Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

كيف فاز ترامب بولاية ثانية؟

اعتبارًا من يوم السبت، فاز دونالد ترامب بالصوت الشعبيّ بأكثر من 74.5 مليون صوت، على الرغم من أنّ ملايين الأصوات لم تحص بعد في ولايات كاليفورنيا وواشنطن ويوتاه، من بين ولايات أخرى. ومن غير المرجّح أن يعرف إجماليّ التصويت الشعبيّ النهائيّ لعام 2024 حتّى كانون الأوّل/ديسمبر.

عندما خسر ترامب في عام 2020، حصل على أكثر من 74 مليون صوت بقليل. إذًا، في حين أنّه من الصحيح القول إنّ جزءًا كبيرًا من البلاد تحرّك إلى اليمين، أي تحوّلت الأصوات إلى الحزب الجمهوريّ، في هذه الانتخابات، فمن الصحيح أيضًا أنّ هناك بعض اللامبالاة والعزوف من جانب الناخبين، خاصّة الديمقراطيّين، إذا انخفض الإقبال على التصويت بالمقارنة في عام 2020.

وحسب تقرير على شبكة “سي إن إن” الأميركيّة، فهذا لا يعني أنّ هذه الانتخابات ستنتهي بإقبال منخفض، وتقدّر الجهات المسؤولة عن الانتخابات بجامعة فلوريدا أنّ نسبة الإقبال في عام 2024 ستكون حوالي 62.3٪ من السكّان المؤهّلين للتصويت، بانخفاض عن الرقم القياسيّ في العصر الحديث الّذي تجاوز 66.4٪ في عام 2020، إذ في انتخابات 1996 و2000 لم تتجاوز نسبة المشاركة 50% من إجماليّ عدد الناخبين المؤهّلين للتصويت.

وفيما يتعلّق بالمجمع الانتخابيّ، فاز ترامب بـ 312 صوتًا انتخابيًّا. ويعدّ هذا فوزًا قويًّا، ولكنّه في النصف السفليّ من الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة. ويأتي هذا الفوز بحال أفضل من 306 أصوات انتخابيّة حصل عليها ترامب أو جو بايدن في عامي 2016 و2020 على التوالي. كما تفوّق أيضًا على انتصار جورج بوش الابن في انتخابات عامي 2000 و2004. ولكنّه كان أقلّ بكثير من 365 صوتًا انتخابيًّا حصل عليها باراك أوباما في عام 2008 و332 في عام 2012.

بيل كلينتون لم يصل أبدًا إلى 50% في التصويت الشعبيّ؛ لأنّ انتخاباته الرئاسيّة تضمّنت مرشّحًا قويًّا من طرف ثالث وهو روس بيرو، ولكنّ كلينتون نجح في الفوز بأصوات المجمع الانتخابيّ، حيث فاز بـ 370 صوتًا انتخابيًّا في عام 1992 و 379 صوتًا في عام 1996.

ولكنّ هذه الانتصارات القويّة تظهر صغيرة بالمقارنة بفوز رونالد ريغان في عام 1984، وهو فوز يعتبر ساحقًا بكلّ المقاييس، فقد خسر ريغان العاصمة واشنطن وولاية ومينيسوتا، موطن منافسه الديمقراطيّ والتر مونديل، وبالتّالي حصل على 525 صوتًا انتخابيًّا وأكثر من 58% من الأصوات الشعبيّة.

ويمثّل فوز ترامب في انتخابات 2024 الانتخابات الرئاسيّة الثالثة على التوالي الّتي يقرّر فيها الناخبون تغيير الحزب الحاكم، وكانت آخر مرّة حدث فيها ذلك، في ثلاثة انتخابات متتالية، في أواخر القرن التاسع عشر عندما أصبح جروفر كليفلاند أوّل رئيس ينتخب لفترات غير متتالية وترامب هو الثاني.

إنّ الطريقة الّتي فاز بها ترامب بإعادة انتخابه سوف تكون مادّة لكتب التاريخ، وبالفعل يمكن إرجاع اختيار أميركا إلى بعض الأسباب الرئيسيّة. حسب “مجلّة تايم” الأميركيّة، فإنّه بالنسبة لكبار مستشاري ترامب، يمكن تلخيص الحملة الانتخابيّة في شعار بسيط “استغلّوا الرجال إلى أقصى حدّ واحتفظوا بالنساء”.

بالتالي، ركّزت حملة ترامب بشكل أساسيّ على الرجال، وهذا يعني التأكيد على الاقتصاد والهجرة، وهو ما فعله ترامب “بلا هوادة”. وهذا يعني تحويل الانتباه بعيدًا عن الفوضى في ولايته الأولى، وحظر الإجهاض الّذي وعد به، وهجومه على الديمقراطيّة الأميركيّة قبل أربع سنوات. بالتالي فإنّ هذا يعني حملة استغلّت استياء الناخبين المحبطين من سياسات الديمقراطيّين، واستغلّت الانقسامات الثقافيّة والسياسيّة الّتي استغلّها ترامب منذ فترة طويلة.

والأهمّ من ذلك كلّه، حسب المجلّة، يمكن أن تعزى النتيجة إلى شخصيّة كانت عودتها إلى البيت الأبيض بمثابة تحوّل سياسيّ لا مثيل له في 250 عامًا من التاريخ الأميركيّ. في عام 2021، ترك ترامب منصبه منبوذًا بعد تحريض حشد من المؤيّدين على الهجوم على مبنى الكونغرس الأميركيّ في محاولة لتغيير واقع هزيمته الانتخابيّة، وبعد ثلاث سنوات، نجح في عودة سياسيّة غير مسبوقة.

تغلّب ترامب بسهولة على منافسيه من الحزب الجمهوريّ، وأجبر الرئيس جو بايدن على الخروج من السباق، وهزم نائبة الرئيس كامالا هاريس في انتصار تجاوز توقّعات الجميع تقريبًا. وعلى طول الطريق الطويل نحو البيت الأبيض، تجاهل ترامب إدانة بـ 34 تهمة جنائيّة ومجموعة من الاتّهامات الجنائيّة الأخرى.

تقول شبكة “إنّ بي سي” الإخباريّة الأميركيّة أنّ الديمقراطيّين اعتمدوا على سخط النساء على الحكم الذكوريّ في البيت الأبيض؛ وبالتالي الدفع نحو انتخاب أوّل “رئيسة” لأميركا. ولكن بدلًا من ذلك، ساعد الرجال الساخطين على الأوضاع الاقتصاديّة؛ وبالتّالي دفعوا إلى إعادة دونالد ترامب إلى السلطة.

وحسب تقارير، فقد ساعد ابن الرئيس المنتخب، بارون، على التحوّل إلى البثّ الصوتيّ في محاولة للوصول إلى الشباب الآخرين، وهي كتلة تصويت ديمقراطيّة موثوقة انقسمت بالتساوي هذا العام. تقول المحلّلة الاستراتيجيّة الديمقراطيّة كيتلين ليجاكي “أعتقد أنّ الفجوة بين الجنسين ستكون قصّة السنوات العشرين القادمة. هناك الكثير من الرجال الّذين يشعرون وكأنّهم متخلّفون، وأنّ المجتمع ليس لديه مكان لهم. وإذا كنّا لا نريد اندلاع حرب أهليّة على أسس جنسيّة، فيتعيّن علينا أن نعمل على ذلك. هذه هي أكبر فجوة في المجتمع الأميركيّ”.

وكما هو الحال في أوروبا، فقد تحوّل البلد بأكمله إلى اليمين، في عصر التضخّم بعد جائحة كورونا. ومع ناخبين في مزاج سيّئ، كافحت نائبة الرئيس كامالا هاريس لفصل نفسها عن بايدن، الّذي لا يحظى بشعبيّة كبيرة والّذي انتظر طويلًا للتنحّي!

في ذلك الوقت، قطع ترامب خطوات واسعة في وعده بالعمل على ائتلاف من الطبقة العاملة “متعدّد الأعراق”، حيث فاز بنسبة 45% من أصوات اللاتينيّين منهم 55% من الرجال اللاتينيّين، وهو رقم قياسيّ كبير لمرشّح رئاسيّ جمهوريّ، بينما حقّق مكاسب في الولايات الديمقراطيّة، ودفع حظوظه بين الناخبين غير الحاصلين على تعليم جامعيّ وذوي الدخل المتوسّط ​​​​إلى آفاق جديدة، حسب استطلاعات الرأي الّتي أجرتها شبكة إنّ بي سي نيوز. صرّح أحد مساعدي هاريس بأنّ “التحوّلات الديموغرافيّة بالنسبة لنا وحشيّة للغاية. لقد تمّ رفضنا من شعبنا”.

في مقال منشور على صحيفة الغارديان للكاتب مصطفى بيومي، يشير إلى أنّ الديمقراطيّة الأميركيّة قد انهارت مع تولّي اليمين الاستبداديّ للسلطة، والّذي يعتبر جزءًا من الأعراض وليس السبب. ما أوصل الولايات المتّحدة إلى هذه النقطة هو الانهيار الكارثيّ الّذي دام عقود من الزمان لمؤسّسات الطبقة العاملة والمجتمع المدنيّ، والطريق الوحيد إلى الأمام هو إعادة البناء بطريقة أو بأخرى.

وقال بيومي “لقد اكتسب ترامب، أو حافظ على ثباته مع كلّ فئة ديموغرافيّة، حتّى المجموعات ذات التوجّه اليساريّ مثل الناخبين البيض المتعلّمين في الكلّيّات والنساء، واكتسب معظمه مع الناخبين الشباب الأقلّ “تسييس” والناخبين الملوّنين من جميع الأطياف. كيف حدث هذا؟”.

لقد تفكّكت منظّمة الطبقة العاملة والمجتمع المدنيّ والمؤسّسات الأساسيّة الّتي حافظت على تماسك البلاد، وهناك أماكن قليلة جدًّا حيث يتحدّث الناس إلى أيّ شخص خارج زملائهم في العمل، أو أثناء العمل، وعدد قليل من الأصدقاء. نحن لا نعرف جيراننا، ليس لدينا نقابات، وتلك وصفة لمجتمع تتآكل الثقة فيه إلى حدّ كبير، وتمارس السياسة على مستوى الفرد وليس المجتمع.

لم تدر كامالا هاريس حملة سيّئة، ولكنّها بدأت في موقع غير مريح. لقد كلّفتها غطرسة جو بايدن الكثير إضافة إلى فشلها في محورين رئيسين. الأوّل، إقصاء الناخبين الشباب والثانية الفشل الكبير في الفوز في الناخبين العرب والمسلمين اللاتينيّين الّذين فضّلوا اليسار في السابق، من خلال إدارة حملة وسطيّة، والقشّة الأخيرة كانت تجاهل الإبادة الجماعيّة في فلسطين الّتي تدعمها الولايات المتّحدة. ويضيف بيومي أنّه حتّى الناخب “المتوسّط” وهو الناخب المعتدل من الحزبين رفضها!

شبكة “إيه بي سي” ABC الأميركيّة أرجعت فوز ترامب، إلى ثلاثة أسباب رئيسيّة. وتستند هذه الرؤى في المقام الأوّل إلى استطلاعات الرأي عند الخروج من مراكز الاقتراع، والّتي تعتبر من أفضل مصادر البيانات المتاحة حول أسباب وكيفيّة تصويت أنواع مختلفة من الناس.

ويعدّ التضخّم من أوّل وأهمّ الأسباب، على الرغم من كلّ الضجّة حول مختلف القضايا والتصريحات والتجمّعات والخطابات خلال هذه الانتخابات، إذ إنّ الاقتصاد يعتبر فريدًا من نوعه؛ لأنّه يعدّ من أكثر الجوانب “جاذبيّة” في حملة ترامب، إذ يصنّف الناخبون تكلفة المعيشة في أميركا كواحدة من أهمّ مخاوفهم كونها واحدة من أكثر المشاكل إلحاحًا وأهمّيّة في حياتهم.

السبب الثاني حسب الشبكة الإخباريّة هو “الاستقطاب العنصريّ”. والاستقطاب العنصريّ يعني أنّ التفضيلات السياسيّة أو المصالح لأعضاء فئة أو فئات “محميّة” تختلف اختلافًا جوهريًّا عن التفضيلات السياسيّة أو المصالح لبقيّة الناخبين ضمن نطاق او مكان معيّن. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنّ دعم الديمقراطيّين انخفض بين الناخبين “غير البيض” وارتفع بين الناخبين البيض، خاصّة الحاصلين على تعليم جامعيّ. ويشير استطلاع للرأي إلى أنّ ترامب فاز بأصوات الناخبين البيض بنسبة 12 نقطة مئويّة، 55% مقابل 43% لهاريس. وبالمقارنة باستطلاع الرأي لعام 2020، فإنّ هذا يمثّل تطوّرًا بمقدار 5 نقاط لصالح الديمقراطيّين.

السبب الثالث هو ضعف التصويت من قبل الديمقراطيّين؛ فبالإضافة إلى “الرياح الاقتصاديّة المعاكسة” وتدهور القواعد الانتخابيّة الديمقراطيّة، يبدو أنّ الديمقراطيّين أيضًا كان لديهم ببساطة إقبال ضعيف. وتتراوح توقّعات الإقبال النهائيّ في حدود 152 مليون صوت. ويشكّل هذا انخفاض من 158 مليون صوت في عام 2020 وسيعادل حوالي %61 من الناخبين المؤهّلين. وبالتّالي يعدّ هذا انخفاضًا من 66% في عام 2020.

وفي حين لا يمكن التأكّد، حتّى مراجعة سجلّات من صوّتوا بالفعل، فإنّ الانخفاض في الإقبال أكبر حاليًّا في معظم المقاطعات الديمقراطيّة عبر الولايات المتأرجحة. وهذا أضرّ بحملة هاريس بشكل كبير. إذا كنت مرشّحًا ديمقراطيًّا، مثلًا، فإنّ انخفاض نسبة المشاركة في الضواحي أمر سيّئ، هذا أكيد، ولكن ليس بالسوء الّذي قد يسبّبه عدم تحقيق الهدف في أماكن مثل فيلادلفيا أو ميلووكي، حيث تعتمد على الكثير من الأصوات لتنتصر.

موقع “يو إس إيه توداي” USA TODAY قال ترامب استعان بمنظّمات خاصّة للقيام بمعظم حملاته الدعائيّة. كما استهدف ما أطلق عليه المسؤولون “الناخبون ذوي الميول المنخفضة”، في إشارة إلى الأشخاص الّذين لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع كثيرًا، على النقيض من الناخبين “المتردّدين” الّذين كان بوسعهم أن يختاروا أيّ من المرشّحين الرئيسيّين من الحزبين. وبالفعل فقد نجح الأمر. تشير استطلاعات الرأي إلى أنّ ترامب زاد من إجماليّ عدد الأصوات الّتي حصل عليها بين عدد من المجموعات، وخاصّة الشباب والسود واللاتينيّين!

وأضاف الموقع أنّ الحملة تبنّت استراتيجيّات مصمّمة لجذب أنواع مختلفة من الناخبين. وقال ترامب ومساعدوه إنّ الجهود المبذولة لجذب الشباب، “الأخوة”، هي السبب وراء قيامه ببثّ بودكاست جو روجان الشهير. كما خاض ترامب حملته في عدد من المناطق الحضريّة مع أشخاص من ذوي البشرة الملوّنة. وحقّق ترامب نجاحًا مع ذوي الأصول الإسبانيّة على الرغم من المرحلة الأخيرة المضطربة من الحملة، والّتي تضمّنت إهانات لهم من قبل أحد المتحدّثين في تجمّعه في نيويورك، وتعليقات محرجة حول الناخبات، والخطاب العنيف تجاه المعارضين السياسيّين!


المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *