Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

غابات الصنوبر تحت منشار شركة “إيكيا”

في عام 2019، كشفت بيانات مسرّبة من تقرير حكوميّ أنّ ما يقرب من 40 مليون متر مكعّب من الخشب يتمّ قطعها من غابات البلاد كلّ عام، ونصفها يتمّ بشكل غير قانونيّ…

في تقرير صادر عن منظّمة “جرين بييس” Greenpeace ادّعت المنظّمة أنّ مصنع الأثاث العملاق “إيكيا” بالمساهمة بالتدهور السريع للغابات الواسعة والغنيّة في رومانيا. التقرير الصادر في نيسان/ أبريل الماضي أشار كذلك إلى أنّ مورّدي شركة “إيكيا” يستفيدون من بيئة “فاسدة” في البلاد تفسح لهم المجال لاستغلال الغابات بشكل غير قانونيّ.

مؤخّرًا، كشف تحقيقان تأثير شركة الأثاث الجاهز على جبال وغابات “الكاربات” في رومانيا، وتعدّ تلك الغابات من أكبر غابات الصنوبر الجبليّة والمعروفة أيضًا باسم “غابات الكاربات الجبليّة”، وهي منطقة بيئيّة للغابات الصنوبريّة المعتدلة في كلّ من جمهوريّة التشيك وبولندا وسلوفاكيا ورومانيا وأوكرانيا.

وحسب تقرير منظّمة “جرين بييس”، فقد اختفت أكثر من 50% من الغابات القديمة في رومانيا في السنوات العشرين الأخيرة، وذلك بسبب الفساد وعدم أو ضعف تطبيق القانون، وأضاف التقرير أنّ ثمّة دور كبير لعبته “إيكيا” ومجموعة “انغكا” في النهب الممنهج، والّذي حدث جزء منه في مناطق من المفترض أنّها محميّة حسب القوانين الأوروبّيّة كمواقع “ناتورا 2000″، وتقدّر المساحات المحميّة بـ 3000 كلم مربّع من غابات رومانيا. و”ناتورا 2000” هي شبكة من مناطق حماية الطبيعة في أراضي الاتّحاد الأوروبّيّ، وتتألّف من مناطق حماية خاصّة تمّ تحديدها، وتشمل الشبكة كلًّا من المناطق المحميّة البرّيّة والبحريّة

“إيكيا” عملاق الإنتاج

بلغ إجماليّ صادرات المنتجات الخشبيّة في رومانيا حوالي 3 مليارات يورو في عام 2016، منها أكثر من 2 مليار يورو من المنتجات المرتبطة بالأثاث الجاهز. وعند الأخذ في الاعتبار التأثيرات غير المباشرة على الاقتصاد، فإنّ حصّة صناعات الغابات الوطنيّة ومعالجة الأخشاب تبلغ 3.5٪ من الناتج المحلّيّ الإجماليّ الرومانيّ، ولكنّ تلك الصناعة توصف أحيانًا بـ “مافيا الأخشاب” لمعاناتها من الفساد المنهجيّ وضعف إنفاذ القانون، بالإضافة إلى أنّ ممارسات قطع الأشجار غير القانونيّة تهدّد الغابات المتبقّية.

في عام 2019، كشفت بيانات مسرّبة من تقرير حكوميّ أنّ ما يقرب من 40 مليون متر مكعّب من الخشب يتمّ قطعها من غابات البلاد كلّ عام، ونصفها يتمّ بشكل غير قانونيّ. وفي عام 2020، بدأت المفوّضيّة الأوروبّيّة إجراءات ضدّ الحكومة الرومانيّة بعد أن اشتكّت المنظّمات غير الحكوميّة من فشلها في معالجة قطع الأشجار على نطاق واسع للغابات البكر داخل مناطق “ناتورا 2000” المحميّة، كما هدّدت المفوّضيّة بإرسال القضيّة إلى محكمة العدل الأوروبّيّة، لكنّ هذا لم يحدث حتّى الآن.

تقول أجاتا سيفرانيوك، محامية الحياة البرّيّة الرائدة في مؤسّسة كلينت إيرث الخيريّة البيئيّة إنّه “على الرغم من بعض التحسينات والتحذيرات من المفوّضيّة الأوروبّيّة، تواصل رومانيا الفشل في الوفاء بواجبها القانونيّ بشكل صحيح في حماية الغابات الأوّليّة والغابات القديمة المتبقّية في الاتّحاد الأوروبّيّ”. وتضيف “إذا لم ترفع المفوّضيّة تجاهل رومانيا الواضح لقوانين الطبيعة في الاتّحاد الأوروبّيّ أمام أعلى محكمة في الاتّحاد الأوروبّيّ، فإنّ مستقبل هذه الغابات المهمّة يبدو قاتمًا”.

(Getty)

“إيكيا”، عملاق التصنيع السويديّ شهدت نموًّا مستمرًّا على مدار العقدين الماضيين في الإيرادات السنويّة؛ ففي عام 2023، بلغت الإيرادات أكثر من 47 مليار يورو. وتعدّ الشركة مرتبطة بـ 50 انتهاكًا “مشتبهًا” لتشريعات الاتّحاد الأوروبّيّ. فقد قامت المنظّمتان البيئيّتان “ايجينت جرين” Agent Green و”برونو مانسر فوندز” Bruno Manser Fonds بالبحث في تسع مناطق غابات، سبع من هذه المناطق مملوكة لمجموعة “انغكا” Ingka واثنتان من تلك المناطق كانت حرجيّة عامّة مرتبطة بسلسلة توريد “إيكيا”.

ويتضمّن تقريرهما الصادر في نيسان/ أبريل “إيكيا: ذكيّ من الخارج، فاسد من الداخل”، تفاصيل ما لا يقلّ عن 50 انتهاكًا مشتبهًا به لتشريعات الاتّحاد الأوروبّيّ أو رومانيا، وممارسات سيّئة في إدارة الغابات الحرجيّة. وتشمل هذه الممارسات قطع الغابات ذات التنوّع البيولوجيّ، وتجاوز الحدّ الأقصى المسموح به لحجم الخشب المستخرج، والفشل في الحفاظ على الأشجار ذات التنوّع البيولوجيّ العالي مثل البلّوط القديم والزان، وقد خضعت جميع الغابات الّتي تمّ التحقيق فيها، بما في ذلك المناطق المحميّة، لعمليّات قطع أشجار مكثّفة بشكل تجاريّ؛ ممّا تسبّب في تدهور جودة التربة والنظم البيئيّة بشكل خطير.

ونظر الباحثون في أنواع إدارة الغابات في كلّ أرض تابعة لشركة “إنغكا” في رومانيا، ووجدوا أنّ حوالي 1% فقط من المساحة الإجماليّة كانت محميّة بشكل صارم. وحوالي 8% كانت محميّة جزئيًّا، وأكثر من 90% كانت تدار لإنتاج الأخشاب الصناعيّة، بغضّ النظر عمّا إذا كانت تتداخل مع مواقع محميّة “ناتورا 2000″، وفقًا للتقرير.

وفي تحقيق منفصل، زارت غرينبيس الغابات القديمة في رومانيا في أوروبا الوسطى وأوروبا الشرقيّة لفحص سلاسل التوريد الخاصّة بـ”ايكيا”. ويزعم تقريرها “تدمير الغابات القديمة في الكاربات الرومانيّة”، أنّ ما لا يقلّ عن سبعة مورّدين لمنتجات الخشب الرائدة لدى “إيكيا” كانوا مرتبطين بـ “التدمير المنهجيّ” للغابات القديمة، بما في ذلك موقعان محميّان من قبل منظّمة “ناتورا 2000″، ثمّ تتبّع التقرير ما لا يقلّ عن 30 منتجًا من أولئك المصنّعين إلى متاجر “إيكيا” في 13 دولة مختلفة، منها فرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة.

وتعدّ وحدة الإنتاج في “سيغيتو مارماتشي، رومانيا”، مرتبطة، حسب “جرين بيس”، بـ”إيكيا”، ولكنّ “إنغكا” ومجموعة “إنتر ايكيا”، صاحب الامتياز المسؤول عن سلسلة توريد “إيكيا”، تنفيان بشدّة جميع الادّعاءات من كلا التحقيقين. وقالت مجموعة “إنغكا” إنّ “السلطات لم تجد أيّ دليل على عدم الامتثال للوائح”، وأنّ ممارساتها “تتماشى مع المعايير البيئيّة الصارمة الّتي وضعتها الحكومات الوطنيّة والهيئات الدوليّة مثل مجلس رعاية الغابات FSC”. وقالت مجموعة “إنتر إيكيا” إنّها لا تقبل الخشب من الغابات القديمة المحميّة، مشيرة إلى أنّ “ممارسات التوريد الموضّحة في تقرير غرينبيس قانونيّة، وتلتزم باللوائح المحلّيّة والاتّحاد الأوروبّيّ”.

مناشدات لحماية الغابات

على الجانب الآخر يزعم الناشطون البيئيّون أنّ أدلّتهم قويّة، وتقول إينيس جافريلوت، منسّقة حملات أوروبا الشرقيّة في مؤسّسة برونو مانسر “لا تذكر إيكيا السياق الّذي تعمل فيه، وهذا أمر أساسيّ. يعلم الجميع أنّ الفساد يملأ رومانيا. قد تبدو الأمور قانونيّة على الورق، لكنّ التحقيقات على الأرض وجدت أدلّة واضحة على التدهور والتدمير”. وتضيف “ليس من قبيل المصادفة أنّ إيكيا استثمرت بكثافة في شراء الغابات هنا، لأنّ ذلك يفتح إمكانيّات هائلة لقطع الأشجار”. ويشير بعض النشطاء إلى أنّ إيكيا “تختبئ” وراء مجلس إدارة الغابات، وهو نظام شهادات يزعمون أنّه فشل في حماية الغابات القديمة.

سيمون كونسيل، الباحث المستقلّ والمدير السابق لمؤسّسة الغابات المطيرة في المملكة المتّحدة، ساعد على إنشاء مجلس إدارة الغابات في أوائل التسعينيّات، حتّى يتمكّن المستهلكون من معرفة المنتجات الورقيّة والخشبيّة الّتي تمّ الحصول عليها بشكل مستدام. لكنّ كونسيل أصبح ينتقد نظام الشهادات، مشيرًا إلى أنّ النظام يوجد به عيوب. يقول “من المعروف منذ سنوات أنّ الشهادات لا تضمن أنّ الخشب يأتي من مصادر مقبولة بيئيًّا أو اجتماعيًّا، وأنّها تقوم فقط بتبييض منتجات الخشب والورق”. ويضيف “لقد رفضت معالجة العديد من المشاكل الأساسيّة في نظامها، وخاصّة تضارب المصالح الخطير حيث يتمّ دفع شركات تدقيق الشهادات مباشرة من قبل شركات قطع الأشجار الّتي من المفترض أن تقوم بتقييمها. لا يوجد عذر لشركات مثل “إيكيا” للتظاهر بأنّ الشهادات تضمّن أنّ خشبها يأتي من مصادر مقبولة”. وكان ردّ مجلس إدارة الغابات بأنّها لا تسمح للجهات السيّئة بأن تكون جزءًا من النظام وأنّها تنشر الضمانات، بما في ذلك عمليّات التدقيق المستقلّة، لضمان اتّباع المعايير الصارمة. ويضيف “أيّ أنشطة غير مقبولة، من قبل حامل شهادة أو شركة في مجموعتها تؤدّي إلى فتح تحقيقات عامّة يمكن أن تؤدّي إلى الإصلاح أو حتّى الطرد من نظام الشهادات”.

تقول شبيلا بانديلي رويز، ناشطة التنوّع البيولوجيّ في منظّمة السلام الأخضر في أوروبا الوسطى والشرقيّة: “من المفترض أن تكون مناطقنا الأكثر ثراء بالتنوّع البيولوجيّ، مثل غابات الكاربات، محميّة وفقًا للأهداف المحدّدة في استراتيجيّة التنوّع البيولوجيّ للاتّحاد الأوروبّيّ لعام 2030. ومع ذلك، في الوقت الّذي تظلّ هذه الأهداف مجرّد كلمات على الورق، فإنّ أغنى النظم البيئيّة في أوروبا تختفي”. وتضيف “من خلال وضع قوانين ملزمة في الاتّحاد الأوروبّيّ لحماية الطبيعة واستعادتها، فإنّ شركات مثل إيكيا لن تستمرّ في المساهمة في تدمير التراث الطبيعيّ الأوروبّيّ، كما هو الحال في منطقة الكاربات الرومانيّة، في المستقبل”.

ويعدّ نموذج عمل الأثاث “السريع” الّذي تعتمده “إيكيا” من أنجح نماذج الأعمال لتلك الشركات. في العام الماضي، كان لدى “إيكيا” ما يقارب 500 متجر يعمل في أكثر من 60 دولة، وتولد حوالي 50 مليار يورو، ويعمل في الشركة ما يقارب 225 ألف موظّف بالإضافة إلى إنتاج أكثر من 10 آلاف منتج. وفي العام 2019، استهلكت إيكيا شجرة واحدة على الأقلّ كلّ ثانية، وفقا المنظّمة غير الربحيّة “إيرث إنسايت” Earthsight. وتستمرّ إيكيا في التوسّع، وتمتلك أكثر من 2800 كلم مربّع من الغابات في جميع أنحاء العالم، منها أكثر من 500 كلم مربّع في رومانيا، ممّا يجعلها أكبر مالك للأراضي الخاصّة في البلاد.


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *