قرية فلسطينيّة بين فكّي الحصار والاستيطان في الضفّة الغربيّة
بحسرة وألم كبيرين، يشاهد سكّان قرية أم صفا شمال غرب مدينة رام اللّه وسط الضفّة الغربيّة المحتلّة، أراضيهم الّتي ورثوها عن أجدادهم، وهي تتعرّض لأعمال تجريف إسرائيليّة.
هذه الأراضي الّتي زرعها مالكوها بأشجار مثمرة ومعمّرة على مدى سنوات، قال بعضهم إنّ مستوطنين استولوا عليها بقوّة السلاح بزعم أنّها “مملوكة للدولة”.
وقال فلسطينيّون من القرية، في أحاديث منفصلة، إنّهم يعيشون حصارًا تفرضه إسرائيل منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي، في حين تنهب أراضيهم لصالح بؤرة استيطانيّة.
وأوضحوا أنّ إسرائيل “تستثمر الانشغال الدوليّ بالحرب على قطاع غزّة، لتنفيذ مخطّط يهدف إلى السيطرة على أكبر مساحة من أراضي الضفّة الغربيّة عبر التوسّع الاستيطانيّ”.
وفي يوليو/ تمّوز الماضي، قالت حركة “السلام الآن” اليساريّة الإسرائيليّة، إنّ “مجلس التخطيط الإسرائيليّ صدق على بناء 5 آلاف و295 وحدة استيطانيّة في عشرات المستوطنات بأنحاء الضفّة”.
ورصدت الأناضول مواصلة مركبات وجرّافات إسرائيليّة ضخمة تجريف وتدمير أراضي المواطنين الفلسطينيّين بحراسة من آليّات عسكريّة.
وفي 22 سبتمبر/ أيلول الجاري، قال رئيس مجلس قرويّ “أم صفا” مروان صباح، إنّ “أعمال التجريف والمصادرة للأراضي بدأت قبل نحو أسبوعين، وأنّ مساحة المنطقة المستهدفة تبلغ 500 دونم من أراضي القرية”.
وأشار المسؤول المحلّيّ، للأناضول حينها، إلى أنّ مستوطنين بحماية الجيش “نصبوا خيامًا ومنعوا الاقتراب من المنطقة”، تمهيدًا لإقامة بؤرة استيطانيّة جديدة.
وخلال العام الأخير كثّف مستوطنون هجماتهم على القرية بالتزامن مع رفع وتيرة أعمال التجريف والسيطرة على الأراضي بقوّة السلاح، فيما شهدت الحركة الاستيطانيّة في الضفّة بما فيها القدس الشرقيّة ارتفاعًا ملحوظًا منذ وصول حكومة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2022.
ووفق تقديرات إسرائيليّة، يقيم أكثر من 720 ألف مستوطن في مستوطنات بالضفّة الغربيّة المحتلّة، بما فيها القدس الشرقيّة.
قضم متسارع للأراضي
الناشط في مقاومة الاستيطان ماهر صباح، يقول إنّ “أمّ صفًا تعيش حالة من الحصار وقضم أراضيها بشكل متسارع”. ولفت إلى أنّ إسرائيل تستثمر الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة لـ”تنفيذ مخطّطها الاستيطانيّ لسرقة أكبر قدر ممكن من الأراضي”.
وهو يشير إلى محيط قريته، يقول صباح “القرية محاصرة من كلّ الجهات، حيث مستوطنة عطيرت شرقًا، وحلميش غربًا، وشارع التفافي جنوبًا، فيما تعمل اليوم آليّات عسكريّة على تجريف أراض من الجهة الشماليّة”.
ومنذ 7 أكتوبر، تغلق إسرائيل مداخل القرية على الشارع الالتفافيّ ما جعل الوصول إليها معاناة أخرى. وأوضح الناشط صباح أنّ جرّافات عسكريّة منذ بداية العام “باشرت شقّ طرقات في أراضي السكّان، كما دمّرت مزارع وحقولًا وجدرانًا استناديّة بحماية من الجيش الإسرائيليّ”.
ولفت إلى أنّ السلطات الإسرائيليّة تدّعي أنّ “الأراضي ملك للدولة، رغم امتلاك أصحابها أوراقًا رسميّة منذ ما قبل الاحتلال الإسرائيليّ للضفّة عام 1967، بالإضافة إلى مستندات إسرائيليّة بهذا الشأن”.
وفي محاولة لوقف أعمال التجريف، أشار صباح إلى أنّه وقف برفقة أبناء قريته أمام الجرّافات الإسرائيليّة، إلّا أنّهم تعرّضوا للقمع. وقال عن ذلك: “في إحدى المرّات أبلغنا الجيش أنّ معه أمرًا بإطلاق النار (عليهم)”.
وفي الأشهر الأخيرة، تداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ مقاطع مصوّرة لتجريف للأراضي، وقمع إسرائيليّ للسكّان الفلسطينيّين خلال اعتراضهم ومحاولة منعهم تلك الأعمال.
ملكيّة خاصّة
وبجوار الموقع الّذي يطلق عليه السكّان “جبل الرأس” حيث أعمال التجريف، يقف المسنّ الفلسطينيّ نمر سبتي ممسكًا عصاه، ويقول: “على قمّة الجبل أمتلك 18 دونما زرعتها قبل سنوات بالعنب والتفّاح والخوخ”. وتابع: “كانت هذه الأرض ملاذًا لي، لكنّها اليوم باتت خرابًا لا يمكنني الوصول إليها”.
وبحسرة يتابع: “اليوم يسكن في أرضي مستوطن بقوّة السلاح والاحتلال”، دون توضيح تاريخ مصادرتها.
ولفت إلى أنّه ورث هذه الأرض عن والده وجده، ويملك أوراقًا رسميّة تثبت الملكيّة منذ عام 1920، كما أنّه يملك ورقة قيد إسرائيليّة منذ 1978. وأكمل المسنّ الفلسطينيّ: “اليوم تدّعي إسرائيل أنّ الأرض أملاك دولة.. (إسرائيل) تسرق وتنهب”.
ويستهجن الادّعاء الإسرائيليّ بملكيّة الأرض، قائلًا: “يطلبون منّي أن أثبت عكس ادّعائهم أنّ الأرض ليست أملاك دولة، كيف ذلك وأنا من يملك كلّ الأوراق الرسميّة!”.
مصير مجهول
في السياق، يقول الأميركيّ من أصل فلسطينيّ حسام سليم، إنّ جرّافات إسرائيليّة تعمل في أرضه الّتي ورثها عن عائلته.
ويضيف سليم، للأناضول، وهو ينظر لأعمال التجريف من موقع مقابل لأرضه: “بدأت جرّافات عسكريّة إسرائيليّة تجريف الأرض (دون تحديد التاريخ)، دون علمنا وبلا سابق إنذار”.
وأوضح أنّ أرضه مزروعة بأشجار الزيتون المعمّر، كما تضمّ منشآت زراعيّة مثل البيوت البلاستيكيّة. وقال متحسّرًا إنّه يجهل مصير أرضه، متابعًا: “مصيرنا جميعًا مجهول لا نملك حقّ الدخول لها كونها منطقة عسكريّة مغلقة”.
وأشار إلى أنّه يسعى لرفع قضيّة لدى الجهات الإسرائيليّة ذات الاختصاص، لافتًا إلى اعتزامه مخاطبة سفارة واشنطن في القدس والخارجيّة الأميركيّة لحماية ممتلكاته وحياته.
وختم قائلًا: “اليوم حياتنا في خطر وليست الأرض وحدها بفعل وجود المستوطنين، أخشى الذهاب إليها … قد يطلق عليّ الرصاص”.
ومنذ اندلاع الحرب على قطاع غزّة في 7 أكتوبر، صعد الجيش الإسرائيليّ ومستوطنون اعتداءاتهم على الفلسطينيّين وممتلكاتهم في الضفّة، بما فيها القدس، ما أسفر عن مقتل 716 فلسطينيًّا وجرح نحو 5 آلاف و800، واعتقال قرابة 10 آلاف و800.
فيما خلّفت حرب إسرائيل على غزّة، بدعم أميركيّ مطلق، أكثر من 137 ألف قتيل وجريح فلسطينيّين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانيّة.
المصدر: عرب 48