كيف تدمّر البنوك والشركات الضخمة المجتمعات المحليّة؟
ووجدت دراسة أجرتها منظّمة أوكسفام عام 2017، أنّ ثمانية رجال فقط يمتلكون نفس القدر من الثروة الّذي يمتلكه النصف الأفقر من سكّان العالم، حيث كان هؤلاء الأفراد، بمن فيهم الرؤساء التنفيذيّون للشركات الكبيرة.
في كثير من الأحيان، تتّهم البنوك والشركات العابرة للقارّات، بتأثيرها السلبيّ على المجتمعات في جميع أنحاء العالم، وممارسة سلطة وسيطرة كبيرتين على السكّان المحليّين، كما يمكن أن يكون لأعمالهم عواقب اجتماعيّة واقتصاديّة بعيدة المدى، كما ناقشت دراسات وأبحاث عديدة.
ومن خلال سيطرتها على رأس المال، وملكيّة الموارد والبنية التحتيّة، والنفوذ السياسيّ، والسيطرة على الخطاب العامّ، غالبًا ما تعطي هذه الكيانات الأولويّة للربح على الاهتمامات الاجتماعيّة والبيئيّة، ممّا يؤدّي إلى تأثيرات سلبيّة على المجتمعات المحلّيّة، ومع ذلك، كانت هناك جهود لمقاومة هذه السلطة والدعوة إلى مزيد من الشفّافيّة والمساءلة في أنشطة الشركات، ونظرًا لأنّ الاقتصاد العالميّ أصبح مترابطًا بشكل متزايد، فمن الأهمّيّة مواصلة دراسة دور البنوك والشركات العابرة للقارّات في تشكيل العالم من حولنا والعمل من أجل مستقبل أكثر إنصافًا واستدامة للجميع.
وحسب دراسات، فإنّ واحدة من الطرق الأساسيّة الّتي تتحكّم بها البنوك والشركات عبر الوطنيّة في المجتمعات هي من خلال سيطرتها على رأس المال، إذ لعبت البنوك تاريخيًّا دورًا حاسمًا في توفير رأس المال للمجتمعات والأفراد، ممّا سمح لهم بالاستثمار في الأعمال التجاريّة والمنازل والأصول الأساسيّة الأخرى، ومع ذلك، فإنّ البنوك ليست جهات فاعلة محايدة في توزيع رأس المال، إذ غالبًا ما تكون قرارات الإقراض الخاصّة بهذه الكيانات مدفوعة بدوافع الربح، ممّا يؤدّي بهم إلى إعطاء الأولويّة للقروض للشركات الكبيرة أو الأفراد الأثرياء على الشركات الصغيرة والأفراد، ويمكن أن يؤدّي ذلك إلى خلق حالة تكون فيها المجتمعات المحلّيّة محرومة من رأس المال الّذي تحتاجه للنموّ والتطوّر، في حين أنّ الشركات عبر الوطنيّة لديها حقّ الوصول إلى رأس مال غير محدود تقريبًا.
ووجدت دراسة أجرتها منظّمة أوكسفام عام 2017، أنّ ثمانية رجال فقط يمتلكون نفس القدر من الثروة الّذي يمتلكه النصف الأفقر من سكّان العالم، حيث كان هؤلاء الأفراد، بمن فيهم الرؤساء التنفيذيّون للشركات الكبيرة، والذين يتمتّعون بإمكانيّة الوصول إلى كمّيّات هائلة من رأس المال، ممّا سمح لهم بممارسة تأثير كبير على الاقتصاد العالميّ والنظام السياسيّ، وعلى النقيض من ذلك، يفتقر العديد من الأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم إلى الوصول إلى الخدمات الماليّة الأساسيّة، مثل الحسابات المصرفيّة أو القروض المعقولة، ممّا يجعل من الصعب عليهم بناء الثروة أو الاستثمار في مستقبلهم.
والطريقة الأخرى الّتي تتحكّم بها البنوك والشركات الكبرى في المجتمعات هي من خلال ملكيّتها للموارد والبنية التحتيّة، إذ تشارك العديد من هذه الشركات في استخراج واستغلال الموارد الطبيعيّة، مثل النفط والغاز والمعادن، في البلدان النامية، وغالبًا ما تكون هذه الموارد حيويّة للاقتصاد المحلّيّ، حيث توفّر الوظائف والإيرادات للمجتمع، وغالبًا ما لا تهتمّ الشركات بالعواقب البيئيّة أو الاجتماعيّة لأنشطتها، وقد تترك المجتمعات المحلّيّة للتعامل مع الآثار السلبيّة.
وكانت دراسة أجريت عام 2014، وجدت أنّ عمليّات التعدين في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة تسبّبت في أضرار بيئيّة كبيرة وتشريد المجتمعات المحلّيّة، حيث لم تتمّ استشارة هذه المجتمعات في كثير من الأحيان أو تعويضها بشكل مناسب عن استخدام أراضيها ومواردها، وكانت عمليّات التعدين تساهم في انتشار الفقر وانعدام الأمن الغذائيّ في المنطقة. كما وجدت دراسة أجراها مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان عام 2018 أنّ شركات النفط والغاز في نيجيريا كانت مسؤولة عن انتشار التلوّث وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الإخلاء القسريّ والعنف وترهيب المجتمعات المحلّيّة.
وبالإضافة إلى ملكيّتها للموارد والبنية التحتيّة، تسيطر البنوك والشركات العابرة للقارّات أيضًا على المجتمعات من خلال نفوذها السياسيّ، وغالبًا ما تتمتّع هذه الكيانات بقوّة ضغط كبيرة وقادرة على التأثير على السياسات واللوائح الحكوميّة لصالحها، ويمكن أن يؤدّي هذا إلى سياسات تفيد الشركات على حساب المجتمعات المحلّيّة، مثل اللوائح البيئيّة المتساهلة أو الإعفاءات الضريبيّة للشركات.
وفي سياق متّصل، فقد وجد تقرير صدر عام 2018 عن معهد دراسات السياسة الأميركيّ، أنّ الشركات الكبيرة والأثرياء في الولايات المتّحدة كان لهم تأثير كبير على السياسات واللوائح الحكوميّة من خلال مساهماتهم في الحملات وجهود الضغط، حيث أدّى هذا التأثير إلى سياسات تفضّل مصالح الشركات على احتياجات المجتمعات المحلّيّة، مثل الإعفاءات الضريبيّة للشركات أو تحرير الصناعات الّتي لها تأثير سلبيّ على البيئة والصحّة العامّة.
وبحسب دراسات، تتحكّم البنوك والشركات العابرة للقارّات في المجتمعات من خلال تأثيرها على وسائل الإعلام والخطاب العامّ، إذ غالبًا ما تمتلك هذه الكيانات موارد كبيرة لتكريسها للعلاقات العامّة والحملات التسويقيّة، ممّا يسمح لها بتشكيل الرأي العامّ وتصوّرات أنشطتها.
ولطالما كانت هناك جهود لمقاومة قوّة البنوك والشركات العابرة للقارّات في المجتمعات حول العالم، كان أحد الأساليب هو الدعوة إلى مزيد من الشفّافيّة والمساءلة في أنشطة الشركات، من خلال تدابير مثل الكشف الإلزاميّ عن أنشطة الشركات وزيادة مشاركة المجتمع في عمليّات صنع القرار.
المصدر: عرب 48