كوابيس الغرب… الجواب والواجب
تصف دول غربيّة مجزرة شارع الرشيد في شماليّ قطاع غزّة بالكابوس، والكابوس عادة ما يستيقظ صاحبه بسببه من النوم العميق، لكنّ كابوس قتل الجوعى لن يوقظ تلك الدول الغربيّة، فموقفها ليس سوى ضريبة كلاميّة يريح ضميرها في أحسن الأحوال، فجوعى غزّة سرعان ما يتحوّلون إلى أرقام في التقارير الدوليّة والإخباريّة. في مجزرة شارع الرشيد استشهد نحو مائة فلسطينيّ، وهو معدّل القتل اليوميّ، فلماذا صار كابوسًا بالنسبة لدولة مثل كندا، أليس قتل أكثر 12 ألف طفل فلسطينيّ كابوسًا؟ كلّ يوم يقتل في غزّة عشرات المدنيّين ليصل المعدّل اليوميّ إلى نحو مئة شهيد.
هل يجب أن نعتذر للغرب على أنّنا نخرّب نومهم بكوابيسنا؟ إنّ كوابيسنا من صنعهم وبأسلحتهم ودعمهم.
أمّا العرب، شعوبًا وأنظمة، وكذلك “الأمّة الإسلاميّة”، فصاروا ظاهرة افتراضيّة تمتدّ من التيك توك إلى إنستغرام، وكأنّ وقف الإبادة من مسؤوليّة الغرب وحده، فهو صاحب الربط والحلّ، وهذا ليس خروجًا طوعيًّا من التاريخ فقط، بل إعلان موت وانقراض حضاريّ.
هذا الكلام طبعًا لا يشفي غليل غزّة، ولا يشبع جوعها، ولا يردّ شهيدًا، لكن هذا هو الواقع؛ لقد تبيّن أنّ المقاومة قادرة، لكنّها بحاجة إلى ظهير يدعمها ويحوّل الإنجاز العسكريّ إلى إنجاز سياسيّ، والظهير معدوم عن سبق إصرار وترصّد، بل هو خنجر في خاصرة المقاومة.
لا شكّ أنّ فلسطين هي قضيّة العرب، وفي وجدان كلّ مواطن عربيّ، لكنّ هذا الصمت المدوّي من المحيط إلى الخليج، لا يمكن تفسيره بالاستبداد والقمع فقط، ولا العجز وقلّة الحيلة، والتسرّع في تفسيره سيقود إلى التعميم الخاطئ، لكنّه سؤال مصيريّ، ماذا حلّ بنا؟
بإمكان العرب فرض وقف الإبادة، شعوبًا وأنظمة، والتسليم بأنّ الأنظمة همّها البقاء، وتشتري شرعيّتها بدماء غزّة، هو نكسة للشعوب، الّتي إذا ظلّت على ما هي عليه، يصبح لا معنى لبقائها هي، وتنفي نفسها بنفسها. فإذا كان همّ الأنظمة البقاء، ومصلحة أميركا ببقاء هذه الأنظمة، فإنّ أيّ تهديد شعبيّ عليها بمقدوره أن يدفع إلى وقف الإبادة خوفًا على الأنظمة. سيقال إنّ مفاعيل إبادة غزّة قادمة وبالًا على الأنظمة، كما حصل في مصر بعد النكبة مثلًا، ربّما.
أمّا “الأمّة الإسلاميّة”، فأين هي؟ هل ستكثر من الدعاء لغزّة في رمضان؟ اللّهمّ استجب لدعواتهم.
أين الـ48؟
تطرح تساؤلات عن سلوك المواطنين الفلسطينيّين في إسرائيل، بعضها من باب محاولة الفهم، وبعضها من باب المزايدات والاتّهامات، خصوصًا تجاه القوى السياسيّة. بعضها أسئلة تستهدف الجواب ثمّ الواجب، وبعضها إجابة تسبق السؤال، ولا تفيد بشيء، مزايدات ومناكفات لا تخجل من دماء غزّة.
إنّ ما يحصل في الداخل إزاء الحرب هو امتداد لما يحصل عربيًّا، مع مميّز رئيسيّ، وهو أنّ الفلسطينيّين في إسرائيل يقعون تحت القمع المباشر وقوانين طوارئ/ حرب، ويعيشون ظروفًا شبيهة بفترة الحكم العسكريّ من ناحية حرّيّة التعبير عن الرأي.
لكنّ كلّ ذلك لا يعفينا من طرح التساؤلات والتشخيص، ليس إزاء السلوك الحاليّ، بل بشأن المستقبل، ما المشهد السياسيّ القادم، وما المطلوب؟ وهل بالفعل ثمّة دور حقيقيّ لفلسطينيّي 48 في المشهد الوطنيّ الفلسطينيّ بعد السابع من أكتوبر؟ هل هم عامل محوريّ ومؤثّر في هذا المشهد؟ كيف؟ وبماذا؟ لا يمكن عزل سؤال الداخل عن سؤال المشهد الفلسطينيّ العامّ ومستقبله.
من سيطرح هذه التساؤلات؟ هل القوى السياسيّة بشكلها الحاليّ قادرة على ذلك؟ هل من نخب حقيقيّة، سياسيّة وأكاديميّة وغيرها، لدى فلسطينيّي الداخل؟ ماذا تنتج هذه النخب لتوصف بالنخب؟ هل من مؤسّسات حقيقيّة في الداخل؟ ماذا تنتج؟ ما أثرها؟ هل تخاطب نفسها وجماعتها؟ هل تشكّل رأس مال اجتماعيّ حقيقيّ في الواقع؟
هذه التساؤلات عن المشهد السياسيّ والاجتماعيّ في الداخل، وعن المستقبل، سيخصّص لها موقع عرب 48 ملفًّا خاصًّا في الأسابيع القريبة، من خلال مقابلات واستكتاب أشخاص من مختلف المجالات ذات الصلة والتيّارات. وهي تساؤلات تستهدف الجواب والواجب، وليس الصنف الآخر.
المصدر: عرب 48