كم مرّة سننجو؟ | شعر
امرأة غزّيّة وطفلاها يلجؤون إلى البوسنة خلال الحرب على القطاع، 11/2023 | Getty.
بزاويةٍ منفرجةٍ ارتفعت الأعناق
بحثًا عن دعاءٍ في سماءٍ ضبابيّة
في أفقٍ رماديٍّ فسفوريّ
بمسافة 90 درجة،
حلّق الشهداء إلى السماء،
ليكنسوا ضباب المدينة،
لينفخوا في بوق ركام البيوت
ليلتئم من غرغرينة النزوح
وكذبة الممرّ الآمن
بمسافة بُعْد،
قال النازحون إنّ آخرين ما يزالون هناك،
عضّوا على خاصرة جدران البيوت المتآكلة،
لتدفّئ أفئدتهم عناقًا
وقالوا: المدينة لم تفرغ، لم تَمُتْ،
إلّا أنّها لا تستطيع هضم الدبّابات
والغارات
وجثث المجرمين
فتتلوّى
وقالوا أيضًا، إنّ الأرض حزينة
وكلّ هذه الحفر شهقة فجعها
إلّا أنّها لم تستطع أن تدثّر شهيدًا قُنِص في الشارع برحمها
على مقربةٍ من حافّة الرصيف،
تعلّم الجميع المشي على الحبل
إلّا أنّ الخُدْج لم يعرفوا،
لم يدركوا تقنيّة النجاة هذه،
فظلّوا ملتحفين بشرشفٍ أزرق
وحيدين بين جدران المشفى
وأنياب المجرمين
وخرسٍ عارٍ
لم يلحقوا أن نورثهم التقنيّة!
لم نستطع تحنيكهم إيّاها
وهمسها في أذنهم، بعد الأذان مباشرة
لم يعرفوا، فحلّق الكثير منهم
وبقلب النازح فينا، قلنا:
التحليق أحنّ من حافّة الحبل،
لا رغبةً في ارتقاء، بل طمعًا في الأمان!
وبوجه النازح المركّب بموزاييك اللجوء والإبادة،
تنضج أسئلةٌ بزاويةٍ كاملةٍ عن النزوح،
البيت، الأنقاض، المفقودين
وكم مرّةً سننجو؟
وكم مرّةً سنصلب على العدّاد؟
وكيف سنقترب من البلاد،
أو تقترب منّا هي بمسافةٍ حميميّةٍ جدًّا
وبزاويةٍ كاملةٍ
متقيّئةً هوس الجناة بالحرب
وشحّ الماء
وكلّ البكاء الأجوف
كيف ستحملنا البلاد في فؤادها،
دون أن تدثّرنا داخلها؟
فما لنا إلّا البلاد!
وبكلّ النزوح والخوف
يعرج النازح بزاويةٍ منفرجةٍ
وبرقبةٍ قائمةٍ
بحثًا عن أفقٍ
ومسافة قربٍ حميمةٍ
ليحتضن البلاد،
تسلّقًا لعدّاد الارتقاء
ووثبًا عاليًا عن النجاة
وصولًا لحياةٍ ممكنة
تقشع الضباب أمام حرفة الطائرات الشراعيّة!
شاعرة وباحثة فلسطينيّة من قطاع غزّة. صدر لها عن الأهليّة مجموعة شعريّة بعنوان «لأنّني أخشى الذاكرة» عن «دار فضاءات» (الأهليّة، 2020)، «أعدّ خطاي» (فضاءات، 2017).
المصدر: عرب 48