كيف تسبّب دخول القهوة إلى أوروبا بـ”ثورة فكريّة”؟
في كتابه “المقهى: تاريخ ثقافيّ”، يدّعي ماركمان إليس أنّ المقاهي كانت بمثابة حافز للثورة الفكريّة الّتي حدثت في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث وفّرت المقاهي مساحة للناس للمشاركة في المحادثة والنقاش، ممّا أدّى إلى تبادل الأفكار
تعتبر القهوة واحدة من أكثر المشروبات شعبيّة في العالم، حيث يستهلكها الملايين من الناس يوميًّا، وفي حين أنّها أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من روتيننا اليوميّ، حيث أحدث إدخال القهوة في أوروبا ثورة فكريّة، إذ بدأ الناس يتجمّعون في المقاهي لمناقشة السياسة والفلسفة والأدب، ووصلت القهوة لأوّل مرّة إلى أوروبا في القرن السادس عشر، ولكن لم تصبح شائعة حتّى القرن السابع عشر.
وافتتح أوّل مقهى في أوروبا في البندقيّة عام 1629، ومن هناك، سرعان ما انتشر الاتّجاه إلى مدن أوروبّيّة أخرى، وبحلول القرن الثامن عشر ، أصبحت المقاهي جزءًا لا يتجزّأ من المجتمع الأوروبّيّ، ومع افتتاح الآلاف من المؤسّسات في جميع أنحاء القارّة، وكانت هذه المقاهي بمثابة مكان تجمّع للمثقّفين والفنّانين والسياسيّين، الّذين كانوا يجتمعون لمناقشة الأحداث الجارية وتبادل الأفكار.
وكان تأثير القهوة على المجتمع الأوروبّيّ كبيرًا، فقبل إدخال القهوة، كان الكحول هو المشروب المفضّل للعديد من الأوروبّيّين، ومع ذلك، كان ينظر إلى القهوة على أنّها بديل صحّيّ، وسرعان ما أصبحت المشروب المفضّل للعديد من المثقّفين.
في كتابه “المقهى: تاريخ ثقافيّ”، يدّعي ماركمان إليس أنّ المقاهي كانت بمثابة حافز للثورة الفكريّة الّتي حدثت في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث وفّرت المقاهي مساحة للناس للمشاركة في المحادثة والنقاش، ممّا أدّى إلى تبادل الأفكار وظهور طرق جديدة في التفكير.
وحقّقت العديد من الدراسات في تأثير المقاهي على المجتمع الأوروبّيّ، وإحدى هذه الدراسات كانت “الحياة الاجتماعيّة للقهوة: ظهور المقهى البريطانيّ” التي أجراها الباحث بريان كوان، وفي هذه الدراسة، يجادل كوان بأنّ المقاهي لعبت دورًا مهمًّا في ظهور الرأي العامّ في بريطانيا في القرن الثامن عشر، ووفقًا لكوان، فقد وفّرت المقاهي مساحة للناس للالتقاء ومناقشة السياسة والأحداث الجارية، وأدّى ذلك إلى ظهور مجال عامّ، حيث يمكن للناس التعبير عن آرائهم والانخراط في الخطاب السياسيّ.
دراسة أخرى بحثت في تأثير المقاهي أشرف عليها ماركمان إليس وريتشارد كولتون وماثيو موغر، وتبحث هذه الدراسة في جغرافيّة المقاهي في أوروبا، وكيف تمّ استخدامها من قبل المجموعات الاجتماعيّة المختلفة، حيث تعتقد الدراسة بأنّ المقاهي لم تكن مجرّد مساحة للمثقّفين، ولكن أيضًا للأشخاص من جميع مناحي الحياة، ووفقًا للمؤلّفين، تمّ استخدام المقاهي من قبل التجّار والحرفيّين والعمّال كمساحة للاسترخاء والتواصل الاجتماعيّ، ما يشير إلى أنّ المقاهي لعبت دورًا مهمًّا في ظهور طبقة اجتماعيّة جديدة في أوروبا.
وبحسب الدراسة، فإنّه مع اجتماع الناس في المقاهي لتبادل الأفكار والنقاش، ظهرت طرق جديدة في التفكير، كما جاء في كتاب “تاريخ العالم في 6 أكواب”، حيث يقول المؤلّف توم ستاندج بأنّ المقاهي لعبت دورًا رئيسيًّا في عصر التنوير، الّذي كان فترة من التطوّر الفكريّ والفلسفيّ في أوروبا في القرن الثامن عشر. وفقًا للمؤلّف، وفّرت المقاهي مساحة للمثقّفين للالتقاء ومناقشة الأفكار الجديدة.
وكانت الثورة الفكريّة عبارة عن إنشاء مساحة اجتماعيّة جديدة حيث يمكن للأشخاص من خلفيّات مختلفة الالتقاء والمشاركة في المناقشة، حيث في المقاهي، كانت الفروق الطبقيّة غير واضحة، ويمكن للأشخاص من خلفيّات اجتماعيّة واقتصاديّة مختلفة التجمّع معًا لمناقشة أفكارهم، وقد أتاح ذلك مساحة لظهور طبقة فكريّة جديدة تحدّت التسلسل الهرميّ التقليديّ للسلطة في أوروبا. كما لعبت المقاهي دورًا مهمًّا في تطوير الصحافة ونشر الأخبار، وقبل ظهور المقاهي، كانت الأخبار تنشر في المقام الأوّل من خلال الكتيّبات والصحف، ومع ذلك، في المقاهي، يمكن للناس تبادل المعلومات والأخبار، وهذا أدّى إلى ظهور شكل جديد من الصحافة.
المصدر: عرب 48