Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

عام على طوفان الأقصى وحرب تلد أخرى 

أيّام تفصلنا عن سابع من أكتوبر جديد تكمل خلالها الحرب الدمويّة الّتي شنّتها إسرائيل على غزّة عامها الأوّل، لتحتلّ المركز الأوّل كأطول حرب في سلسلة الحروب الفلسطينيّة، العربيّة- الإسرائيليّة الممتدّة منذ عام 1948 وحتّى اليوم، ولتكسر العقيدة الأمنيّة الإسرائيليّة الّتي تقع الحرب الخاطفة في مركزها.

وبغضّ النظر عمّا إذا كانت إسرائيل المهانة بفعل هجوم السابع من أكتوبر قد وضعت أهدافًا طموحة لحربها، فإنّ فشلها في تحقيق أيّ من هذه الأهداف المتمثّلة بإعادة الأسرى الإسرائيليّين والقضاء على حركة حماس عسكريًّا وسلطويًّا، ومنع أيّ خطر مستقبليّ من قطاع غزّة، عمّق من الأزمة الوجوديّة الّتي استشعرتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وكلّ من الجدار الحديديّ الّذي بنته على مدى سنوات بهدي نظريّة جابوتنسكي كسبيل وحيد للإبقاء على وجودها في المنطقة.

ولأنّها، ممثّلة بحكومة اليمين الدينيّ الاستيطانيّ المتطرّف، رأت في أيّ مساومة أمام حماس نكوصًا وتراجعًا وتعبير عن ضعف، فقد رفضت قيادتها بزعامة بنيامين نتنياهو جميع صفقات تبادل الأسرى الّتي تقوم على إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيليّ من غزّة، وأصرّت على ما أسمته بـ”النصر المطلق”.

ولأنّ النصر المطلق ذاك اصطدم بتعقيدات شبكة أنفاق غزّة وصمود أهلها وصلابة مقاتليها، الّذين لم تنل حرب الإبادة الجماعيّة من عزيمتهم، فقد شرع نتنياهو بالبحث عنه خارج ميدان المعركة الدائرة في غزّة، عبر مراكمة إنجازات تكتيكيّة من خلال عمليّات اغتيال بدأت بقيادات حماس الخارج، العاروريّ وهنّيّة في بيروت وطهران، وتواصلت بسلسلة اغتيالات قيادات حزب اللّه، وتوّجت باغتيال أمينه العامّ السيّد حسن نصر اللّه.

وقد نجح نتنياهو الّذي كان يشغل، باغتيال رؤوس المقاومة، غريزة الانتقام والاعتداد بالقوّة في مجتمع المستوطنين الإسرائيليّ، ليجرّه من أنفه مخمورًا ومزهوًّا بانتصارات لحظيّة نحو الطريق الّذي رسمه لنفسه، أو رسمته له الصهيونيّة الدينيّة الاستيطانيّة المتطرّفة المهيمنة على حكومته وعلى حزبه، والّتي تحلم بأن تعيد التاريخ الماضي لتكتبه من جديد برؤيتها ونهجها.

وبهذا المعنى تسعى الصهيونيّة الدينيّة تلك إلى العودة إلى غزّة، وجنوب لبنان، وربّما إلى سيناء إذا ما تسنّى لها ذلك، لتثبت أنّ المشكلة ليس في مبدأ الاحتلال، بل في نعومة القوّة المحتلّة الّتي مارستها الصهيونيّة العلمانيّة، مقدّمة نموذج أكثر خشونة ابتداء من المستوطنين الّذين يحرقون حوّارة، وصولًا إلى الجنود وقادة الجيش الّذين يقصفون حتّى بيوت كيبوتسات غلاف غزّة بالدبّابات والطيّارات إذا ما الأمر ذلك.

وقد أثبت هؤلاء أنّهم يمثّلون مستقبل المشروع الصهيونيّ؛ لأنّهم يشكّلون استمراريّته، وأنّهم الوحيدون الّذين يملكون تصوّرًا سياسيًّا متكاملًا لمستقبل إسرائيل، بينما يتخبّط الآخرون في عجزهم وتذيّلهم السياسيّ وعدم الجرأة والقدرة على بلورة برنامج بديل يتلاءم مع معطيات الواقع، ويعترف بالحقوق الوطنيّة للشعب الفلسطينيّ، بعد فشل أشباه وأنصاف الحلول.

لذلك يدفع هؤلاء إلى تكرار احتلال جنوب لبنان والعودة إلى الحزام الأمنيّ، مثلما يسعون إلى الإبقاء على احتلال قطاع غزّة، وربّما إخلاء شماله من السكّان وتحويله إلى منطقة عازلة، والعودة إلى الاستيطان في غوش قطيف ومناطق أخرى.

وتوفّر جبهة لبنان فرصة لنتنياهو في الهروب من استحقاقات غزّة إسرائيليًّا ودوليًّا، مستغلًّا مسألة إعادة سكّان مستوطنات الشمال لإطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية وصولًا إلى تثبيت أركان حكمه وإدامة حكومته حتّى عام 2026، وهو يجد حليفًا بالجيش الّذي اغترّ بالنجاحات الأوّليّة الّتي حقّقها ربّما بسبب ثغرة أمنيّة في صفوف حزب اللّه، معتقدًا أنّ بمقدوره تعويض فشل حرب 2006.

وفي الخلاصة نستطيع القول إنّ نتنياهو استطاع تطويع المعارضة العارمة لسياسته الّتي كانت قائمة في الشارع وبين الأحزاب الإسرائيليّة، وفي المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة، وتمكّن من قلب الطاولة والعودة بقوّة إلى الإمساك بزمام المبادرة إسرائيليًّا وتقزيم جميع خصومه وتهميش الحركة الجماهيريّة المطالبة باستعادة الأسرى وتحييد أهداف الحرب على غزّة، عبر استدعاء تحدّيات أكبر تتمثّل في حزب اللّه وإيران.

وهو في حربه ضدّ لبنان أيضًا، ربّما ينجح فيها بتدمير الضاحية والجنوب وقتل الآلاف أو عشرات الآلاف على غرار ما فعل في غزّة، إلّا أنّه سيفشل أيضًا في اقتلاع المقاومة اللبنانيّة، مثلما فشل في اقتلاع المقاومة الفلسطينيّة في غزّة، وحتّى لو نجح في احتلال جنوب لبنان وإقامة حزام أمنيّ مثلما احتلّ غزّة، في تكرار بائس لأسلافه فإنّه سيفشل في إعادة سكّان الشمال مثلما فشل في إعادة الأسرى الإسرائيليّين من غزّة دون اتّفاق سياسيّ، أمّا إيران ومنشآتها النوويّة الّتي يحلم بتدميرها منذ 20 عامًا فإنّها قصّة أخرى.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *