لقاء مع د. عزمي بشارة بشأن الحرب على غزة وملامح المرحلة المقبِلة
أجرى مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، د. عزمي بشارة، مساء الأحد، حوارا عبر “التلفزيون العربي”، بشأن الحرب على غزة وملامح المرحلة المقبِلة المتعلّقة بها، أكّد فيه أن “إسرائيل أرادت التخلّص من ملفّ المختطفين المدنيين، قبل مواصلة المعركة”، لافتا إلى أنّ “الأهم في هذه المرحلة هو إيجاد صيغة تقود للتوصل إلى وقف إطلاق النار”.
ورأى بشارة أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة قائم كخطة، وكشف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فاتَح مسؤولين غربيين بالموضوع، وشدد على أن ما يوقف مشروع التهجير، إعلان مصري لإسرائيل بأنه سيكون بمثابة إعلان حرب، وهو ما لم يحصل بعد.
وأشار إلى أن “إسرائيل تستغلّ المهلة الأميركية لتكثيف عمليات القصف قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة”. وتوقّع أن تكون المرحلة التي ستلي هذا الشهر مرحلة معارك برية بشكل أساسي استباقاً لانتهاء المهلة الأميركية المعطاة لإسرائيل “بالأسابيع وليس بالأشهر”، وأشار إلى أن الأهم اليوم هو التوصل إلى وقف إطلاق النار بالكامل أكثر من الهدن الإنسانية.
وفيما عدَّ بشارة أن المظاهرات في الشوارع الغربية أكثر تأثيرا من القمم العربية حاليا، فإنه وصف الخلافات الحاصلة حاليا بين القيادات الإسرائيلية بأنها “مهمة لكنها لا تخصنا”.
واستبعد بشارة أن تكون خريطة المربعات (البلوكات) التي عممها الاحتلال أخيرا لجنوب غزة، مرتبطة بمخطط التهجير، واضعا إياها في خانة المناورات الكلامية وذر الرماد في العيون؛ لكنه حذر من أن التهجير يحصل حين يتم حشر غالبية الغزيين وحصارهم وتجويعهم في الجنوب قرب الحدود مع مصر، وفجأة يتم فتح لهم ممر إلى الخارج، حينها ستدفع غريزة البقاء بالناس إلى الخروج بالفعل.
وأكد أن ما يوقف التهجير ليس عزيمة الناس، بل “إعلان مصري واضح لإسرائيل مفاده أن التهجير إعلان حرب بالنسبة لمصر”. ذكّر بشارة بأن مخططات التهجير الإسرائيلية للفلطسينيين سابقة لنكبة 1948، لافتا في هذا السياق إلى “خطة داليت”، لكنه استدرك بأن “التهجير لا يحصل بموجب الخطط، فعلى قادة مسؤولي البلدان المعنيين بالتهجير أن يجيبوا إسرائيل عبر خطوات واضحة، بأنها لا تحكم المنطقة وليست سيدة على المنطقة”.
ورأى مدير المركز العربي للأبحاث، أن من بين أسباب عدم قيام العرب باتخاذ هذا النوع من المواقف، خشية مسؤولين عرب على علاقاتهم بواشنطن كما يتصورونها هم، وخشية البعض الآخر من أن يشي بهم مسؤولو بلدان عربية أخرى فيهم أمام البيت الأبيض، بالتالي فإنّ “ما يجري حاليا هو موقف المتفرج”.
وقال بشارة، مختصرا الموقف العربي الرسمي، إن “التظاهرات في الشوارع الغربية حاليا، أكثر تأثيرا من القمم العربية”. وحتى على مستوى الشارع العربي، فبرأي بشارة كان يُتوقع أكثر من الحاصل حاليا من تظاهرات وتعبئة شعبية.
جنوبيّ غزة
وعن مجريات الحرب، أوضح بشارة أن خطة إسرائيل الكبرى لا تزال تقوم على تدمير غزة والانتقام القبلي البدائي من المحيط الاجتماعي لـ”حماس”، وتقليل عدد سكان غزة بالتهجير والقتل، واستعادة الهيبة والانتقام وقَسم ظهر حماس العسكري لكي لا تكون قادرة على حكم غزة مستقبلا.
ولاحظ أنه في تنفيذ هذه الخطط، “هناك تعثر كبير وفوضى كثيرة ومقاومة كبيرة”، ذلك أن الإسرائيليين “يستسهلون القصف لأنهم يستصعبون القتال البري”.
وحثّ بشارة الفلسطينيين على ضرورة توقع أصعب السيناريوهات، لأن الاحتلال لديه نية اختراق خانيونس والوصول إلى منازل محددة والدخول إليها “وكأن قيادات حماس تنتظرهم في البيوت”.
وأشار إلى أن المقاومة المسلحة للاحتلال “بهذه القدرات والشجاعة حصلت على شرعية في الشارع العربي ويخطئ من يعيدها إلى خانتها الأيديولوجية لأن من يقاوم الاحتلال في هذه الظروف يكتسب شرعية”.
ونبّه من أنه “لا توجد ضمانات عسكرية وكل شيء يتوقف على قدرات المقاومة وصمودها وعلى رصانتها وتوقعها الأسوأ وتخطيطها”.
وردًّا على سؤال حول مستوى الوحشية التي استأنفت به تل أبيب حربها على غزة بعد هدنة الأيام السبعة، علّق بشارة قائلا إن ذلك كان متوقعا، “لأنه بمنطق الإسرائيليين، يجب زيادة الضغط على حركة حماس، هذا تكتيكيا، لكن إستراتيجيا هم في سباق مع الزمن وسط الرسالة الأميركية بأن الوقت ينفد وأن لدى إسرائيل أسابيع وليس أشهر لإنهاء القصف واستهداف المدنيين، بموجب ما أبلغه وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكن للقيادات الإسرائيلية الأسبوع الماضي”.
وعلى حد تعبير مدير “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، فقد أخطأ من اعتقد من كلام بلينكن أن إسرائيل ستكون أكثر تساهلا، وجزم بأن الأميركيين لا يزالون يتفقون مع تل أبيب على أهداف الحرب، لكنهم بدأوا يضيقون ذرعا من القتل بهذه الوتيرة، “لكن كل ذلك لم يصل إلى درجة توجيه إنذارات أميركية لإسرائيل بما يخص استهداف المدنيين، بل نصائح بمحاولة تفادي قتلهم، والجواب الإسرائيلي يأتي بصيغة سنحاول فعل ذلك”. إذا، لا شيء ملزما في النصائح وفق ما يوضح بشارة، حتى أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي يظهر في إطلالاته كأنه متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية وفق تعبير بشارة.
وفي الصّدد ذاته، توقع بشارة أن تكون المرحلة التي ستلي هذا الشهر، مرحلة معارك برية بشكل أساسي، وعندها ستكون الأيام كفيلة بإظهار الموقف الأميركي.
وذكر أنه مع مرور الوقت، ستكون الإدارة منخرطة أكثر فأكثر في الشأن الداخلي المتصل بالتحضير لانتخابات العام المقبل، ووصف أزمة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه “أصبح أسير دعم (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو، فإذا استمر بدعمه يخسر أصوات (في الانتخابات)، وإذا تخلى عن دعمه يخسر أصوات من فئات أخرى في المجتمع الأميركي”.
ووضع بشارة مواقف بايدن في خانة عدم اختلافها حيال الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية عن سياسات عهد سلفه دونالد ترامب، مع أن كل سياساته الخارجية الأخرى شديدة الاختلاف عما فعله الرئيس الجمهوري السابق. وتوقف عند اسم بريت مكغورك، وهو منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا داخل مجلس الأمن القومي، وهو حاضر في إدارات 4 رؤساء أميركيين، وصولا إلى بايدن اليوم، واصفا إياه بأنه صاحب النصائح الأكثر عدائية للعرب داخل الإدارة الأميركية عموما.
الهدنة ووقف إطلاق النار
وفي ما يتعلّق باحتمالات إبرام هدنة جديدة من عدمها في غزة بموجب الوساطة القطرية، ذكّر بشارة بأن إسرائيل “ولا يوم كانت معنية بالهدنة، وكانت هناك رغبة من الجيش الإسرائيلي بمواصلة المعركة”، لكن ضغط أسر الرهائن فرض على القيادة العسكرية والسياسية التخلص من هذا الملف، وعند أول فرصة اختلقت إسرائيل حججا ومبررات لاستئناف القتل، وراحت تفاوض على هدن بالساعة وليس باليوم، فاعتبرت حينها “حماس” أن لا شيء تكسب منه في هذا النوع من الهدن على حد تعبير د. بشارة الذي جزم بأن “اليوم الأهم هو التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار بالكامل أكثر من الهدن، وقيادة حماس لا بد أن تساهم في طرح أفكار لوقف إطلاق النار مقابل أمور يتم التفاوض عليها”.
ووافق بشارة على فكرة أن ضغط ذوي الرهائن الإسرائيليين على القيادتين العسكرية والإسرائيلية مهم، ذلك أن هؤلاء هم التيار الوحيد المسموح له بالتظاهر حاليا في إسرائيل، وهم بدأوا يقتنعون بأن دولتهم تكذب في موضوع الرهائن بعد ظهور طريقة التعامل الجيدة معهم في غزة، وأنه ليس كما يُصوّر من قبل نتنياهو وزمرته. كذلك، فإنهم يخشون على أبنائهم من القصف الإسرائيلي أكثر من أي أمر آخر.
ولفت بشارة إلى أن هناك أوامر ضمنية غير معلنة في إسرائيل، تفيد بقتل الفدائي لتوفير عناء أسره، وما حصل في القدس المحتلة قبل أيام عندما قتل عناصر أمن إسرائيليون الرجل الإسرائيلي الذي قتل منفذ العملية الفلسطيني، ظنا منهم أنه هو أيضا فلسطيني، رغم أنه رفع يديه ووجه نداءاته لهم، أحدثت صدمة في المجتمع الإسرائيلي، وجعلت كثيرين يفكرون بسيناريوهات غير تلك المعلنة من الحكومة حول ما حصل في عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
من يضغط باتجاه مواصلة التصعيد الحربي هذه الأيام هم الجنرالات
ووصف بشارة الخلافات الحاصلة حاليا بين القيادات الإسرائيلية بأنها “مهمة لكنها لا تخصنا”، ذلك أنها لا تتعلق بوقف القتل مثلا، بل بخلافاتهم القديمة والمستجدة الخاصة بتكتيكات الحرب وهي لا توثر بالفلسطينيين وبحرب غزة.
وقال بشارة ردا على سؤال حول من يقود الحرب اليوم في إسرائيل، إن من يفعل ذلك في العادة هو المستوى السياسي الذي يخضع له السلك العسكري، لكن فقدان الثقة اليوم من المجتمع الإسرائيلي بقيادة نتنياهو أجبر الأخير على تشكيل حكومة الحرب وإدخال خصومه إليها، ومن يضغط باتجاه مواصلة التصعيد الحربي هذه الأيام هم الجنرالات.
المقاطعة والرأي العام
وفي حين أعرب بشارة عن تقديره لأهمية حملات مقاطعة إسرائيل، إلا أنه قال إنها تصبح أكثر جدوى عندما تتبناها الدول كما تذكرنا التجارب التاريخية مثل مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ونصح الفلسطينيين بالبناء مستقبلا على الموقف المؤيد لقضيتهم من قبل الرأي العام العالمي لعدم خسارته.
وكرر رأيه بالدعوات لمحاكمة المسؤولين الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية، واعتبر أنها “أساسا موقف، وهذا إيجابي، لكن التجربة تفيد بأن المهزوم فقط يُحاكم وليس المنتصر، وهذا بعيد المنال حاليا نظرا إلى التعاطي الأميركي والأوروبي مع إسرائيل الذي يحول دون جعلها مهزومة”.
وخلُص إلى أنه “لا نستطيع التعويل على المحاكم الدولية، بل على المقاومة والموقف الشعبي والاتكال على أنفسنا”.
وتناول بشارة في محاضرة عقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الخلفية السياسية لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، والسلوك العام الإسرائيلي، والمواقف الدولية والعربية تجاه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، مع تحليل مفهوم الإبادة الجماعية في حالة غزّة، ومناقشة استخدام إسرائيل لـ “حق الدفاع عن النفس” في تبرير حجم جرائمها.
وكان بشارة قد أعرب خلال حوار أُجري معه في الثاني عشر من الشهر الماضي، عن ثقته بأن الإسرائيليين يدركون أنهم عاجزون عن البقاء في غزة، لافتا إلى أن إسرائيل لم تكن لديها أي خطة لـ”اليوم التالي” أي لما بعد القضاء على حركة “حماس” في حال نجحت في ذلك.
وتوقّع بشارة في اللقاء ذاته، أن تواجه إسرائيل المزيد من المقاومة المسلحة في قطاع غزة، مرجّحا أن يكون أمام إسرائيل مهلة أميركية لا تتجاوز الشهر لـ”تنفيذ المهمة”.
وفي ما يتعلّق بتبدّل الأولويات العسكرية الإسرائيلية من التركيز على شمال القطاع ثم الانتقال إلى الجنوب، أوضح بشارة أنه بعدما حصل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر كان المسؤولون الإسرائيليون مضطرين لوضع خطة عسكرية وراحوا يلائمون الوقائع لتتوافق مع الخطة التي وُضعت على عجل.
وأشار إلى أنه “إما أن هناك مخططا لتهجير سكان غزة من الشمال إلى الجنوب ومن هناك إلى سيناء، أو أن هذا انعكاس للارتباك الإسرائيلي وهذا أمر وارد جدا”. وشدّد بشارة على أن الأميركيين لا يزالون يشتركون مع إسرائيل في أهدافها من الحرب.
المصدر: عرب 48