في ذكرى اغتيال كمال جنبلاط
صادفت في السّادس عشر من آذار ذكرى اغتيال القائد السّياسي اللبناني التقدمي كمال جنبلاط، مؤسس الحزب الاشتراكي التقدمي، وذلك في العام 1977، حيث جرى اعتراض مركبته وموكبه خلال خروجه من مكان إقامته في قرية المختارة في الشّوف وجرى اغتياله.
ولد كمال جنبلاط في المختارة من قضاء الشّوف في لبنان عام 1917.
درس جنبلاط الفلسفة وعلم النفس والحقوق في لبنان وفي فرنسا، فقد كان شمولي الثقافة.
كتب كمال جنبلاط الملقب بالمعلّم المقالات في السّياسة والاقتصاد والأدب، وكتب الأشعار والمقولات والحِكم والتأمّلات الفلسفية ومارس اليوغا والتصوّف، وله كثير من المحاورات مع وسائل إعلام ومع شخصيات مهمّة عبر العالم، أهمُّها في الهند مع رموز دينية هندوسية وبوذية وغيرها.
وله اجتهادات في الطّب الشّعبي المعتمد على النبات، وفي الأساس على نبتة القمح، وهذا ما نجده في مجموعة أعماله الكاملة.
كان جنبلاط شخصيّة موسوعية متعدِّدة الاهتمامات، نظم الشِّعر الرومانسي التأمّلي والذي ضمّنه حكمته في الحياة، وكان صوفيّ الهوى، ومارس رياضة اليوغا.
وهو بهذا واحد من الزعماء العرب القلائل الذين كان لهم اهتمام كبير في الأدب والثقافة والتأمُّلات الفلسفية والطموح للتأليف والإبداع، وساعيًا باحثًا عن أسرار الحياة وما وراء الطبيعة، ثم تورطه في السّياسة التي لم يكن يحبّها.
أرّقه مغزى وجود الإنسان في هذا الكون، وفي هذا الموضوع كتب الخواطر الفلسفية، ونقل الكثير من النّصوص عن مصادرها من فلاسفة وحكماء من الصين والهند واليونان القديم، أبرزها للحكيم الصيني تسو.
اغتيل كمال جنبلاط عام 1977، وهو واحد من آخرين كثيرين جرى اغتيالهم في هذا البلد، من أصحاب الفكر أو أصحاب المواقع والمواقف السياسيّة، فقد حدث في تاريخ لبنان الكثير من الاغتيالات لرجال السّياسة، ولم ينجُ منها أيُّ طرفٍ من أطراف الصراع على السُّلطة والنفوذ في لبنان، وهو صراع يحمل سمات طائفية في مراحل مختلفة، أما جنبلاط فقد صُنف على أنّه من ضحايا النظام السُّوري مثل سمير قصير وجبران تويني وغيرهم، فقد كان معارضًا للنظام السوري ومن أهم منتقديه، وذكر أنور السادات اغتياله في إحدى خطبه على يد النّظام السوري.
كان جنبلاط على خلاف شديد مع حافظ الأسد وأعلن عن معارضته لدخول القوات السّورية إلى لبنان تحت مُسمى قوات الرّدع العربية إثر الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975.
في التحقيقات تبيّن أن الذين أطلقوا النار على موكبه، كانوا قد حاولوا اختطافه، ولكن عندما فشلوا أطلقوا النار عليه وعلى مرافقيه، وقد تعطلت سيارتهم التي حملت لوحةً عراقية، فلجأوا إلى حاجز قريب للجيش السُّوري، ولم يعرف بعد ذلك من هم. وحتى يومنا لم يُعلن رسميًا عن الجهة المسؤولة عن اغتياله.
شغل كمال جنبلاط منصب رئيس القوات المشتركة التي جمعت القوى التقدمية اليسارية والقومية اللبنانية مع منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة ما سُمّي في حينه القوات الانعزالية، وعندما اضطرّت منظمة التحرير الفلسطينية إلى مغادرة لبنان عام 1982 بعد حصار بيروت، سلّمت أسلحتها الثقيلة للحزب الاشتراكي التقدمي، الذي كان حليفًا لها أثناء الحرب الأهلية.
من المُلاحَظ أنّ بعض من يعتزّون جدًا بتراث الراحل كمال جنبلاط، بعيدون جدًا عن روحه الثائرة الرّافضة للظلم، فنرى أنّهم في وادٍ وأفكار ومبادئ جنبلاط التي يتغنّون بها في وادٍ آخر.
نجد كثيرين منهم يتنكّرون لحقوق الشّعب الفلسطيني في وطنه، وحقّه في الدفاع عن نفسه في مواجهة قمعه واقتلاعه والاعتداءات على مقدّساته، ويناصرون الظّلم والظالمين ويتغنّون بمواقفهم ويفخرون بها، وينقلون الرّواية الصهيونية المبنيّة على الأكاذيب وكأنّها الحقيقة.
هذه المواقف تكشف إذا ما كان هذا الشّاعر أو ذاك “المثقّف” أو الشّخصية الاجتماعية والسّياسية منحازة حقًا إلى الحرّية، أم أنَّها كلمات تقال لا تتجاوز الشفاه وتتبدّل حسب الأهواء والمصالح الشّخصية.
ما أكثر المدّعين باحترام الشّخصيات الوطنية والقومية من أمثال كمال جنبلاط، وما أقلَّ الذين يقصدونها بالفعل وحتى النهاية، وليس في مكان دون سواه، أو في ظرف دون آخر.
في ذكرى اغتياله نتذكّره احترامًا وتقديرًا لفِكره الإنساني ولأدبه ولمواقفه السّياسية المناصرة لشعبنا الفلسطيني بشكل خاص، وللمظلومين والطبقة الفقيرة عمومًا، وطموحه في تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية ورفع الظلم عن المظلومين والمقهورين.
المصدر: عرب 48