قانون جديد لإحكام السيطرة على على جهاز التربية والتعليم العربي
أجمعت فعاليات وأطر تربوية وتعليمية في المجتمع العربي على رفضها مشروع قانون إسرائيلي جديد يهدف إلى فرض رقابة على المعلمين والمعلمات العرب بادعاء مكافحة “الإرهاب”، وإحكام السيطرة على جهاز التربية والتعليم العربي.
قانون لفرض رقابة على المعلمين وإحكام السيطرة على جهاز التعليم (عرب 48)
أعربت أطر وهيئات تعليمية وتربوية في المجتمع العربي بالبلاد عن قلقها من مشروع قانون جديد صدّقت عليه، حديثا، لجنة التربية والتعليم في الكنيست الإسرائيلي، يهدف إلى فرض رقابة على المعلمين والمعلمات بادعاء مكافحة “الإرهاب”، وإحكام السيطرة على جهاز التربية والتعليم العربي.
ويقضي القانون الجديد بإقصاء موظف وفصله إداريا وليس من خلال قرار محكمة، من جهاز التربية والتعليم، إذا ثبت أنه يتماهى مع “الإرهاب”، أو يؤيد نضال مسلح لدولة عدو أو تنظيم معاد لإسرائيل. كما يمنح القانون الجديد إمكانية منع تحويل ميزانية لأي مؤسسة تعليمية أهلية وفقا لرأي وزير التربية والتعليم إذا ثبت أن طاقم المدرسة يتماهى مع “منظمة إرهابية” أو “عمل إرهابي”.
وقدّم مقترح القانون عضو حزب “الليكود”، عميت هليفي، ودمج مع مقترح شبيه قدمه عضو حزب “عوتسما يهوديت”، تسفيكا فوغل، العام الماضة، وشدد ممثل وزارة القضاء على ضرورة إجراء تعديلات قبل القراءة الثانية والثالثة للقانون، كما سبق لممثل وزارة التربية والتعليم السنة الماضية إبداء معارضته لتشريع هذا القانون، مبينا أن التعاون قائم مع أجهزة الأمن، والعلاقة بين وزارة التربية والتعليم وجهاز الأمن العام (الشاباك) متينة، قائلا إن “علاقتنا مع الشاباك متينة ونتلقى معلومات عينية منه وفقا للحاجة”.
وتشهد لجان الكنيست وهيئتها العامة، جملة مشاريع قوانين تبسط فيها الغالبية اليمينية هيمنتها على المشهد العام، بحيث تتحول وجهة النظر السياسية لليمين المتطرف وجهة نظر أمنية في ظل موجة التحريض على العرب الفلسطينيين، ومعظم هذه القوانين لا حاجة لها وهناك أدوات ضمن القوانين القائمة تفي بنفس الغرض إلا أن موجة التطرف الشعبوي لإشباع غرائز الانتقام تطغى على العمل السياسي في إسرائيل منذ أحداث عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والحرب الإسرائيلية قطاع على غزة.
وقال رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، د. شرف حسّان، لـ”عرب 48” إن “إعادة موضعة الشاباك والأجهزة الأمنية داخل وزارة التربية والتعليم والرقابة على المعلمين وعلى المضامين في الوزارة هو أمر هدّام للعملية التربوية عموما، ولجهاز التعليم العربي على وجه الخصوص. نحن لم نشف حتى الآن من الآثار السلبية السابقة لدور الشاباك العلني السابق في تعيين المعلمين وغيرها، لذلك مجرد إثارة مثل هذه القوانين مجددا هو عمل هدام، حتى ولو لم يتم تشريع القانون، لأنه تبث حالة إثارة خوف وإرهاب لدى المعلمين والمعلمات في جهاز التعليم العربي، وهي ثقافة قائمة منذ الحكم العسكري، مرورا بفترة تدخل الشاباك في التعيينات والوظائف، وإعادة هذا الأمر بشكل شرعي وواضح وعلني سيزيد من أزمة التعليم العربي والمشاكل النابعة من هذا التدخل”.
وأضاف حسان أنه “نناضل من أجل وقف تدخل أجهزة الأمن في التعيينات والتي أدت الى ثقافة الواسطة وتعيينات غير مهنية، وهذا النضال نجح قبل نحو 15 عاما لوقف التدخل إلى حد معين في التعيينات، ولم يتوهم أحد أن هذا حدّ من تدخل الأجهزة الأمنية. في السنوات الأخيرة تم الكشف عن بعض هذه التدخلات، من خلال جلسات دورية لجهاز الأمن مع مدير عام وزارة التربية والتعليم حول التعليم العربي، وأثرنا هذا الموضوع مع مؤسسة عدالة، والذي يخالف أصلا قرارات صادرة عن المحكمة. الآن هذا القانون يخلق واقعا آخر، ويمنح الأجهزة الأمنية دورا كبيرا وواسعا ورسميا، بصورة عامة، ومن هنا تأتي خطورة هذه القوانين”.
وشدد على أنه “في هذا القانون توجد أمور كثيرة عالقة، مثلا تفسير الإرهاب أو دعم عمل إرهابي، في الجانب القضائي يريدون تفسير هذه النقاط بينما المبادرون يسعون لإبقاء التفسير فضفاضا كي يتمكنوا إدخال آراء سياسية تناقض مواقفهم هم، أو وفقا لتفسيرهم هم، ونحن نلاحظ اليوم أن مصطلح الإرهاب يمكن أن يكون فضفاضا إلى حد أن الدعوة لوقف حرب أو حل سلمي يتحول إلى إرهاب! وحتى مواقف إنسانية ترفض المساس في المدنيين تفسّر بأنها إرهاب. وزارة القضاء تريد تعريفا واضحا واليمين يريده فضفاضا ونحن سنواجه هذا القانون قضائيا إذا لزم الأمر. بقيت قضايا خلافية بين توجهين وكلاهما لا يرفضان القانون وإنما وزارة القضاء تسعى لأن يكون القانون منطقيا أكثر، منها تعريف الإرهاب وقضية منح صلاحيات إدارية لفصل معلمين على الرغم من وجودها في الوضع الحالي، ولكن المسار بشكل تأديبي يعطي الحق للشخص الدفاع عن نفسه، وما يسعى له القانون أن يكون الإجراء إداريا محضا مع صلاحيات واسعة، ويجعل من فصل عامل قضية سياسية، وأحيانا لا تحترم أبسط الحقوق العمالية”.
وعن إمكانية عدم تحويل ميزانيات، قال حسان إن “بند حرمان الميزانيات يهدف للضغط على مؤسسات تربية في القدس الشرقية، هناك استغلال لأداة الميزانية للضغط والتحكم في العملية التربوية، ومحاولة لإجبار المؤسسات لتعليم المنهاج الإسرائيلي مع استغلال ضائقة التعليم في القدس، وهو مسعى لإحكام سيطرة على مؤسسات التعليم، والأمر اللافت في لجنة الكنيست أن تكون دراسة مستفيضة للقانون، ولكننا شهدنا تسريعا لدراسة القانون ولم يتم صياغة الأمور بشكل موحد وإنما جرى إرجاء النقاش لمرحلة القراءة الثانية والثالثة للتوصل إلى صيغ توافقية خلافا للمعتاد، وذلك لاستغلال الأجواء في هذه الأيام لتمرير القانون بقراءة أولى على الرغم من أنه لم يستوف الدراسة، فإقرار هذا القانون رغم تحفظ الجهات المهنية وحتى الشاباك نفسه، يؤكد أن اليمين ماض بشكل كبير ضمن خططه لإتمام الانقلاب القضائي الذي بدأ في أجهزة الدولة بما في ذلك في جهاز التربية والتعليم”.
وقال عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني الديمقراطي ورئيس اللجنة الشعبية في طمرة، محمد صبح، لـ”عرب 48” إن “هذا القانون يحاول مرة أخرى تعميق نظام السيطرة على جهاز التعليم العربي عبر تفعيل دور الشاباك بشكل رسمي والعودة بنا إلى فترة الحكم العسكري، ويحاول ملاحقة المعلمين وترهيبهم من خلال مراقبة أقوالهم، وتصريحاتهم، ونشاطهم، والذي من الممكن أن يصنف تحت مظلة التعريف الإسرائيلي الواسع للإرهاب، حيث من الممكن أن تدخل تحت هذه المظلة انتقادات للاحتلال وممارساته والتعبير عن الانتماء للشعب الفلسطيني ومساندة قضاياه”.
وأضاف أنه “يجب العمل على التصدي لهذه القوانين من خلال تعميق الوعي بين المعلمين العرب حول دورهم وحقوقهم في التعبير عن آرائهم، والعمل على كسر حواجز الصمت التي تعمل هذه القوانين على بنائها مجددا”.
وختم صبح بالقول إن “هذه القوانين تأتي أيضا للتضييق بشكل ممنهج على مدارس القدس العربية على وجه الخصوص، من أجل الضغط عليها من خلال حرمانها من الميزانيات المستحقة ومحاولة فرض المناهج التعليمية الإسرائيلية عليها، والعمل على سلخ المقدسيين عن شعبهم الفلسطيني وقضاياه”.
وقالت المربية والنائبة السابقة، نيفين أبو رحمون، لـ”عرب 48” إن “إسرائيل تعاملت منذ نكبة شعبنا مع المدارس كآلية سيطرة على مجتمعنا بهدف الرّقابة الفعليّة على المناهج التّربويّة والتّعيينات. وقد ترتّب على ذلك تواجد لممثّل الشّاباك في مكاتب وزارة التّعليم من أجل تطبيق قرار يشي بالدّرجة الأولى إلى انتقاء معلمّين منعزلين عن قضايا شعبهم إلى جانب السّيطرة الفعليّة على كيف يكون المناخ التّربوي داخل المدارس. استمرّ هذا الأمر حتى العام 2005 بعد التماس من مركز عدالة، والذي شكّل ضغطا حقيقيًّا حول قانونيّة ذلك، وتم التوقّف عن ذلك. واللافت كان أن من شغلوا مناصب في الوزارة مثل شلوميت ألوني ويوسي سريد أكّدوا على تواجد مراقب من الشّاباك يشرف من داخل مكتب الوزارة على التعيينات بشكل عام حتى على عمّال الصّيانة والنّظافة”.
وأردفت أن “توقّف موظّف الشّاباك لا يعني توقّف منهجيّة العمل من قبل سياسات إسرائيل، فهي ما زالت تستهدف التّعليم العربي والمؤسّسات التّربويّة بهدف تقويض المعلّمين وملاحقتهم السّياسيّة، وهذا يندرج أيضا ضمن استهداف الطالب الفلسطيني في سعي مستمر من النّيل من هُويّته وانتمائه، لذلك في السّنوات الأخيرة تعمل من خلال مبادرة لمشاريع قوانين حول استعادة الرّقابة، وهذا يمثّل إيديولوجيا لحكومات متعاقبة تبدو أنّها تحت سيطرة اليمين الصّهيوني الدّيني الذي يعمل على محاربة المدارس من باب محاربة كل شيء عربي وفلسطيني. وهناك أشخاص لديهم هواجس بأنّه يمكن اعتماد الرّقابة من أجل الحدّ من جيل منتم لشعبه وقضيته”.
وختمت أبو رحمون بالقول إن “إسرائيل سعت ضمن سياساتها إلى خلق جيل منعزل عن قضيّته ضمن مساعٍ تعليميّة ولا منهجيّة، ولكن في الواقع سياسة التّدجين والتّجهيل تنكسر أمام كل محطّة سياسيّة هامّة كما حدث في الانتفاضة الثانيّة وهبّة الكرامة، والتي برز فيها دور الشّباب والطّلاب. الآن مبادرة مشاريع القوانين تأتي من سياسيين بعكس ما كان سابقا والذي كان بقرار من الشّاباك وإسقاطه على السّياسيين، وهذا يعكس فعليًّا السّياسات المترتّبة على الحكومات المتعاقبة، ولكن يبقى الأهم كيف يكون ردّنا؟! باعتقادي يجب أن تكون لنا مقولة واحدة كمعلّمين ومعلّمات حيث نشكّل قوّة تنظيميّة كبيرة في التّعاطي مع هذه السّياسات وتفعيل دورنا كمعلّمين ومدراء كجزء من مجتمع يناضل وأن يتحوّل نضالنا في التعليم العربي كجزء من النّضال العام من أجل التّصدّي بقوّة لهذه السّياسات”.
المصدر: عرب 48