قتل المشاعر المتعاطفة مع الفلسطينيّين
تستهدف وثيقة مشروع “إستير”، وهي حسب المؤلّفين “استراتيجيّة وطنيّة لمكافحة معاداة السامية” ما تسمّيها “شبكة دعم حماس”، والّتي تتألّف من مجموعات تزعم الوثيقة أنّها “معادية للساميّة ومعادية لإسرائيل وأميركا”…
مظاهرة مؤيّدة لفلسطين في نيويورك (Getty)
في الذكرى السنويّة الأولى لأحداث السابع من أكتوبر الّذي اتّخذته إسرائيل ذريعة لبدء حرب الإبادة الجماعيّة على غزّة، والّتي راح ضحيّتها الآلاف، معظمهم من الأطفال والنساء، أصدر مركز الأبحاث الأميركيّ “ذا هيريتاج فاونديشن” The Heritage Foundation بحثًا مفصّلًا لما أسماه مشروع “إستير” Esther Project.
وبالرّغم من زعم الرئيس المنتخب دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا أنّه لا يوجد أيّ علاقة تربطه بمشروع 2025، حيث ادّعى ترامب أنّه حتّى لم يقرأ مقترحات المؤسّسة، ولا يعرف من يقف وراءها. لكنّ مشروع 2025 له روابط عديدة بترامب وحملته، حسب تقرير في صحيفة نيويورك تايمز.
يقول التقرير إنّ الأشخاص الّذين يقفون وراء مشروع 2025 ليسوا “غرباء” تمامًا عن الرئيس المنتخب، فقد التقى كلًّا من رئيس مؤسّسة “هيريتيج” كيفن د روبرتس، والمؤسّس المشارك، إدوين جيه فيولنر، بشكل شخصيّ، وحسب مؤلّفي المشروع والمساهمين فيه والبالغ عددهم 307، وجد أنّ أكثر من نصفهم كانوا في إدارة ترامب، أو في حملته.
وحسب التقرير، فقد كُتِبت أجزاء كبيرة من “تفويض القيادة”، وهي الوثيقة الأساسيّة خلف مشروع 2025، من قبل الموالين لترامب منذ فترة طويلة، والّذين كانوا مستشاري ترامب خلال فترة ولايته الأولى.
على الجانب الآخر، نفى المتحدّثون باسم مشروع 2025 أنّهم يدعمون أيّ مرشّح للانتخابات الرئاسيّة بشكل خاصّ، وليس لمشروع 2025 أي روابط رسميّة بحملة ترامب. ولكنّ رئيس مؤسّسة “هيريتيج” صرّح لصحيفة نيويورك تايمز في مقابلة أجريت معه في كانون الثاني/يناير الماضي، أنّه يرى أنّ دور المؤسّسة يتمثّل في “إضفاء الطابع المؤسّسيّ على الترامبيّة السياسيّة”.
وتُعرف الترامبيّة بأنّها اتّجاه سياسيّ يدافع عن مبدأ “أميركا أوّلًا” ولو كان ذلك على حساب الالتزامات الدوليّة. وتتجنّب الترامبيّة المبادئ الكنسيّة لصالح الهويّة الوطنيّة، وتحتضن “القوّة الصناعيّة” باعتبارها أفضل من الاقتصاد الرقميّ الّذي يفتقر بشكل متزايد إلى العمّال. كما تسعى الترامبيّة إلى إعادة التوازن لمفاهيم “الرخاء الأميركيّ” لصالح الطبقة العاملة الّتي طالما استخفّت بها النخب القانونيّة والماليّة. ولتحقيق هذا الهدف، تعطي الترامبيّة الأولويّة للنتائج الملموسة، بخلق فرص العمل في التصنيع المحلّيّ.
وفي الوقت الّذي نفى فيه ترامب بشكل علنيّ معرفته بمشروع 2025، كان ثمّة تداخل كبير بين المشروع والخطط الّتي عبّر عنها ترامب في خطابات حملته الانتخابيّة، وفي أجندته الحاليّة. ويعدّ دليل السياسات، المعروف باسم “تفويض القيادة” Mandate for Leadership، واحدًا من ركائز مشروع 2025. الركيزة الأخرى تتمثّل في الجهود لجمع قاعدة بيانات تضمّ آلاف المحافظين الّذين تمّ “فحصهم” أو فرزهم لتولّي إدارة جديدة محافظة. ويقود هذا الفريق جون ماكنتي وجيمس بيكون، اللّذان ساعدا خلال فترة ولاية ترامب الأولى في “تطهير” الحكومة الفيدراليّة من الأشخاص الّذين اعتبروا غير موالين له.
مشروع 2025، وهو ما وصفه خبراء بالـ”مخطّط القمعيّ” الّذي يتألّف من 900 صفحة، والّذي أعدّه عشرات من السياسيّين المرتبطين بدونالد ترامب لم يكن كافيًا. فقد أصدرت مؤسّسة “هيريتيج” وثيقة أخرى مطوّلة ومفصّلة، تستهدف هذه المرّة الأميركيّين المؤيّدين لفلسطين والمناهضين للحرب.
وتستهدف وثيقة مشروع “إستير”، وهي حسب المؤلّفين “استراتيجيّة وطنيّة لمكافحة معاداة السامية” ما تسمّيها “شبكة دعم حماس”، والّتي تتألّف من مجموعات تزعم الوثيقة أنّها “معادية للساميّة ومعادية لإسرائيل وأميركا”.
ويزعم المشروع، إنّ شبكة الدعم هذه تدور حول “منظّمة المسلمين الأميركيّين من أجل فلسطين” (AMP) مع “أذرع عمل” تتألّف ممّا يزعم المشروع، وبدون أدلّة، أنّها “منظّمات تدعم حماس”، بما في ذلك “منظّمة صوت اليهود من أجل السلام” و”منظّمة طلّاب من أجل العدالة في فلسطين”.
وتشير التقارير الصحافيّة إلى وجود قمع واسع النطاق للأميركيّين الّذين يتحدّثون ضدّ دعم الولايات المتّحدة اللامحدود للإبادة الجماعيّة الّتي ترتكبها إسرائيل بحقّ الفلسطينيّين، لكنّ مشروع “إستير” يجسّد “قوّة سياسيّة يمينيّة” لقمع الأصوات المعادية للإبادة الجماعيّة، من خلال تسليح الحكومة بأدوات أفضل، تمكّنها من دعمها لإسرائيل تحت قيادة ترامب، بالرغم من محاولات الرئيس المنتخب أن ينأى بنفسه عن المشروع، وهو ما يراه المراقبون”محاولات غير مقنعة”، نظرًا للعلاقات الّتي تربطه بمؤلّفي المشروع.
وكتب المؤلّفون في المشروع: “نيّتنا تنظيم وتوجيه جميع الشركاء الراغبين والقادرين في جهد منسّق يستخدم جميع الموارد المتاحة لمكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتّحدة”، وأضافوا: “أملنا هو أن يمثّل هذا الجهد فرصة للشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ عندما تكون هناك إدارة راغبة في البيت الأبيض”.
وفي تعليق لها، قالت ستيفاني فوكس، المديرة التنفيذيّة لمنظّمة “صوت اليهود من أجل السلام”، إنّ “هذه هي المحاولة الأخيرة لاستغلال المجتمع اليهوديّ الأميركيّ لتعزيز أجندة اليمين المتطرّف القمعيّة”.
ويستهدف المشروع العديد من الأفراد السياسيّين والناشطين، بما في ذلك العديد من الممثّلين المنتخبين السود واليهود الّذين عبّروا عن أيّ انتقاد لإسرائيل، بما في ذلك أعضاء مجلس الشيوخ، بيرني ساندرز وتشاك شومر. وتمّ وصفهم بشكل جماعيّ على أنّهم أعضاء في “منظّمات دعم حماس”، وهي جزء من “شبكة دعم حماس”. ومن خلال ذلك، تستهدف الحملة دعاة العدالة الاجتماعيّة البارزين وممثّلي الحزب الديمقراطيّ التقدّميّ باعتبارهم أعداء للشعب اليهوديّ، باستخدام أسطورة الملكة “إستير” لتبرير اضطهادهم وقمعهم.
وتستخدم الوثيقة مصطلحات مثل “تحليل الشبكات الاجتماعيّة” لوصف عمليّات المراقبة والتسلّل وتعطيل حركات العدالة الاجتماعيّة. وتؤيّد الوثيقة عمليّات التسلّل باعتبارها تكتيكًا لزرع عدم الثقة بين المنظّمات. بل وتقترح الوثيقة تحديد “العقد الحرجة”، وهي عبارة عن الأفراد الّذين قد تشكّل “إزالتهم” خطوة كبيرة نحو تدمير المنظّمات الّتي تعتبرها مؤسّسة هيريتيج معادية للمصالح التجاريّة لكلّ من إسرائيل والولايات المتّحدة.
وينصّ مشروع “إستير” بشكل صريح ومباشر إلى أنّ الحركة الأميركيّة المناهضة بشدّة لإسرائيل والصهيونيّة وأميركا “المؤيّدة للفلسطينيّين” تشكّل جزءًا من “شبكة دعم حماس العالميّة” الّتي تحاول إجبار الحكومة الأميركيّة على التخلّي عن دعمها الطويل الأمد لإسرائيل.
بدوره، يشير ترامب إلى أنّ بايدن كان ضعيفًا في مواجهة “متطرّفي حماس” وأنّه سيبذل المزيد من الجهود لإيقاف المقاومة المناهضة للاستعمار كرئيس منتخب. خلال حملته الانتخابيّة، دعا ترامب إلى ترحيل الأجانب الّذين يدعمون المقاومة الفلسطينيّة، ومنذ انتخابه، فقد رشّح مؤيّدين لإسرائيل لمناصب استخباراتيّة وأمنيّة رئيسيّة في حكومته، ممّا يشير إلى أنّه ينوي الوفاء بوعوده بشأن قمع النشطاء المناهضين للصهيونيّة.
وفي إطار خطاب إثارة الخوف المغلّف بـ”الوطنيّة والقيم الأميركيّة” والمحاولات الصهيونيّة الأخيرة لإعادة تسمية العدوان والحرب على غزّة بـ”الدفاع”، يعمل مشروع “إستير” على إضفاء الطابع المؤسّسيّ على قمع المعارضة في إطار نظريّ، فيصوّر نفسه باعتباره الحصن الأخير ضدّ التهديد المتمثّل في “النفوذ الأجنبيّ”، والحامي الشجاع للمواطنين من مجموعات الوثنيّين ذوي البشرة السمراء.
وينظر أصحاب أيديولوجيّة مشروع “إستير” إلى أنفسهم باعتبارهم أبطالًا يخوضون “حربًا مقدّسة”، حيث يعد المشروع بمواصلة حشد الصهاينة من اليمين السياسيّ المتطرّف، الّذين شجّعهم فوز ترامب، لتفكيك المقاومة من خلال التدقيق الماليّ والأكاديميّ، وحملات التشهير والحرب القانونيّة. وفي الوقت الّذي يحمي فيه المشروع السياسات الصهيونيّة، ويتحالف مع تفوّق العرق الأبيض في الولايات المتّحدة، فإنّ الوثيقة مليئة بالمعلومات المضلّلة مؤيّدي فلسطين ومناهضي الإبادة الجماعيّة التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزّة، والتي تزعم الوثيقة أنّهم “معادون للصهيونيّة والساميّة، ويحاولون محاصرة النظام التعليميّ الأميركيّ”.
وتتلاعب حملات ومشاريع مثل مشروع “إستير” بالصدمات التاريخيّة اليهوديّة لتعزيز تفوّق العرق الأبيض وقمع الحركات المناهضة للاستعمار والعنصريّة، بينما تخدع الجمهور الّذي يدعو للتضامن مع الفلسطينيّين، حتّى عندما يعبّر عنه اليهود، باعتباره معاديًا للساميّة. هذه المقاربة لا تقمع المعارضة لخدمة أجندات اليمين فحسب، بل إنّها تدعم أيضًا الرواية الّتي تروّج للعنف، ضدّ أولئك الّذين يقاومون القمع، وتصفهم بأنّهم تهديد وجوديّ.
ويقترح المشروع جدولًا زمنيًّا لا يتجاوز 100 يوم لتفكيك الحكومة الفيدراليّة وإعادة بنائها حسب توجّهات اليمين المتطرّف، أمّا بالنسبة لملحق مشروع “إستير”، فإنّه يتوقّع “القضاء على المشاعر المعادية لإسرائيل” في الولايات المتّحدة في غضون 12 إلى 24 شهرًا فقط.
المصدر: عرب 48