Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

عقيدة بوش: حرب إسرائيل الديموغرافيّة

بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة الّتي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة، يكثّف جيش احتلالها في الأسبوعين الأخيرين حربه الوحشيّة على شماليّ القطاع ومخيّماته في جباليا وبيت لاهيا ضمن ما صار يعرف بـ”خطّة الجنرالات” الّتي تهدف إلى السيطرة على شماليّ القطاع وتحويله إلى منطقة عسكريّة مغلقة. وما زال جيش الاحتلال يمارس على السكّان الغزيّين، كلّ مظاهر الإبادة الجماعيّة” من قتل وحشيّ راح ضحيّته نحو 700 شهيد في الأسبوعين الأخيرين فقط، فضلًا عن منعه وصول المساعدات الإنسانيّة من غذاء ودواء، وكلّ مقوّمات الحياة إلى جباليا وبيت لاهيا وتهجير السكّان في الأيّام الأخيرة قسرًا، ثمّ قصفه ما تبقّى من بيوت وحرق مراكز الإيواء فيهما في محاولة تسعى فيها حكومة نتنياهو إلى تفريغ شماليّ القطاع من سكّانه، ودفعهم إلى جنوب القطاع وبلا رجعة.

تعود خطّة الجنرالات الّتي شرع جيش الاحتلال في تنفيذها مؤخّرًا إلى تصوّر كان قد تشكّل لديه منذ بداية الحرب بعد السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023، وهو تصوّر يقضي بوجوب التوسّع في القطاع ببتر أطرافه وتحديدًا شماله، بغرض جعله منطقة عازلة ما بين القطاع ومستوطنات ما يعرف بغلاف غزّة وبما يمكن من استيطان شماليّ القطاع عسكريًّا، وربّما أكثر من ذلك مستقبلًا.

لقد فشل كلّ من جيش الاحتلال وأجهزة أمن الدولة العبريّة في توقّع ومواجهة هجوم طوفان الأقصى صباح يوم السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 ما أدّى إلى نجاح هذا الأخير يومها. ومع ذلك، يبقى الفشل الاستخباراتي العسكريّ سببًا تقنيًّا يتحمّل مسؤوليّته بنظر الدولة العبريّة كلّ من قادة المستويين السياسيّ والعسكريّ فيها. فيما السبب الأساس وراء وقوع حدث بحجم الطوفان، هو ما عبّر عنه وزير الماليّة الحاليّ بتسلئيل سموتريش غير مرّة، بأن ترك قطاع غزّة كقطعة جغرافيّة خالية من المستوطنين والاستيطان فيها، هو ما جعل حدثًا مثل الطوفان ممكنًا مقارنة بالضفّة الغربيّة الّتي يعتبر تكثيف استيطانها في السنوات الأخيرة أحد أبرز أدوات السيطرة والضبط فيها.

وهذا استنتاج صهيونيّ بات مجمعًا عليه اليوم أمنيًّا وسياسيًّا في إسرائيل، وليس مجرّد تصوّر يقتصر على تيّار الصهيونيّة الدينيّة وأحزابها. طبعًا، وبدون وجود أيّ تيّار يرى بعكس التيّار السائد لفهم حدث طوفان السابع من أكتوبر ووضعه ضمن سياق سياسات إسرائيل، وسعيها لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، وتكثيف الاستيطان في الضفّة والاعتداءات شبه اليوميّة على المسجد الأقصى، وتهويد القدس، والأهمّ، حصار غزّة المستمرّ منذ سنوات، كأسباب دفعت جميعها إلى حدث جاء على شكل الطوفان.

يشتق الصهاينة خطّة جنرالاتهم من تصوّرين قائمين تاريخيًّا، الأوّل متّصل بقطاع غزّة ذاته منذ تشكّله ككتلة ديموغرافيّة “مهدّدة” على أثر النكبة، وقد سعت الدولة العبريّة إلى طرح مخطّطات تهجيره أو تهجير بعض سكّانه، خصوصًا اللاجئين فيه غير مرّة، منذ مطلع الخمسينيّات، أبرزها كان مخطّط التهجير إلى صحراء سيناء. وبالتّالي، أيقظ هجوم السابع من أكتوبر وحرب الردّ عليه منذ عام، خيار تهجير سكّان القطاع مجدّدًا، أو على الأقلّ، تهجير سكّان شماليّ القطاع إلى جنوبه كما هو جار في هذه الأيّام.

أمّا الثاني، فهو تصوّر أمنيّ – كولونياليّ، متّصل بما يعرف بـ “عقيدة بوش” – نسبة إلى جورج بوش الابن – كمخطّط استراتيجيّ مفاده أنّ “التوسّع هو الطريق الأمثل لتحقيق الأمن”، وهي عقيدة أميركيّة – استعماريّة تعود إلى فكرة تقول بـ “الاستيطان بوصفه سلاحًا بذاته”، كان قد طبّقها الأوروبّيّون البيض ضدّ الهنود الحمر السكّان الأصليّين في الأميركيّتين. وقد أشار مؤرّخ الحرب الأميركيّ جون لويس غاديس إلى تلك العقيدة، وأشاد بها بوصفها كانت قابلة للتطبيق بشكل متكرّر طوال تاريخ ما سمّاه “الإمبراطوريّة الوليدة” يقصد الولايات المتّحدة الأمريكيّة، منذ أن انتخب جورج واشنطن رئيسًا لها حيث كان ” إزالة أو إبادة الأميركيّين الأصليّين في فلوريدا على سبيل المثال يبرّر ضمن سياسة الدفاع عن النفس”.

تشنّ إسرائيل حربًا على الجغرافيا والديموغرافيا في غزّة منذ أشهر بنسخة مكرّرة عن حرب “وجودها” في النكبة عام 1948 تقتضي تطهيرًا عرقيًّا لشمال القطاع من أجل اقتطاعه أمنيًّا والعودة إلى استيطانه، وقد يمهّد ذلك إلى تهجير محتمل من القطاع كلّه إلى خارجه إذا ما بقي الصمت الإقليميّ والدوليّ متواطئين على ما يجري في غزّة. كما تنسحب عقيدة بوش الإسرائيليّة على جنوبيّ لبنان وتحديدًا القرى الحدوديّة فيه، والّتي يبدو تهجير سكّانها اللبنانيّين منها مؤخّرًا، بمثابة تطهير عرقيّ أيضًا وقد لا يعود سكّانها إليها، إذا ما تمكّن جيش الاحتلال من التوسّع عسكريًّا وأمنيًّا فيه. وقد يطال هذا التوسّع المناطق الحدوديّة مع سوريا في الجولان وصولًا إلى القنيطرة المطهّرة عرقيًّا أصلًا منذ عام 1967.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *