للتنصل من ماضيه، والمسألة العربية في الشرق التي قادت إلى وجود دول عربية فاقدة لأي قدرة على فرض هيبة أو احترام في العالم بشأن قضية مهمة هي قضية فلسطين.
وفيما لفت إلى أنه حتى وقت قريب كانت توجد هيمنة لإسرائيل وسرديتها بشأن فلسطين، تحديدا مقولة ديمقراطية تدافع عن نفسها، لكن أوضح أنها اهتزت الآن وأصبح هناك حاجة لفرضها بالقوة. وشدد على أنه هناك جيل صاعد لا يقبل هذا الكلام بما في ذلك ما يقوله المتطرفون اليمنيون في الكونغرس الأميركي. وأعرب عن اعتقاده أن الذي يجري الآن من تحولات هو الإنجاز الرئيسي لصمود الشعب الفلسطيني وليس فقط المقاومة.
إنجاز الاعتراف بدولة فلسطينية
وبشأن تحرك عدد من الدول الأوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967، رأى أن تحديد الحدود أمر أساسي، لأن الدولة في العصر الحديث هي كيان ترابي فإذا لم تعترف بحدودها لا معنى للاعتراف. واعتبر أن هذا الإنجاز الذي تحقق ليس للسلطة الفلسطينية أي نصيب فيه بل تحقق بفعل صمود الناس. وشدد على أي مفاوضات مستقبلية يجب أن تنطلق مما تحقق. وشدد على أنه في يد أي طرف فلسطيني يشكل كيانية، والذي أعرب عن أمله في أن يكون منظمة تحرير موحدة ومنتخبة، تتمثل فيها كل القوى الفلسطينية، وليس في حالتها الرثة الآن، إنجاز دبلوماسي، لديه اعتراف دولي.
ودعا هذا الطرف إلى أن يتصرف على هذا الأساس، معتبرا أنه حاليا لا يقوم بدور حقيقي في الدفاع عن غزة أو الضفة. وأعرب عن اعتقاده بأن الحل الوحيد هو التوافق على حكومة وفاق وطني بالتوافق مع المقاومة الفلسطينية. كما اعتبر أنه يجب أن يكون هناك نوع من التمايز بين حركة فتح كحركة شعبية وطنية لديها قاعدة جماهيرية واسعة جدا وتاريخ نضالي وبين السلطة الفلسطينية، مشددا على أنه لا يجوز أن تنقاد حركة فتح إلى مجموعة من 5 أو 6 أشخاص حول الرئاسة الفلسطينية وأن تفقد دورها التاريخي في مرحلة فيها حرب إبادة على الشعب الفلسطيني. واعتبر أن التشديد على دور فتح، إن حصل، يضمن قيادة مرجعية للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة. واعتبر أن هذا هو السيناريو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي للخروج بشكل مشرف وإلا سيكون هناك سلطة في الضفة وأخرى في غزة، وأوسلو ثانٍ منطلقة من غزة وكيفية ضمان أمن إسرائيل أي إدارة محلية في غزة منطقها الأساس ضمان أمن إسرائيل.
وبرأي بشارة، فإن تشكيل حكومة وفاق وطني وإعادة بناء منظمة التحرير لاحقا، يتيح استغلال الإنجازات التي تتحقق بما في ذلك إنجاز الاعتراف لأنه لا يمكن استثماره في الواقع الفلسطيني الرث في الوقت الحالي.
وفسر الغضب الإسرائيلي من الاعتراف، بأنه هناك مراجعة حقيقة لسردية الهيمنة الإسرائيلية. ولفت إلى أن الجديد أن الدول التي تعترف بفلسطين هذه المرة من المعسكر الغربي، من دول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما يعد اختراقا بالنسبة لإسرائيل. كما أنهم كانوا يرددون موضوع حدود الدولة الفلسطينية وحتى الدولة نفسها، لا شأن للعالم به وأنه يُعالج عبر مفاوضات وغير مباشرة غير مشروطة مع الفلسطينيين، وهي عمليا على قاعدة القوي يأكل الضعيف.
من جهة ثانية، تناول بشارة الحديث الأميركي عن مجزرة رفح، واعتبر أن مجرد الطلب من إسرائيل التحقيق في مجازرها هو انحياز كامل لها. وهذا الكلام، برأيه، مستفز لمشاعر الفلسطينيين عندما تطلب من القاتل أن يحقق في جريمة القتل. وخلص بشارة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في بلداننا، فإن الدول الغربية منافقة. واعتبر أنه ظهر حجم النفاق في تطبيق حقوق الإنسان في قضية فلسطين بشكل خاص بسبب علاقة الدول الغربية مع إسرائيل كطفل مدلل يحصل على امتيازات.
كما توقف عند الشباب الذين يتظاهرون في الجامعات الغربية، مشددا على أنه يجب أخذهم بجدية لأنهم ينطلقون من منطلق أخلاقي في مهاجمة إسرائيل، ومشددا على أن دورهم تاريخي ومهم جدا، لأن أصبحت قضية فلسطين، لأول مرة من 75 عاما مثل قضية جنوب إفريقيا يوما ما، مرتبطة بتحرر جيل كامل في الغرب. وأعرب بشارة عن أمله بأن تتعامل القيادات الفلسطينية بمسؤولية مع هذه الظاهرة الجديدة وتطور خطابها لتكون قادرة على التفاهم معهم.
وردا على سؤال بشأن محدودية التحرك في بلدان عربية وحتى داخل مناطق الـ48، أكد بشارة على ضرورة تحية الذين تظاهروا في المغرب، الأردن، الكويت، ومدرجات كرة القدم في مصر حيث يمكن أن يتظاهروا.
وبشأن عرب الداخل الفلسطيني، أشار بشارة إلى أنهم مصدومين من حجم الإرهاب الإسرائيلي لأنهم حققوا إنجازات سياسية على مدى العقود الأخيرة وتحديدا على مستوى الحقوق السياسية، لكن فجأة بعد 7 أكتوبر بدأت إسرائيل بشن حملة إرهابية واعتقال الناس حتى على تدوينة، وبالتالي وضعت إسرائيل قواعد لعبة مختلفة مع عرب الداخل. وأضاف أنه يلمس الآن بداية صحوة بشأن ضرورة عدم التنازل عن حرية العمل السياسي والنضال تضامنا مع أهلهم في غزة والضفة، لأنه ليس فقط جزءا من هويتهم الوطنية ومنظومة القيم، بل أيضا كي لا يخسروا حقوقهم السياسية التي تحاول إسرائيل أن تمس بها وتغير قواعد اللعبة.
المصدر: عرب 48