كيف بدأ تاريخ الطاقة النوويّة؟
كان اكتشاف النواة الذرّيّة في عام 1911 من قبل إرنست رذرفورد خطوة حاسمة في تطوير الطاقة النوويّة. تضمّنت تجارب رذرفورد إطلاق جسيمات ألفًا على رقاقة ذهبيّة رفيعة ومراقبة نمط الانتثار الناتج عن ذلك
يتزايد الجدل مؤخّرًا حول القوى النوويّة في العالم وإمكانيّة استخدامها، خاصّة بعد الحرب الروسيّة الأوكرانيّة، وسباق التسلّح الّذي يشمل عددًا من الدول حول العالم، والّتي تحاول تحقيق “قدرات الردع” الخاصّة بها، مثل إيران، حيث أعلن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركيّة “البنتاغون”، خلال الأسبوع الماضي، أنّ إيران يمكن أن تنتج ما يكفي من الموادّ الانشطاريّة لصنع قنبلة نوويّة واحدة في غضون 12 يومًا.
ولطالما كانت الطاقة النوويّة وما ينتج عنها، موضوع اهتمام وجدل لعقود طويلة، سواء لقدرته على توليد كمّيّات هائلة من الكهرباء، وقدرته التدميريّة على حدّ سواء. ويعود هذا الجدل إلى أوائل القرن العشرين، مع بداية دراسة العلماء لخصائص النوى الذرّيّة.
وكان اكتشاف النواة الذرّيّة في عام 1911 من قبل إرنست رذرفورد خطوة حاسمة في تطوير الطاقة النوويّة. تضمّنت تجارب رذرفورد إطلاق جسيمات ألفًا على رقاقة ذهبيّة رفيعة ومراقبة نمط الانتثار الناتج عن ذلك. ووجد أنّ معظم جسيمات ألفا تمرّ مباشرة عبر الرقاقة، لكنّ عددًا صغيرًا ينحرف بزوايا كبيرة، وخلص رذرفورد إلى أنّ الشحنة الموجبة للذرة تتركّز في نواة صغيرة كثيفة في مركز الذرة.
وتمّ اقتراح مفهوم الطاقة النوويّة لأوّل مرّة في عام 1934 من قبل الفيزيائيّ الإيطاليّ إنريكو فيرمي، حيث اقترح فيرمي أنّ نواة الذرة يمكن تقسيمها إلى أجزاء أصغر، ممّا يؤدّي إلى إطلاق كمّيّة كبيرة من الطاقة في هذه العمليّة، وتمّ توضيح هذه العمليّة، المعروفة باسم الانشطار النوويّ، لأوّل مرّة في عام 1938 من قبل العلماء الألمان أوتو هان وفريتز ستراسمان، إذ قاموا بقصف ذرّات اليورانيوم بالنيوترونات، ولاحظوا أنّ ذرّات اليورانيوم تنقسم إلى ذرّتين أصغر، ممّا يطلق كمّيّة كبيرة من الطاقة في هذه العمليّة. وفي الحرب العالميّة الثانية، تمّ التعرّف على إمكانات الطاقة النوويّة لأوّل مرّة، بعد إنشاء مشروع مانهاتن، وهو “مشروع بحثيّ سرّيّ بقيادة حكومة الولايات المتّحدة لتطوير سلاح نوويّ”، وتمّ تفجير أوّل قنبلة ذرّيّة في يوليو 1945 في نيو مكسيكو، وكان قصف هيروشيما وناغازاكي في اليابان في وقت لاحق من ذلك العام بمثابة أوّل استخدام للأسلحة النوويّة في الحرب.
بعد نهاية الحرب العالميّة الثانية، تحوّل تركيز الطاقة النوويّة إلى التطبيقات السلميّة، حيث تمّ افتتاح أوّل محطّة للطاقة النوويّة في عام 1954 في أوبنينسك، روسيا، وقامت المحطّة بتوليد الكهرباء باستخدام المفاعلات النوويّة، والّتي تستخدم الانشطار النوويّ لتسخين المياه وإنتاج البخار الّذي يقود التوربينات، كما افتتحت الولايات المتّحدة أوّل محطّة تجاريّة للطاقة النوويّة في Shippingport، بنسلفانيا في عام 1957، وكانت المحطّة نموذجًا أوّليًّا لمحطّات الطاقة النوويّة التجاريّة، وقد ولدت الكهرباء لأكثر من 25 عامًا، وخلال الستّينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي، تمّ الترحيب بالطاقة النوويّة كمصدر للطاقة في المستقبل، خاصّة بعد أن استثمرت الحكومات في جميع أنحاء العالم بكثافة في الطاقة النوويّة، وتمّ بناء العشرات من محطّات الطاقة النوويّة. ومع ذلك، فإنّ التفاؤل المحيط بالطاقة النوويّة لم يدم طويلًا، حيث تسبّب حادث جزيرة ثريّ مايل في بنسلفانيا عام 1979، والّذي تعرّض فيه مفاعل نوويّ لانهيار جزئيّ، إلى قلق عامّ واسع النطاق بشأن سلامة الطاقة النوويّة، كما أدّت كارثة تشرنوبيل في عام 1986، والّتي انفجر فيها مفاعل نوويّ في أوكرانيا، إلى مزيد من الإضرار بسمعة الطاقة النوويّة.
على الرغم من هذه النكسات، فإنّه يوجد اليوم أكثر من 440 محطّة طاقة نوويّة تعمل في 30 دولة حول العالم، كما تمثّل الطاقة النوويّة ما يقرب من 10% من توليد الكهرباء في العالم، كما تستخدم الطاقة النوويّة أيضًا في تطبيقات أخرى، مثل التصوير الطبّيّ وعلاج السرطان.
وصاحب تطوير الطاقة النوويّة مخاوف بشأن الانتشار والإرهاب النوويّ، وعلى أثر ذلك، فقد تأسّست الوكالة الدوليّة للطاقة الذرّيّة عام 1957 لـ”تشجيع الاستخدام السلميّ للطاقة النوويّة ومنع انتشار الأسلحة النوويّة”، إذ تعمل الوكالة على “حماية الموادّ النوويّة ومنع استخدامها للأغراض العسكريّة”.
وخلال السنوات الأخيرة، كان هناك اهتمام متجدّد بالتقنيّات النوويّة المتقدّمة مثل المفاعلات المعياريّة الصغيرة (SMRs) ومفاعلات الاندماج، إذ تمّ تصميم SMRs لتكون أصغر وأكثر مرونة من محطّات الطاقة النوويّة التقليديّة، مع إمكانيّة استخدامها في المناطق النائية أو كمكمّل لمصادر الطاقة المتجدّدة، وتستخدم مفاعلات الاندماج العمليّة نفسها الّتي تمدّ الشمس بالطاقة لتوليد الكهرباء، لكنّ هذه التقنيّة لا تزال في المرحلة التجريبيّة، ولا يتوقّع أن تكون متاحة تجاريًّا لعدّة عقود.
المصدر: عرب 48