كيف اعتلت الهند عرش شركات التكنولوجيا العالمية؟
برزت الهند كرائدة عالميّة في مجال التكنولوجيا والبرمجة، حيث قدّمت مساهمات كبيرة في الاقتصاد الرقميّ، بفضل مجموعتها الكبيرة من المهنيّين الموهوبين، والحكومة الداعمة، والنظام البيئيّ المزدهر للشركات الناشئة، وأصبحت الهند مركزًا للابتكار والتكنولوجيا
تناولت تقارير صحافيّة خلال الأسبوع المنصرم، وضع كبريات شركات التكنولوجيا العالميّة في أميركا والعالم. وحسب دراسة أجرتها “غلوبال تايمز”، فإنّ الرؤساء التنفيذيّون الهنود يديرون 44 شركة عامّة بقيمة سوقيّة إجماليّة تبلغ 5.5 تريليون دولار.
وقالت الدراسة، إنّ رؤساء تنفيذيّون هنود يمتلكون ويديرون عدّة آلاف من الشركات الخاصّة في الولايات المتّحدة، بالإضافة إلى تفوّقهم في المجال التكنولوجيّ، حيث أخذوا مكانًا في كبريات الشركات في وادي السيليكون خلال السنوات الماضية، مثل شركة مايكروسوفت وغوغل وغيرها.
وبرزت الهند كرائدة عالميّة في مجال التكنولوجيا والبرمجة، حيث قدّمت مساهمات كبيرة في الاقتصاد الرقميّ، بفضل مجموعتها الكبيرة من المهنيّين الموهوبين، والحكومة الداعمة، والنظام البيئيّ المزدهر للشركات الناشئة، وأصبحت الهند مركزًا للابتكار والتكنولوجيا.
وحسب الدراسة، فإنّ لدى الهند تاريخ طويل من الابتكار في التكنولوجيا، ولم لم تبدأ الهند في الظهور كلاعب رئيسيّ في صناعة التكنولوجيا العالميّة حتّى التسعينيّات. كان قرار الحكومة بتحرير الاقتصاد في عام 1991 حافزًا رئيسيًّا في هذا التحوّل، ممّا مكّن الشركات الهنديّة من المنافسة على نطاق عالميّ.
وركّزت صناعة التكنولوجيا الهنديّة في البداية على تقديم خدمات منخفضة التكلفة مثل تطوير البرمجيّات وعمليّات المكاتب الخلفيّة ومراكز الاتّصال، ومع مرور الوقت، تطوّرت الصناعة لتشمل خدمات ذات قيمة مضافة أعلى مثل الذكاء الاصطناعيّ، والتعلّم الآليّ، والأمن السيبرانيّ، واليوم، الهند هي موطن لبعض شركات التكنولوجيا الرائدة في العالم، بما في ذلك “إتش سي إل تيكنولوجي” و”إنفوسيس” و”ويبرو” و”تاتا كونسلتنسي سيرفيسيس”.
ويمكن أن يعزى نجاح الهند في صناعة التكنولوجيا إلى مجموعة من العوامل، منها مجموعتها الكبيرة من المهنيّين الموهوبين، إذ تنتج الهند أكثر من 1.5 مليون مهندس كلّ عام، وكثير منهم على درجة عالية من المهارة في التكنولوجيا والبرمجة، بالإضافة إلى ذلك، يعرف المحترفون الهنود بأخلاقيّات العمل القويّة والقدرة على التكيّف والقدرة على العمل في فرق متعدّدة الثقافات.
وحسب الدراسة، فإنّه من العوامل الأخرى التي لعبت دورًا هامًّا في في صعود الهند كقوّة عالميّة في التكنولوجيا والبرمجة هو السياسات الحكوميّة الداعمة، حيث اتّخذت الحكومة عدّة خطوات لتعزيز نموّ صناعة التكنولوجيا، بما في ذلك تقديم الحوافز الضريبيّة، وإنشاء مناطق اقتصاديّة خاصّة، وإنشاء مبادرة الهند الرقميّة، والتي تهدف إلى تحويل الهند إلى مجتمع تمّ تمكينه رقميًّا واقتصاد معرفيًّا من خلال الاستفادة من التكنولوجيا، كما لعب النظام البيئيّ المزدهر للشركات الناشئة في الهند أيضًا دورًا حاسمًا في ظهورها كقوّة تكنولوجيّة عالميّة، حيث أصبحت الهند موطنًا لأكثر من 50000 شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا، وتقع غالبيّتها في بنغالورو، المعروف أيضًا باسم وادي السيليكون في الهند، حيث اجتذبت هذه الشركات الناشئة استثمارات كبيرة من شركات رأس المال الاستثماريّ والمستثمرين الآخرين، ممّا مكّنهم من تطوير تقنيّات ومنتجات متطوّرة.
وكان لصعود الهند كقوّة عالميّة في مجال التكنولوجيا والبرمجة تأثير كبير على اقتصاد البلاد، حيث برزت صناعة التكنولوجيا كإحدى المحرّكات الرئيسيّة للنموّ الاقتصاديّ، إذ ساهمت بشكل كبير في الناتج المحلّيّ الإجماليّ، والصادرات، وخلق فرص العمل، ووفقًا لتقرير صادر عن الرابطة الوطنيّة لشركات البرمجيّات والخدمات (NASSCOM)، فإنّه من المتوقّع أن تصل صناعة التكنولوجيا الهنديّة إلى 300-350 مليار دولار بحلول عام 2025، ارتفاعًا من 194 مليار دولار في عام 2019، ومن المتوقّع أن يكون هذا النموّ مدفوعًا باعتماد التقنيّات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعيّ وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابيّة.
ومثّلت الصناعة 45% من إجماليّ صادرات الخدمات في الهند، ودرّت إيرادات بقيمة 147 مليار دولار، ما يجعل صناعة التكنولوجيا أكبر قطاع تصدير في الهند، متقدّمًا على القطاعات التقليديّة مثل المنسوجات والأحجار الكريمة والمجوهرات.
وأدّى نموّ صناعة التكنولوجيا أيضًا إلى خلق ملايين الوظائف في الهند، وحسب لتقرير صادر عن مؤسّسة الهند للعلامات التجاريّة (IBEF)، فإنّ صناعة التكنولوجيا وظّفت أكثر من 4 ملايين محترف في عام 2019، كما يقدّر أنّ الصناعة قد خلقت 12 مليون وظيفة غير مباشرة، بشكل أساسيّ في القطاعات ذات الصلة مثل الضيافة والنقل وبيع بالتجزئة.
ووجدت دراسة أجراها المنتدى الاقتصاديّ العالميّ (WEF) مدى استعداد الدول لاعتماد التقنيّات الناشئة والاستفادة منها مثل الذكاء الاصطناعيّ وإنترنت الأشياء والبلوكتشين، أنّ الهند لديها إمكانات كبيرة للاستفادة من هذه التقنيّات؛ بسبب مجموعتها الكبيرة من المهنيّين المهرة، والبنية التحتيّة الرقميّة القويّة، والسياسات الحكوميّة الداعمة، وحدّدت الدراسة أيضًا العديد من التحدّيات الّتي يجب معالجتها، بما في ذلك الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في البحث والتطوير والحاجة إلى تحسين جودة التعليم. وسلّطت الدراسة الضوء على المساهمة الكبيرة لهذه الصناعة في الناتج المحلّيّ الإجماليّ، والصادرات، وخلق فرص العمل، حيث أكّدت أيضًا على أهمّيّة صناعة التكنولوجيا للنموّ المستقبليّ للهند، مشيرة إلى أنّ الصناعة لديها القدرة على خلق 30 مليون وظيفة والمساهمة بتريليون دولار في الناتج المحلّيّ الإجماليّ للهند بحلول عام 2028.
المصدر: عرب 48