كيف ساعدت آلة “إنجما” في وضع أساس الحوسبة الحديثة؟
تمّ اختراع آلة إنجمًا على يد المهندس الألمانيّ آرثر شيربيوس في أوائل القرن العشرين، وتمّ تصميمها في البداية كمنتج تجاريّ لحماية الاتّصالات الحسّاسة في قطاع الأعمال، ومع ذلك، سرعان ما تمّ الاعتراف بإمكانيّة تطبيقها العسكريّ، واعتمدها الجيش الألمانيّ خلال الحرب
تقف آلة إنجما كرمز مميّز للتشفير والتاريخ الحسابيّ، والّتي تمّ تطويرها في أوائل القرن العشرين، وقد استخدمها الجيش الألمانيّ في البداية لتشفير وفكّ تشفير الاتّصالات الحسّاسة خلال الحرب العالميّة الثانية، وأدّى تعقيدها والجهود اللاحقة لكسر رموزها إلى تقدّم كبير في مجالات التشفير والرياضيّات والحوسبة، حيث لعبت آلة إنجما دورًا محوريًّا في تشكيل التطوّر الحسابيّ الّذي وصلنا إليه اليوم، كما أثّرت على إنشاء أجهزة الكمبيوتر المبكّرة ومهّدت الطريق لتقنيّات التشفير الحديثة.
ولا يمكن المبالغة في أهمّيّة آلة إنجما كمحفّز للتطوير الحسابيّ، حيث أدّى دورها في دفع حدود الرياضيّات والتشفير والحوسبة خلال منعطف حرج في التاريخ إلى إرساء الأساس للتقدّم الحسابيّ الحديث، كما أنّ جهود فكّ الشفرات في بليتشلي بارك، مدفوعة بالحاجة إلى فكّ رموز الرسائل المشفّرة بنظام إنجما، أثّرت بشكل مباشر على ولادة أجهزة الكمبيوتر المبكّرة ومسار تاريخ الحوسبة.
وتمّ اختراع آلة إنجمًا على يد المهندس الألمانيّ آرثر شيربيوس في أوائل القرن العشرين، وتمّ تصميمها في البداية كمنتج تجاريّ لحماية الاتّصالات الحسّاسة في قطاع الأعمال، ومع ذلك، سرعان ما تمّ الاعتراف بإمكانيّة تطبيقها العسكريّ، واعتمدها الجيش الألمانيّ خلال الحرب العالميّة الأولى، وخضعت الآلة لعدّة تكرارات، أبرزها جهاز إنجما الّذي استخدمه الجيش الألمانيّ في الحرب العالميّة الثانية، حيث استخدمت هذه الآلة دوّارات ودوائر كهربائيّة ولوحات توصيل لتشفير الرسائل وتفكيكها، ممّا أدّى إلى إنشاء آليّة تشفير معقّدة تبدو غير قابلة للاختراق فعليًّا.
ويمثّل تعقيد آليّة التشفير الخاصّة بإنجما تحدّيًا هائلًا لفكّ الشفرات المتحالفة، حيث اعتقد الألمان أنّ دوّارات الآلة المتعدّدة والعدد الهائل من التكوينات الممكنة يضمن أمنها، ومع ذلك، فإنّ جهود محلّلي الشفرات مثل آلان تورينج وزملائه في بلتشلي بارك في بريطانيا أثبتت عكس ذلك، حيث عمل فريق تورينج بلا كلل على تطوير طرق لفكّ تشفير الرسائل المشفّرة باستخدام آلة إنجما، واعتمد نجاحهم على مزيج من الرياضيّات، والتقنيّات الحسابيّة، وتطوير الأجهزة الكهروميكانيكيّة مثل “بومبي” الّتي قامت بمحاكاة واختبار إعدادات إنجما المحتملة.
وتجاوزت آلة إنجما حدود الرياضيّات وتحليل الشفرات، حيث يتطلّب كسر رموزها تفكيرًا مبتكرًا وتطبيق مفاهيم رياضيّة متقدّمة، إذ استغلّ الباحثون في بلتشلي بارك نقاط الضعف في الجهاز من خلال ابتكار أساليب رياضيّة لتقليل عدد الإعدادات المحتملة الّتي يلزم اختبارها، ولم توفّر هذه التقنيّات رؤى مهمّة حول فكّ التشفير فحسب، بل أرست أيضًا الأساس للتشفير الحديث والأساليب الحسابيّة، كما ألهمت تعقيدات تشفير إنجما أساليب رياضيّة جديدة شكّلت الأساس للاختراقات الحسابيّة اللاحقة.
وكان لجهود فكّ الشفرات خلال الحرب العالميّة الثانية تأثير عميق على تطوير أجهزة الكمبيوتر المبكّرة، كما أنّ عمل تورينج على Bombe، وهو جهاز ميكانيكيّ مصمّم لأتمتّة عمليّة فكّ رموز رسائل Enigma، وضع الأساس للحوسبة الحديثة، حيث كانت مفاهيم تورينج النظريّة والتنفيذ العمليّ لآلات مثل Bombe بمثابة خطوة مهمّة نحو إنشاء أجهزة كمبيوتر رقميّة قابلة للبرمجة، وأثّرت الأفكار المكتسبة من فكّ رموز إنجما بشكل مباشر على تصميم وتطوير أجهزة الكمبيوتر المبكّرة، ممّا شكّل مسار التاريخ الحسابيّ.
وكان فكّ تشفير الرسائل المشفّرة باستخدام آلة إنجما سرًّا يخضع لحراسة مشدّدة أثناء الحرب العالميّة الثانية وبعدها، ومهّدت التطوّرات التكنولوجيّة الّتي تمّ إحرازها خلال هذه الفترة الطريق لتطوّرات ما بعد الحرب في مجال الحوسبة والتشفير، حيث استمرّ إنشاء منظّمات مثل مقرّ الاتّصالات الحكوميّة (GCHQ) في المملكة المتّحدة، والّذي تطوّر من العمل في بلتشلي بارك، في دفع الأبحاث الحسابيّة والاتّصالات الآمنة، ويمكن رؤية إرث جهود Enigma في فكّ الشفرات في التركيز على التشفير وبروتوكولات الاتّصال الآمنة الّتي يقوم عليها العالم الرقميّ اليوم.
ويمتدّ تأثير آلة إنجمًا على التطوير الحسابيّ إلى تقنيّات التشفير الحديثة والأمن الحسابيّ، حيث أبرزت الدروس المستفادة من كسر رموز إنجما أهمّيّة أساليب التشفير القويّة لحماية المعلومات الحسّاسة، واليوم، تعدّ خوارزميّات التشفير ضروريّة للاتّصال الآمن عبر الإنترنت، والمعاملات الماليّة، وتخزين البيانات، ويؤكّد دور إنجما في تشكيل ممارسات التشفير على تأثيرها الدائم على الأمن الحسابيّ، حيث تعدّ المبادئ الرياضيّة والخوارزميّات المتقدّمة جزءًا لا يتجزّأ من الحفاظ على الخصوصيّة والسلامة في المجال الرقميّ.
المصدر: عرب 48