كيف بدأ هذا المفهوم بالتشكّل تاريخيًّا؟
جاء أوّل اختراق مهمّ في تطوير الذكاء الاصطناعيّ في عام 1950 عندما اقترح عالم الرياضيّات البريطانيّ آلان تورينج اختبار تورينج، حيث كان اختبار تورينج مقياسًا لقدرة الآلة على إظهار سلوك ذكيّ مكافئ، أو لا يمكن تمييزه عن سلوك الإنسان
لا تزال شركات التكنولوجيا الكبرى، في سباق مع الزمن من أجل طرح برامجها للذكاء الاصطناعيّ، فبعد أن أطلقت شركة “أوبن إيه آي” في تشرين الأوّل/ نوفمبر الماضي، تطبيق “تشات جي بي تي”، حتّى بدأت الشركات بطرح برامجها الواحدة تلو الأخرى، حيث قامت شركة “مايكروسوفت” الأميركيّة، باستثمارات وصلت إلى مليارات الدولارات في “تشات جي بي تي” من أجل دمجه مع محرّك البحث الخاصّ بها، كما أعلنت شركة “غوغل” عن تطبيق الذكاء الاصطناعيّ الخاصّ بها “بارد”.
ويناقش خبراء في معنى الذكاء الاصطناعيّ في محاولة للإجابة عن سؤال “متى ظهر هذا المصطلح لأوّل مرّة”، ومن أين بدأت هذه الفكرة تاريخيًّا.
والذكاء الاصطناعيّ (AI) هو مجال من مجالات علوم الكمبيوتر يركّز على إنشاء آلات ذكيّة يمكنها أداء المهامّ الّتي تتطلّب عادة ذكاء بشريًّا، وكانت فكرة الذكاء الاصطناعيّ موجودة منذ قرون، ولكن فقط في القرن العشرين بدأ المفهوم في التبلور في شكل أجهزة الكمبيوتر ولغات البرمجة، حيث يعود أقدم ذكر مسجّل للذكاء الاصطناعيّ إلى اليونان القديمة، في القرن الرابع قبل الميلاد، كتب الفيلسوف أرسطو عن فكرة إنشاء آلات يمكنها أداء المهامّ دون تدخّل بشريّ، ومع ذلك، لم يبدأ مفهوم الذكاء الاصطناعيّ في التبلور حتّى القرن العشرين.
وجاء أوّل اختراق مهمّ في تطوير الذكاء الاصطناعيّ في عام 1950 عندما اقترح عالم الرياضيّات البريطانيّ آلان تورينج اختبار تورينج، حيث كان اختبار تورينج مقياسًا لقدرة الآلة على إظهار سلوك ذكيّ مكافئ، أو لا يمكن تمييزه عن سلوك الإنسان، وناقش مقال تورينج بعنوان “آلات الحوسبة والذكاء” بأنّه إذا تمكّنت الآلة من اجتياز اختبار تورينج، فيمكن اعتبارها ذكيّة.
واستمرّ تطوير الذكاء الاصطناعيّ خلال الخمسينيّات والستّينيّات من القرن الماضي، مع مساهمات مهمّة من علماء الكمبيوتر مثل جون مكارثي ومارفن مينسكي وكلود شانون، وفي عام 1956، نظّم مكارثي مؤتمر دارتموث، الّذي يعتبر مهد الذكاء الاصطناعيّ، حيث جمع المؤتمر بين علماء الكمبيوتر الّذين كانوا يعملون على تطوير الذكاء الاصطناعيّ ووضع الأساس للبحوث المستقبليّة في هذا المجال.
ومن أقدم الأمثلة على الذكاء الاصطناعيّ في الأدب قصّة “The Sandman” الّتي كتبها إيتا هوفمان، وهي القصّة، الّتي نشرت عام 1816، وتظهر شخصيّة تدعى نثنائيل والّتي أصبحت مقتنعة بأنّ الدمية الميكانيكيّة أولمبيًا هي شخص حقيقيّ، وتستكشف القصّة فكرة إنشاء آلات يمكنها محاكاة السلوك والعواطف البشريّة.
وفي أوائل القرن العشرين، بدأ كتاب الخيال العلميّ في استكشاف فكرة الذكاء الاصطناعيّ في أعمالهم، حيث في عام 1920، ابتكر الكاتب التشيكيّ كاريل شابك مصطلح “إنسان آليّ” في مسرحيّته RUR (روبوتات روسوم العالميّة)، وتستكشف المسرحيّة فكرة إنشاء روبوتات شبيهة بالبشر يمكنها أداء مهامّ شاقّة للبشر، وتأتي كلمة “robot” من الكلمة التشيكيّة “robota” الّتي تعني العمل الجبريّ.
في الثمانينيّات، بدأت صناعة السينما في استكشاف فكرة إنشاء روبوتات يمكنها محاكاة السلوك والعواطف البشريّة مع فيلم Blade Runner، من إخراج ريدلي سكوت، والذي تدور أحداثه في مستقبل بائس حيث يتمّ استخدام النسخ، Androids الّتي لا يمكن تمييزها عن البشر، في العمل، ويستكشف الفيلم الآثار المعنويّة والأخلاقيّة لخلق حياة اصطناعيّة.
استمرّ تطوير الذكاء الاصطناعيّ في القرن الحادي والعشرين مع إنشاء خوارزميّات التعلّم الآليّ والتعلّم العميق، حيث تستخدم خوارزميّات التعلّم الآليّ نماذج إحصائيّة لتحليل البيانات وإجراء التنبّؤات، بينما تستخدم خوارزميّات التعلّم العميق الشبكات العصبيّة الاصطناعيّة لمحاكاة سلوك الدماغ البشريّ، وأحدثت هذه التقنيّات ثورة في مجال الذكاء الاصطناعيّ، وأدّت إلى تطوير سيّارات ذاتيّة القيادة ومساعدات صوتيّة وتطبيقات أخرى.
ويصاحب الذكاء الاصطناعيّ جدال كبير حول موضوعات عديدة، مثل احتمال فقدان الوظائف بسبب الأتمتّة، ومع الاستخدام المتزايد للروبوتات والذكاء الاصطناعيّ في صناعات مثل التصنيع، هناك خطر من أن تصبح العديد من الوظائف قديمة، ومع ذلك، يجادل أنصار الذكاء الاصطناعيّ بأنّه يمكنه أيضًا خلق فرص عمل جديدة وتحسين الكفاءة والإنتاجيّة.
مصدر قلق آخر هو الآثار الأخلاقيّة لإنشاء آلات ذكيّة. هناك خطر يتمثّل في إمكانيّة استخدام هذه الأجهزة لأغراض شائنة، مثل الحرب الإلكترونيّة أو المراقبة. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر من أن يصبح الذكاء الاصطناعيّ غير قابل للسيطرة، ممّا يؤدّي إلى تطوير الذكاء الخارق الّذي يمكن أن يشكّل تهديدًا للبشريّة.
المصدر: عرب 48